المصطفى الجوي – موطني نيوز
لم أكن لأتطرق لهذا الموضوع، لو لم أشاهد بالصدفة فيلمًا هنديًا جديدًا يحمل عنوان “The Goat Life” (حياة الماعز). هذا الفيلم أثّر فيَّ كثيرًا لما عاناه أحد العمال الهنود اسمه “نجيب” في المملكة العربية السعودية، وهي بالمناسبة قصة حقيقية تجسد مدى استغلال دول مجلس التعاون الخليجي لورقة “الكفيل”، والتي أعتبرها أنا شخصيًا كمثل صك العبودية. وبالفعل، فهذا العامل وصديق له سقطا بالخطأ – وهما يجهلان اللغة – بين أيدي شخص ينطق الشهادة ولا يؤمن بها، يصلي ولا تظهر في أخلاقه. حيث توفية صديقه حكيم في الصحراء وإختفى إبراهيم عن الأنظار بينما نجيب عاش ثلاثة سنوات في الجحيم لا يعلم كيف مرت وثلاثة أشهر في السجن قبل ترحيله لبلده بدون أي تعويض أو جبر للضرر. لهذا قررت أن أتحدث عن هذا النظام العنصري الذي لابد وأن يتغير.
يُعدّ نظام الكفالة في دول مجلس التعاون الخليجي من أكثر الأنظمة إثارة للجدل في العالم المعاصر، إذ يُنظر إليه على نطاق واسع كنموذج للممارسات العمالية المقيّدة التي تقترب في جوهرها من مفهوم العبودية الحديثة. هذا النظام، الذي نشأ في سياق التطور الاقتصادي السريع لدول الخليج، يضع العمال الوافدين تحت سيطرة شبه مطلقة لكفلائهم، مما يخلق علاقة عمل غير متكافئة تنتهك في كثير من الأحيان الحقوق الأساسية للإنسان.
في جوهره، يمنح نظام الكفالة سلطة واسعة للكفيل على العامل الوافد، بدءًا من إصدار تأشيرة الدخول وانتهاءً بتحديد شروط الإقامة والعمل. هذه السلطة الممنوحة للكفيل تتجاوز حدود علاقة العمل التقليدية، إذ تمتد لتشمل التحكم في حرية تنقل العامل، وقدرته على تغيير وظيفته، بل وحتى إمكانية مغادرته للبلاد. هذا الوضع يضع العامل في موقف ضعف شديد، يشبه إلى حد كبير وضع العبيد في العصور السابقة.
إن مقارنة نظام الكفالة بالعبودية ليست مبالغة، بل هي توصيف دقيق للواقع الذي يعيشه ملايين العمال في دول الخليج. فالكفيل، بموجب هذا النظام، يمتلك القدرة على التحكم في مصير العامل بشكل شبه كامل. يمكنه منع العامل من تغيير وظيفته، حتى في حالات الاستغلال أو سوء المعاملة. كما يمكنه حجز جواز سفر العامل، مما يقيد حريته في التنقل ويجعله أسيرًا لإرادة الكفيل.
ومن الجوانب الأكثر إثارة للقلق في نظام الكفالة هو قدرة الكفيل على إنهاء عمل الوافد وترحيله من البلاد في أي وقت يشاء، دون الحاجة إلى تبرير قانوني قوي. هذا التهديد الدائم بالترحيل يخلق بيئة عمل قائمة على الخوف والإذعان، مما يمنع العمال من المطالبة بحقوقهم الأساسية أو الاعتراض على ظروف العمل غير الإنسانية.
لقد واجه نظام الكفالة انتقادات شديدة من المنظمات الحقوقية الدولية. فهذه الممارسات لا تتعارض فقط مع مبادئ حقوق الإنسان الأساسية، بل إنها تتناقض أيضًا مع القوانين والمعاهدات الدولية التي تحمي حقوق العمال. إن استمرار هذا النظام يضع دول الخليج في موقف حرج أمام المجتمع الدولي، ويشوه سمعتها كوجهات اقتصادية وسياحية جاذبة.
ومع ذلك، فإن الصورة ليست قاتمة تمامًا. فقد بدأت بعض دول الخليج في إدخال إصلاحات على نظام الكفالة، استجابة للضغوط الدولية. هذه الإصلاحات، وإن كانت محدودة، تمثل خطوة في الاتجاه الصحيح نحو تحسين أوضاع العمال الوافدين. ومع ذلك، فإن التغيير الحقيقي يتطلب إعادة هيكلة جذرية لنظام العمل في دول الخليج، بما يضمن حماية حقوق العمال وكرامتهم الإنسانية.
وبالتالي، يمكن القول إن نظام الكفالة في دول مجلس التعاون الخليجي يمثل تحديًا أخلاقيًا وقانونيًا كبيرًا في عالمنا المعاصر. إنه نظام يتعارض مع القيم الإنسانية الأساسية ومع مبادئ العدالة والمساواة. ولذا، فإن إلغاء هذا النظام أو إصلاحه بشكل جذري ليس فقط ضرورة أخلاقية، بل هو أيضًا خطوة حيوية نحو تحقيق التنمية المستدامة والعادلة في منطقة الخليج. إن مستقبل دول الخليج، ومكانتها في المجتمع الدولي، يعتمد بشكل كبير على قدرتها على تجاوز هذا النظام القمعي الهمجي والتحول نحو نموذج عمل يحترم الكرامة الإنسانية ويحمي حقوق جميع العاملين، بغض النظر عن جنسياتهم أو أصولهم.