المصطفى الجوي – موطني نيوز
في عصرنا الحالي، تواجه الأسرة العربية تحديًا خفيًا يتمثل في ظاهرة الإعاقة الوظيفية لدى الشباب. هذه الإعاقة ليست جسدية، بل هي نتاج لنمط تربوي خاطئ أدى إلى نشوء جيل يفتقر إلى الاستقلالية وتحمل المسؤولية.
نرى في كثير من البيوت شبابًا أصحاء جسديًا، لكنهم عاجزون عن أداء أبسط المهام المنزلية. يستيقظون تاركين أسرّتهم فوضوية، ويتركون ملابسهم مبعثرة، ويتوقعون من الأم القيام بكل شيء. هذا النمط من السلوك لا يقتصر على المهام المنزلية فحسب، بل يمتد إلى جوانب أخرى من حياتهم، حيث يقضون ساعات طويلة في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي أو مشاهدة المسلسلات، دون أي مساهمة فعالة في حياة الأسرة.
إن هذه الظاهرة تثير تساؤلات جادة حول أساليب التربية السائدة في مجتمعاتنا. فقد نجحنا – دون قصد – في خلق جيل يتصرف وكأنه ضيف في منزله، غير قادر على تحمل أدنى مسؤولية. وهذا الأمر لا يقتصر على فترة المراهقة أو الدراسة، بل يستمر حتى بعد الحصول على وظيفة، مما يشير إلى ترسخ هذا السلوك في شخصياتهم.
من الضروري أن ندرك أن تحمل المسؤولية ليس مهارة تُكتسب فجأة، بل هي سلوك يجب غرسه منذ الصغر. فالأبناء الذين لم يتعلموا تحمل المسؤولية في منازل أهلهم، من المرجح أن ينقلوا هذه الثقافة إلى حياتهم الزوجية المستقبلية، مما يخلق دورة من الاتكالية وعدم الاستقلالية.
لذا، يجب علينا كمجتمع أن نعيد النظر في أساليب تربيتنا. علينا تشجيع أبنائنا على المشاركة في المسؤوليات المنزلية منذ سن مبكرة، وتعليمهم قيمة العمل والاعتماد على النفس. يجب أن نفهم أن الحماية الزائدة والقيام بكل شيء نيابة عن أبنائنا ليس حبًا، بل هو إعاقة لنموهم الشخصي والاجتماعي.
إن التصدي لهذه المشكلة يتطلب جهدًا جماعيًا من الأسرة والمجتمع. يجب على الآباء والأمهات أن يدركوا أهمية تعليم أبنائهم المهارات الحياتية الأساسية، وأن يمنحوهم الفرصة للمشاركة في الأعمال المنزلية. كما يجب على المدارس والمؤسسات التعليمية أن تولي اهتمامًا أكبر لتنمية مهارات الاستقلالية وتحمل المسؤولية لدى الطلاب.
نفهم، إن الوعي بوجود هذه “الإعاقة الوظيفية” الخفية هو الخطوة الأولى نحو معالجتها. علينا أن نتحرك الآن لتربية جيل قادر على تحمل المسؤولية والاعتماد على نفسه، جيل يكون فاعلًا ومنتجًا في مجتمعه، لا مجرد متلقٍ سلبي. فمستقبل مجتمعاتنا يعتمد على قدرتنا على تخطي هذا التحدي وبناء أجيال مستقلة وقوية.