لكنكم كغُثاء السيل…

المصطفى الجوي

المصطفى الجوي – موطني نيوز

بسم الله الرحمن الرحيم في زمننا الحالي، يتجاهل الكثيرون حقائق صادمة وأحاديث نبوية تحمل في طياتها تحذيرات لا تُستهان بها. ومما قد ورد عن النبي الكريم في الحديث النبوي الشريف تنبيهٌ واضح، ينبغي على الإنسان أن يأخذه على محمل الجد. “يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها”، كلمات تتسلل إلى الضمير بثقلها، تحمل تحذيرًا صارمًا من عواقب الإهمال والتقصير.

لنفهم هذا الحديث بعمق، نجد أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد وصف حالة الأمم بأنها ستتحدَّ للهجوم على المسلمين، تشبه هذه الهجمة تمامًا اقتراب الأكلة من قصعتها. وفي سياق متصل، يأتي السائل يتسائل : “ومن قلة نحن يومئذ؟”، فتأتي الإجابة الصادمة والتي تشعرنا بواقعنا المرير ومخزي : “بل أنتم يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل”.

هنا ينبغي لنا أن ننظر إلى أنفسنا بنظرة صادقة وصريحة. هل فقدنا الهمة والتفاؤل؟ هل أضعنا هويتنا الإسلامية في متاهات الحياة اليومية؟ نحن الكثيرون، ولكن هل نحن مؤثرون؟ هل نحن كغثاء السيل؟

الحديث يستفزنا للتفكير في أفعالنا واتجاهاتنا. لأننا نعيش في زمنٍ تبدو فيه القيم الإسلامية هشة أمام تدفق الثقافات والأفكار. نحن كثيرون في العدد والعدة، لكن هل نحن كثيرون في الأثر؟

قد يكون السر في الفهم السليم للإيمان والتمسك به. ” ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، ليقذفن الله في قلوبكم الوهن”. هنا يكمن الجوهر، في إزالة الهوان من قلوبنا واستبداله بالإيمان والثقة بالله. قد يكون العدو الحقيقي لنا هو ذلك الوهن الذي يتسلل إلى قلوبنا بسبب حب الدنيا وكراهية الموت.

ففي عصر يتميز بسرعة الحياة وارتفاع مستويات الرغبات المادية، يجب علينا أن نسأل أنفسنا : هل أصبح حب الدنيا غاية تستحوذ على قلوبنا، محدثًا انعكاسات سلبية على تصرفاتنا وأهدافنا الحياتية؟ هل كراهية الموت أصبحت تعترض طريقنا نحو التضحية والتفاني في سبيل الله؟.

لنكن واعين ومتفهمين لواقعنا، ولنبدأ بتغيير ذلك الغثاء الذي قد يكون تحت قميص الإسلام والعروبة، ولكنه لا يعكس الصورة الحقيقية للمسلم. إن كنا الكثيرون، فلنكن الكثيرون الفاعلين، الذين يسعون لنشر الخير والعدل، ويحملون راية الحق والإيمان بكل فخر واعتزاز.

إنه وقت التحرك والاستيقاظ، قبل أن يأتي يوم الحساب، ويقال لنا : “وأنتم يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل”، هذا التشبيه البديع يضفي على الحديث طابعًا خاصًا يستحق التأمل. السيل هو تدفق قوي للماء، والغثاء هي الشوائب والأجسام الخفيفة التي يحملها السيل. لذا، عندما يُشبه المسلمون في هذا الحديث بـ”غثاء السيل”، تكون الصورة واضحة وصادقة.

كما تشير هذه المقارنة المؤلمة إلى أن الأمة الإسلامية والعربية المستعربة قد فقدت وحدتها وتماسكها، وأنها أصبحت متناثرة وضعيفة. كما أنها أضيعت في الأمور الدنيوية والتافهة، مثل الغثاء الذي يطفو على سطح السيل ويتناثر باتجاهات عشوائية. لأن القوة والتأثير يكمنان في تجمع السيل وتماسكه، ولكن عندما تصبح هذه القوة غثاءًا فإنها تفقد هيبتها وتأثيرها.

