المغرب أرض الأولياء والزوايا..رحلة عبر التاريخ والتصوف

المصطفى الجوي

المصطفي الجوي – موطني نيوز

المغرب هو واحد من أكثر الدول العربية والإسلامية التي تحتضن الزوايا والأضرحة والمزارات، حيث تكاد لا تخلو قرية أو مدينة من ضريح أو مزار، حتى سمي ببلد الألف ولي. تحتل هذه المعالم الدينية مكانة هامة في نسيج المجتمع المغربي وحياته اليومية، وتمتد جذورها في عمق التاريخ الديني والسياسي للمغرب، من عهد الأدارسة حتى العلويين الذين يحكمون المغرب اليوم. يرتبط هذا الإرث بالنسب الشريف أو الانتساب لآل البيت، مما أسهم في ترويج الأيديولوجية الشريفية.

دور الزوايا والأضرحة في المجتمع المغربي

تُعَد الزوايا والأضرحة مؤسسات اجتماعية وروحية لعبت أدوارًا مهمة في تاريخ المغرب السياسي والاقتصادي والاجتماعي، خاصة قبل وأثناء فترة الاستعمار. كانت الزاوية تُعَد سلطة محلية مستقلة، تساندها القبيلة وسكانها، وتمكنت من فرض نفسها على “المخزن” (الدولة المركزية) كقوة حقيقية. وقدمت هذه المؤسسات الدعم في أوقات المجاعات والأزمات والحروب، حيث كانت تُطعِم المحتاجين وتؤوي الفقراء.

قصص الأولياء وكراماتهم

تستند أهمية الأضرحة والزوايا إلى كرامات الأولياء المدفونين فيها، والذين يُعتقد أنهم يتمتعون بقدرات خارقة منحها الله لهم نتيجة تقواهم وزهدهم. تُسرد حول هؤلاء الأولياء قصص تُدرج في إطار الأساطير والخرافات، ويتوارثها الأجيال، خاصة في صفوف الأميين ومن يعتقد بقدراتهم فوق الطبيعية. تُعرَف العديد من الأضرحة بأسماء نساء مرتبطات بكرامات وحكايات عن تقواهن، ويُعتَبرن جزءًا لا يتجزأ من التراث الروحي المغربي.

الأولياء والتخصصات

ما زالت كرامات الأولياء تؤثر في معتقدات شريحة كبيرة من المجتمع المغربي، حيث يتم اللجوء إليهم لقضاء العديد من الحاجات الدنيوية والتبرك بهم. تتخصص بعض الزوايا في شفاء أمراض معينة أو تحقيق رغبات محددة مثل الزواج أو إنجاب الأطفال. يقدم الزوار الهبات والهدايا لخدّام الضريح، الذين غالبًا ما يكونون من أحفاد الولي أو سكان المنطقة.

التدين الشعبي ودعم السلطة

لاحظت السلطات أهمية هذه الزوايا والأضرحة، فعملت في السنوات الأخيرة على دعمها وإعادة إحياء بعض الأضرحة التي كانت منسية. لم تكن للزوايا مطامح سياسية قوية بعد الاستقلال، باستثناء بعض الحالات النادرة مثل الزاوية الخمليشية، التي كان لها نشاط سياسي وعسكري في منطقة الريف.

التصوف والتدين الروحي

يعتبر التصوف والزوايا من أكثر التجمعات المريحة للسلطة، لأنها لا تميل إلى العنف ولا تشكل خطرًا عليها. لهذا السبب، دعمت الدولة الطرق الصوفية منذ تسعينيات القرن الماضي، خاصة مع انتشار التيارات السلفية وحركات الإسلام السياسي التي تدعو إلى العنف والجهاد. تحظى الزوايا بدعم إعلامي كبير، حيث تروج لها برامج تلفزيونية وتغطي احتفالياتها السنوية.

الزوايا والتدين الروحي

تختلف الزوايا عن الأضرحة من حيث الفئات الاجتماعية التي ترتادها ووظائفها السياسية. بينما يبقى التدين الشعبي محدودًا بين الطبقات الفقيرة التي تزور الأضرحة، فإن نفوذ الزوايا يتعاظم ويستقطب مريدين من مختلف الطبقات الاجتماعية. تُعَد الزاوية مؤسسة قائمة بذاتها، تُنظِّم حلقات للذكر والصلاة، ويتوارث مشيختها حفدة الولي المؤسِس لها. كما يتجاوز تأثير بعض الزوايا الحدود المغربية ليصل إلى دول أفريقية وأوروبية، مثل الزاوية التيجانية والزاوية البودشيشية.

التغيرات المجتمعية وتأثيرها على الزوايا والأضرحة

أدت المتغيرات الاجتماعية والعولمة إلى تراجع دور الأضرحة في حياة الأفراد، لكن هذا لا يعني نهايتها، حيث تبقى هذه المعتقدات جزءًا من ثقافة المجتمعات حتى الأكثر عقلانية. يستمر المغرب في الحفاظ على هذا التراث الروحي والديني، الذي يمثل جزءًا من هويته وتاريخه العريق.

خاتمة

المغرب بلد الألف ولي هو تجسيد لتاريخ طويل من التصوف والزهد والتدين الشعبي، حيث تلعب الزوايا والأضرحة دورًا حيويًا في حياة المجتمع المغربي. تظل هذه المؤسسات جزءًا لا يتجزأ من نسيج المغرب الاجتماعي والديني، معززة بروح التسامح والسلام التي تميز التصوف الإسلامي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!