المصطفى الجوي – موطني نيوز
في وقت يشهد فيه المغرب تحولات جوهرية نحو التطور والتحديث، تتعرض الصفقات العمومية في البلاد لتحديات جسيمة تهدد نزاهتها وشفافيتها. بل و يتزايد القلق حيال تفشي ظاهرة التلاعب والغش وتبديد الأموال العمومية في الصفقات العمومية، مما يفتح بابًا واسعًا للتساؤلات حول الشفافية والنزاهة في إدارة الموارد العامة.
وتعد الصفقات العمومية حجر الزاوية في بناء المجتمع وتحفيز الاقتصاد، ولكن مع تزايد حالات التلاعب والغش وتبديد الموال العمومية، يتزايد التساؤل حول النظام الذي يدير هذه العمليات والإجراءات التي تتخذ لضمان شفافية ونزاهة العمليات. واليوم تنشر موطني نيوز هذه المقالة لتسليط الضوء على تلك الاتجاهات السلبية وتسليط الضوء على الضرورة الملحة للتحول والإصلاح.
بل ويتساءل الكثيرون عن مدى تأثير هذا الظاهرة على الاستثمارات الوطنية والاقليمية و المحلية؟، وكيف يمكن للحكومة والمؤسسات المعنية أن تتخذ إجراءات فعّالة للحد من هذه الممارسات غير الأخلاقية؟. وبدورنا نتساءل في هذه المقالة عن السبل لتحقيق النزاهة والشفافية في صفقات القطاع العام، مما يعزز التنمية المستدامة ويبني جسوراً قوية بين المغرب والمستثمرين.
ففي ظل التحديات الحالية، يتعين على السلطات المغربية المعنية سواء الوطنية أو الاقليمية وحتى المحلية ووسائل الإعلام أن تكون لهما دور حيوي في رصد وكشف الفساد وتعزيز مفهوم المساءلة. لإنه وقت للتأمل والعمل المشترك لتطوير آليات فعّالة تحقق شفافية الصفقات العمومية وبالتالي حماية مصلحة الوطن والمواطنين.
ومع تصاعد هذه القضية إلى الواجهة، يبقى السؤال الأساسي : هل ستكون هذه التحولات الجوهرية فرصة لتحقيق النمو والاستقرار، أم ستبقى محطة للتلاعب والغش في الصفقات العمومية؟
وهو ما سنجيب عنه انطلاقا من الصفقة رقم 03/2023 التي أبرمت في إطار قانون الصفقات العمومية بين جماعة الزيايدة في اقليم بنسليمان و شركة مجموعة (أ.س) و (س.س) بإعتبارهما المجموعة المنفذة لصفقة تجهيز الدواوير بالماء الصالح للشرب عبر السقايات العمومية داخل تراب الجماعة.
فبحسب ما توصل به موطني نيوز من وثائق. فقد سبق السيد أحمد هزيل بتاريخ 13 نونبر 2023 بإعتباره مستشارا جماعيا بذات الجماعة. برسالة إنذار وتنبيه عن طريق مفوض قضائي بالمحكمة الابتدائية في بنسليمان الى الموظف المسؤول عن تتبع الأشغال، أخبر عبرها بأن الصفقة 03/2023 لم يتم من خلالها وضع بعض السقايات حسب تصميم الصفقة في الاماكن المحددة لهم. بالاضافة الى أن الأشغال يشوبها غش سيتم تتبيثه على أرض الواقع. وبالفعل فقد توصل الموظف المعني شخصيا بحسب توقيعه بمحضر تبليغ الانذار، ومع ذلك لم يبارح الانذار مكانه.
ليتوجه نفس المستشار الجماعي في نفس اليوم وعن طريق نفس المفوض القدامي لكن هذه المرة لتبليغ رسالة رفع الضرر عن جماعة الزيايدة موجهة الى السيد عامل صاحب الجلالة على إقليم بنسليمان. حيث يؤكد محضر التبليغ توصل الموظفة المكلفة بمكتب الضبط بالعمالة.
كل هذا من أجل الابلاغ السيد العامل بأن المشروع الذي دشنه موضوع الصفقة رقم 03/2023 والمتعلق بتزويد الماء الصالح للشرب عبر سقايات عمومية، لكن الغريب هو أنه تم إقصاء عدد من الدواوير وهم البصاصلة، الغزاونة، الكوامل، أولاد أخليفة والمشعريين. لكون هذه الدواوير تم بالفعل برمجة السقايات بها حسب تصميم الصفقة الذي لم يتم احترامه. لكن الحسابات الانتخابية كانت انتقامية وبالتالي تم تعمد إلغاء كل تلك السقايات لأسباب تجهلها الساكنة المقصية.
بل الخطر من كل ما سبق ذكره، أن صاحب المشروع و المصلحة التقنية بجماعة الزيايدة متورطين في عملية الغش التي شابت هاته الصفقة عدة اعتبارات من بينها أن عملية الحفر “الفوسي” الذي يوضع فيه أنابيب المياه “القادوس” هو متر في العمق وهو ما لم يتم حفره بالفعل. بالاضافة الى الرمال التي يتم وضعها أسفل الأنابيب وتغطيته غير موجودة على الاطلاق.أما الشيكة البلاستيكية التي تحمي الأنابيب فحدث و لا حرج فحتى هي غير موجودة وبالتالي فإن كل ما تم القيام به يعتبر غش وإختلاس للمال العام، ويتطلب تدخلا فوريا للنيابة العامة بحسب الرسالة التي وجهها المستشار الجماعي للسيد العامل.