ولأن هذا التشبيه يُحث المسلمين على التأمل في حالتهم الحالية، ويعزز الضرورة الملحة للعودة إلى قيم الإسلام وتحقيق الوحدة والتماسك. فالسيل القوي والمتماسك يمكنه أن يحقق الكثير، ولكن الغثاء المتناثر لا يستطيع إلا الاندثار في طيات التاريخ، وهذل للأسف الشديد هو ما بتنا نراه بأم العين فأرض الحرمين باتت مقام للمثليين ومسرى الرسول أصبح مداس اليهود المتصهينين.

في ظل التحديات التي تواجه الأمة الإسلامية، يجب على المسلمين أن يتذكروا قوتهم عندما يكونون متماسكين وموحدين. وينبغي عليهم التفكير في كيفية تحقيق التوازن بين الحياة الدنيا والحياة الآخرة، وكيف يمكن للإيمان بالله أن يكون الدافع للنجاح في هذه الحياة والحياة الآخرة.

لذا، كغثاء السيل يذكرنا الحديث بأهمية العمل المشترك، وكيف يمكن للتماسك والالتفاف حول قيم الإسلام أن يعيد للأمة الإسلامية قوتها وتأثيرها. لإنها دعوة لترتيب الأمور وتجنيب الانقسامات الضارة، لكي يتمكن المسلمون من أن يكونوا مثل السيل القوي الذي يجلب الحياة والثراء إلى حياتهم ويحمل معه رسالة السلام والتوحيد، والدليل على ضعفنا هو أن الولايات المتحدة الصهيونية تجاهر بمساعدتها للصهاينة وتمدهم بما يقتل ويبيد إخواننا على مراى ومسمع من العالم في حين العرب المستعربة والمتأسلمين لن يستطيعوا فعل ذلك ولن تكون لهم الشجاعة لمساعدة الفلسطنين ولو بنصف لتر من الحليب أو كوب ماء. وردوها علية إن استطعتم أيها الجبناء.

الحديث الشريف ينتقل ليسأل السائل : “حب الدنيا وكراهية الموت؟”، ويأتي الرد بشكل موجع وصريح : “حب الدنيا وكراهية الموت”. هنا يكون الختام الذي يرسم صورة واضحة لجذور المشكلة. حيث يشير النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن الهوى نحو الدنيا والخوف من الموت هما المصدران للوهن الذي يتسلل إلى قلوب الناس.

حب الدنيا، بلا شك، هو قوة جذب قوية، تجذب الإنسان نحو المتع واللذات الفانية. الإنسان في زمن اليوم يعيش في محيط يغري بالراحة المؤقتة والاستمتاع الفوري. هذا الحب الفاحش للدنيا يسرق منا الوقت والطاقة التي يمكن أن نستثمرها في تحقيق الأهداف الأخروية والباقية.

أما كراهية الموت، فهي قضية تتعلق بالتفكير في الآخرة وما بعد الموت. رغم أن الموت لا مفر منه، إلا أن كثيرون يتجنبون الحديث عنه أو التأمل فيه. يرفضون مواجهة حقيقة أن كل نفس ستذوق الموت، ويفضلون تأجيل التفكير فيه إلى وقت لاحقـ لنهم مشغولون بجمع المال ومنغمسون مع العاهرات في البرات و الجزر الماجوسية.

هذا الحديث الشريف يعني لنا أن هذين العاملين – حب الدنيا وكراهية الموت – يُسلِبان من المسلمين عزمهم وقوتهم وعزيمتهم. فمن البديهي عندما ينشغل الإنسان بمتاعب الدنيا وهمومها، ويخشى الموت بشكل مفرط، يضيع الهمم ويتدنى العزم.

لكن الحديث لا يتركنا في حالة من اليأس، بل يتيح لنا الفرصة للتغيير. إنه يحثنا على تحويل حب الدنيا إلى حب الله ورضاه، وتحويل كراهية الموت إلى استعداد للقاء الله وتحقيق الأعمال الصالحة. لكن الأعمال الصالحة هي من تخيفكم وترعبكم ياعبدة الدرهم و الدينار والبترودولار.

لذا، فإنه في زمن التحديات والفتن، علينا أن نحافظ على قلوبنا ونقوي إيماننا. ولا يكفي أن نكون كثيرون في العدد، ولكن يجب أن نكون قويين في الإيمان والعمل الصالح. علينا أن ننظر إلى الحياة برؤية إسلامية حقيقية، وأن نعيش وفقًا لتعاليم ديننا. فلنكن من يتغلب على هذين العدوين – حب الدنيا وكراهية الموت – ولنعيش حياة ممتلئة بالهدف والتفاؤل، في خدمة الله وبناء جيل قائم على القيم الإسلامية. لا جيل يصلي صلاة الاستسقاء ويستورد قمحه ومؤونته من شعوب لا تصلي أبدا.

