المصطفى الجوي – موطني نيوز
في قلب إقليم بنسليمان، تتجلى صورة قاتمة لما يمكن وصفه بأحد أكبر إخفاقات السياسات التنموية في المغرب المعاصر. المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، المشروع الملكي الذي أُطلقت بضجيج إعلامي كبير وآمال عريضة في عام 2005، تحولت إلى رمز للفشل الذريع وخيبة الأمل الجماعية.
منذ البداية، كانت الوعود كبيرة والطموحات عالية. تحدث المسؤولون بحماس عن تحول جذري في حياة سكان الإقليم، عن مشاريع ستنتشل الآلاف من براثن الفقر، وعن تنمية مستدامة ستغير وجه المنطقة. لكن الواقع اليوم يكشف عن حقيقة مرة : “لم يتحقق شيء من هذه الوعود الفضفاضة”.
الزيارة الميدانية للإقليم تكشف عن مشهد يثير الأسى والغضب في آن واحد. حيث كان من المفترض أن تقوم مشاريع تنموية، نجد أراضي فارغة أو مباني متهالكة. المشاريع التي تم الإعلان عنها بفخر إما لم تر النور أصلاً، أو تم تنفيذها بشكل رديء لدرجة أنها أصبحت عبئاً إضافياً على السكان بدلاً من أن تكون عوناً لهم. ومنها من إختفى مباشرة بعد تدشينه.
ولعل أكثر ما يثير الاستياء هو حجم الأموال التي تم إهدارها. مليارات السنتيمات ضُخت في هذه المبادرة، لكن أين ذهبت؟ التحقيق الذي اجراه موطني نيوز يكشف عن شبكة معقدة من الفساد وسوء الإدارة. الأموال التي كان من المفترض أن تغير حياة الفقراء انتهى بها المطاف في جيوب الفاسدين ومن يدور في فلكهم.
الشفافية، التي كان من المفترض أن تكون حجر الزاوية في هذه المبادرة، غائبة تماماً. محاولات الحصول على معلومات دقيقة حول المشاريع المنفذة وكيفية إنفاق الأموال تُقابل بجدار إسمنتي من الصمت أو بإجابات متناقضة. هذا الغموض المتعمد يفتح الباب واسعاً أمام الشكوك والتساؤلات حول حجم التلاعب والفساد الذي يحيط بالمبادرة.
أما عن المستفيدين المفترضين من هذه المبادرة في إقليم بنسليمان، فحالهم يدعو للرثاء. الفقراء الذين كان من المفترض أن تستهدفهم المبادرة لا يزالون يرزحون تحت وطأة الفقر والتهميش. بل إن وضع البعض منهم قد ساء، إذ تحطمت آمالهم وتبددت أحلامهم بمستقبل أفضل. المشاريع التي كان من المفترض أن توفر فرص عمل وتمكين اقتصادي تحولت إلى سراب وتبخرت، تاركة وراءها جيشاً من العاطلين عن العمل والمحبطين.
الأكثر إثارة للقلق هو غياب المساءلة التام رغم تعاقب ثلاثة مسؤولين على هذا القسم. ورغم الأدلة الدامغة على الفشل والفساد، لم نسمع عن أي محاسبة حقيقية للمسؤولين عن هذا الإخفاق الذريع ولم تقدم أي جهة للقضاء، ولم يعلن عن أي بيان ينور الساكنة و الاعلام بالارقام و النسب الناجحة و الفاشلة. يبدو أن هناك حصانة ضمنية تحمي المتورطين في إفشال هذه المبادرة الملكية، مما يرسخ ثقافة الإفلات من العقاب ويقوض أي أمل في الإصلاح.
المجتمع المدني، الذي كان من المفترض أن يلعب دوراً محورياً في مراقبة وتنفيذ هذه المبادرة، يجد نفسه مهمشاً ومقصى ومنهم من انخرط واستفاد. والجهات التي تحاول رفع الصوت ضد فساد مشاريع المبادرة الوطنية للتنمية البشرية وسوء الإدارة تواجه ضغوطاً هائلة وعراقيل بيروقراطية تشل حركتها، ومنهم من يريد أن يرهبهم بدعوى التشكيك في الورش الملكي الكبير، نعم أنا أشكك في هذا الورش محليا لنني لا ارى أي امال أو تطلعات بسبب اختفاء مجموعة من المشاريع التي دشنها عامل اقليم بنسليمان شخصيا. هذا الإقصاء المتعمد للأصوات الناقدة يكشف عن نية مبيتة لإبقاء الوضع على ما هو عليه، بعيداً عن أعين الرقابة والمساءلة. لكننا لن نسكت وفي المرة القادمة نعدكم بأننا سنطرح أسماء المستفيدين من المشاريع التي اختفت و التي تعرفونها جيدا، سنتحدث عن المشاريع التي مولت برخص من جماعات قروية وهي في الاصل بتراب الجماعة الحضرية بنسليمان نموذجا بحسب تصميم التهيئة.
الخطاب الرسمي حول المبادرة إقليميا لا يزال يتحدث عن نجاحات وهمية وإنجازات مزعومة. هذا الانفصام بين الخطاب والواقع يزيد من حدة الإحباط لدى السكان ويعمق الهوة بين المواطنين والمؤسسات الرسمية. الثقة، التي هي أساس أي مشروع تنموي ناجح، تآكلت بشكل كبير، وقد يستغرق إعادة بنائها سنوات، إن لم يكن عقوداً.
وحتى لا نتهم بالتحامل أو أننا نشكك في جهة ما بعينها، تقف المبادرة الوطنية للتنمية البشرية في إقليم بنسليمان شاهداً على إخفاق ذريع في السياسات التنموية. إنها قصة عن وعود كبيرة تحطمت على صخرة الواقع، عن أموال ضخمة أُهدرت دون أي مردود حقيقي، وعن آمال شعب كامل تبددت في غياهب الفساد وسوء الإدارة. إنها دعوة صارخة لإعادة النظر بشكل جذري في كيفية تصميم وتنفيذ المشاريع التنموية، وضرورة وضع آليات صارمة للمساءلة والشفافية. بدون تغيير جذري في النهج المتبع، ستظل مثل هذه المبادرات مجرد حبر على ورق، تخدم مصالح القلة على حساب الأغلبية المهمشة، والتي تتحمل وزرها وزارة الداخلية ومفتشيتها العامة التي على ما يبدوا لم تحقق و الى حدود الساعة في اي من هذه المشاريع التي استفادت من المال العام.