الغريب أن هذا الملف لم يتحرك ولم تباشر فيه السلطات الاقليمية أي تحقيق بالرغم من مرور أسبوع كامل. وهو ما أضطر مستشارة بجماعة الزيايدة في اقليم بنسليمان برفع شكاية بتاريخ 20 نونبر 2023 عن طريق محامي إلى الوكيل العام لدى محكمة الإستئناف بالدار البيضاء، موضوعها “شكاية من أجل التلاعب في صفقة عمومية والغش فيها وتبديد مالية الجماعة”. في مواجهة المصلحة التقنية بالجماعة المذكورة وشركة مجموعة (أ.س) و (س.س) وهي المجموعة المنفذة لصفقة تجهيز الدواوير بالماء الصالح للشرب عبر الشقايات العمومية.
والتي جاء فيها أن الشركة المشتكى بها ابرمت مع الجماعة صفقة من أجل ايصال الماء الصالح للشرب الى بعض الدواوير عبر السقايات العمومية (الصفقة 03/2023) حسب دفتر التحملات والذي يتضمن التزامات الشركة وكيفية إنجاز المشروع علما أن المشروع سينفذ على طول 18400 متر وبعمق متر واحد وعرض 40 سنتيمتر.
مع التفريش و التغطية بالرمال المستخرجة من الحصي “التوفنة” أي ما يناهز (1100) متر مكعب. علما أن الشركة توصلت مقابل التوفنة وحدها بمبلغ 99 ألف درهم (90×1100 درهم)، علما أن الشركة المشتكى بها لم تستعمل الشبكة البلاستيكية التي من المفروض أن تتوصل الشركة بمبلغ 46 ألف درهم مقابلها (2.5×18400 درهم).
ولم تتوقف الشكاية الموجهة للسيد الوكيل العام للملك عند هذا الحد بل تؤكد على مخالفة دفتر التحملات، لأن الشركة المشتكى بها عوض أن تستعمل ؤمال البحر في الاسمنت المسلح، إكتفت بالتوفنة في بناء السقايات أو ما يسمى “الروكارات” لأن رمال البحر تكلف مصاريف تناهز 100 ألف درهم. والتوفنة لا يتعدى ثمنها 15 ألف درهم وهو ما اعتبرته الشكاية الغش في المواد قصد الربح على حساب المواطن ومن مالية الدولة.
زد على ذلك أن الشركة المشتكى بها لم تحترم دفتر التحملات ولم تقم بغربلة التراب لتغطية الشبكة و الانابيب حتى لا تتأثر و تتضرر بعملية الردم التي إلتجأت إليها الشركة المشتكى بها، لأن عملية الغربلة تكلف مصاريف تقدر بـ 90 ألف درهم لليد العاملة، فقامت بدل ذلك بالردم مباشرة بواسطة اتربة مليئة بالحصي والأحجار.
مضيفتا أن هذا الغش كان في جميع مراحل الأشغال التي قامت بها الشركة مشككتا حتى في طول الأنابيب المستعملة والذي هو 18400 متر. وبخصوص المصلحة التقنية التابعة للجماعة موضوع الشكاية هي الأخرى. فقد أكدت الشكاية أن هذه المصلحة لم تقم بتسجيل أي مخالفة على أساس أن الصفقة نظيفة 100%. بل على العكس تماما قامت هذه المصلحة بتوقيع على محضر نهاية الأشغال دون مراجعتها أو حتى إنتداب خبير لفحصها وفحص المواد المستعملة وتحرير تقرير في الموضوع.
وبعد إعتبار المستشارة الجماعية في شكايتها أن التغاضي عن مثل هذه الأفعال تعد جريمة يعاقب عليها القانون وتبديدا للمال العام، مطالبتا بخبرة للوقوف على هذه الخروقات التي اعتبرتها مؤكدة. ملتمستا من جناب الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف. إحالة شكايتها على من يجب ومتابعة المشتكى بهم وكل من ثبت تورطه أو ساهم أو أمر أو تغاضى على ذلك وإحالتهم على القضاء المختص لتقرر في حقهم ما يجب.
وفي إتصال لموطني ينوز بالمستشارين بجماعة الزيايدة. أكدا لنا أنه ام وضع شكاية إضافية بتاريخ اليوم 28 نونبر 2023، مفادها أن الشركة المشتكى بها تسلمت الدفعة الأولى من الصفقة تقدر 103 مليون سنتيم من أصل 190 مليون سنتيم. ضمت أسماء الموقعين على محضر إنجاز الصفقة. ويتعلق الامر بكل من رئيس الجماعة ونائبه الثالث و الموظف المشتكى به المسؤول على القسم التقني، مؤكدا على ان هذا الأخير غير “مرسم” ولا يحق له توقيع مثل هذه المحاضر ما لم يخضع لأداء القسم.
كما علم موطني نيوز من مصادره الخاصة أن السيد عامل الاقليم قام بتكليف لجنة من العمالة للتحقيق في الأمر تتكون من رجل سلطة ومهندس بعض التقنيين للوقوف على مدى استكمال الصغفقة لكل الشروط المطلوبة بحسب دفتر التحملات و التي ستزور الجماعة يوم الخميس 30 نونبر 2023. فهل هذه اللجنة ستكون محايدة؟ وهل ستستدعي المستشارين المشتكيان لتنوير اللجنة العاملية؟ أم أن هذه الزيارة ستكون “حسي مسي”؟ وان غدا لناظره قريب…
يتبع