في هذا الزمان الذي يشهد تحولاتٍ سريعة وتحدياتٍ متعددة، يظهر وضعُ العرب والمسلمين بشكلٍ لافت. إنها فترة تستدعي منّا التأمل في تراجع الأمة الإسلامية وتقهقرها في ميدان القوة والتأثير الإيجابي. فالعديد من الأمور تعكس هذا الواقع المرير، ومنها ما يحدث في قطاع غزة، الذي يعاني من الآثار الوخيمة لصراعاتٍ دائمة وحصارٍ طويل.

بل يظهر في تلك الأحداث كيف تجلى الصعف والتخاذل في المواقف والعمليات الدولية والإقليمية تجاه معاناة الشعب الفلسطيني. فعلى الرغم من التضحيات البطولية التي يقدمها أبناء غزة، يبدو أن التفاف الأمة العربية والإسلامية حول قضيتها قد ضعُف بشكلٍ ملحوظ.

فالتحديات التي تواجه العرب والمسلمين تستدعي منا الوقوف بصمت وجدية أمام حقائقها. لإنَّ الوحدة والتماسك والتضحية يمثلون السبيل الوحيد لتجاوز الظروف الصعبة والتصدي للتحديات. كما يجب على المسلمين أن يستفيقوا من سبات الغفلة، ويعيدوا بناء جسور التعاون والتضامن.

لنكن صوتًا قويًّا للعدالة والإنسانية، ولنقف بجانب الشعوب المظلومة فشعب غزة يباد ولن يرحمكم التاريخ يا من تسمون أنفسكم بحكام الأمة. إنَّ الوقت قد حان لإظهار القوة من خلال الوحدة والتكاتف، لنعبر عن الإسلام الحقيقي الذي يدعو إلى العدل والسلام. لأنَّ تخاذلنا قد يعني تضاؤل الأمل في تحقيق التغيير والإصلاح. رحم الله الملك فيصل الذي حقق طفرة تنموية على أكثر من صعيد، ودافع عن القضية الفلسطينية، ورفض الاعتراف بإسرائيل، كما قرر مع عدة دول عربية ساعتها حظر تصدير النفط للدول الداعمة لإسرائيل أثناء حرب أكتوبر. إلى أن تم اغتياله بأيدي عربية متصهينة ومتأسلمة في 25 مارس 1975.

فلنكن ممن يسعى للوحدة ويعيد بناء الأمل والثقة في قلوبنا، لنكون جسرًا للأمل والتضامن، ولنُحدث فارقًا إيجابيًا في واقع الأمة الإسلامية. لإنَّ زمن الصمت والتراجع قد انقضى، وحان الآن للتحرك بحزم وقوة نحو تحقيق تقدم واستقرار يعود بالخير والنجاح إلى كل فقرة من فقرات هذه الأمة العظيمة، أليس فيكم رجل واحد يحي لنا أمجاد الراحل الملك فيصل؟.

وفي الختام لا بد من تدكيركم بالحديث النبوي الشريف الذي يصف فيه خير الخلق حالنا اليوم وكأنه يعيش معنا كل هذه الخيبات. وهو ما رواه ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : “يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، فقال قائل : ومن قلة نحن يومئذ؟ قال : بل أنتم يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن الله في قلوبكم الوهن، فقال قائل يا رسول الله : وما الوهن؟ قال حب الدنيا وكراهية الموت”.

ألا تخجلوا من أنفسكم يا حكام العرب والمسلمين، أكثر من 200 مليار دولار هي الموازنة العسكرية التي بحوزتكم، ملايين الجنود، الدبابات، المدافع، القنابل، الطائرات والصوايخ. ومسرى النبي صلى الله عليه وسلم  يُدافع عنه بالحجارة. هم يقتلون حرباً ونحن نموت قهراً. هم تنزف دمائهم ونحن تنزف قلوبنا. هم الشهداء ونحن المصابون. البأس هُناك والألم هُنا يعصر أكبادنا. اللهُمَّ احتضن غزَّة بين يديك وأنزِل رحمتك وسكينتك على أهلها وانصرهم فقد خذلناهم وبعنا قضيتهم وقبضنا الثمن.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!