التواصل في زمن الذكاء الاصطناعي وسؤال التشريع

بناصر السفياني باحث في القانون والتواصل

بقلم بناصر السفياني – موطني نيوز 

يعرف الذكاء الاصطناعي على أنه تقنية تحاكي الذكاء البشري على أداء المهام ويمكنه بشكل متكرر تحسين نفسه استنادًا إلى المعلومات التي يجمعها، لذا فكيف لنا أن نتملك الجديد عوض أن يتملكنا الجديد المرتبط بأساليب وتقنيات الذكاء الاصطناعي، التي تحاكي العقول البشرية ؟ فكيف ستنطلق الرسالة في أمان دون تعديل محتواها من المرسل، وعبر أية قناة ستمر لسيستقبلها المرسل إليه؟ كيف لي نظرية لاسويل أن تواكب الأسالب التي يفرضها الذكاء الاصطناعي، هل ستبقى خطاطة “هارولد لاسويل” تستجيب للبحث العلمي في ظل الذكاء الاصطناعي؟

إذا كان نموذج لاسويل يركز فيه على تحليل خمسة عناصر أساسية في التواصل : المرسل والمحتوى والمتوسطة والمستقبل والنتيجة، فإن التواصل في زمن الذكاء الاصطناعي، يتطلب تعميق البحث وإعادة التدقيق في مسار “مضمون الرسالة”، وعن أثارها مستقبلا، فنحن في زمن الإعلام الجديد أو الإعلام البديل ومايفرضه هو الآخر من قواعد وشكليات مرتبطة بسرعة المواكبة للبرامج، ولاسيما فيما يتعلق بما يسمى بالسبق الصحفي، إلا أن السؤال المطروح اليوم، كيف ستتعامل المؤسسات الإعلامية مع تقنيات الذكاء الاصطناعي؟ وكيف لها أن تؤمن مستقبلا مادتها الخبرية خاصة المؤسسات الرقمية؟ هذا من جهة ومن جهة ثانية كيف ستعمل على ضمان احترام الأخلاقيات المرتبطة بمجال الاعلام؟ نحن اليوم في مواجهة مباشرة مع تقنية تحاكي العقول البشرية التي تستقبل “الرسالة” في كل جزء من الثانية عبر نقرة أصبع على شاشة هاتف ذكي، فالحديث إلى الذكاء الاصطناعي، قد يكون ذو تأثير كبير على مضمون الرسالة الموجهة للمتلقي أو المخاطب بشكل عام.

المؤسسات العمومية والمؤسسات المنتخبة أو المؤسسات المكلفة بمهام المرفق العام، هي الأخرى ملزمة طبقا لأحكام الدستور، الفصل 27 منه و القانون 31.13 المتعلق بالحق في الحصول على المعلومات، ولاسيما المادة 10 منه، التي تلزم جل المؤسسات العمومية بنشر الحد الأقصى للمعلومات، إلا استثناءات الواردة في المادة 7 من نفس القانون.

فالذكاء الاصطناعي هنا أيضا سيفرض شروطه الذكية وتقنياته على الإدارات العمومية، خاصة الإدارات الرقمية، التي تحتوي على المعلومات الخاصة بالأفراد، لتطرح سؤال حماية المعطيات ذات الطابع الشخصي طبقا لمقتضيات القانون 08.09 المتعلق بحماية الأشخاص الذاتيين تجاه معالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي”.

لهذا فالحياة الخاصّة كذلك تحتاج لحماية قانونية متطورة وعصرية تواكب الأسالب التي يفرضها الذكاء الاصطناعي وبالعودة إلى المادة 4 من القانون 08.09، التي تقول أنه لا يمكن القيام بمعالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي، إلا إذا كان الشخص المعني قد عبر بما لا يترك مجالا للشك عن رضاه عن العملية أو مجموع العمليات المزمع إنجازها، كما تضيف أنه لا يمكن إطلاع الأغيار على المعطيات ذات الطابع الشخصي الخاضعة للمعالجة إلا من أجل إنجاز الغايات المرتبطة مباشرة بوظائف المفوت والمفوت إليه ومع مراعاة الرضى المسبق للشخص المعني، موضحة ذلك 

 أن الرضى لا يكون مطلوبا إذا كانت المعالجة ضرورية : ‌…لتنفيذ مهمة تدخل ضمن الصالح العام أو ضمن ممارسة السلطة العمومية التي يتولاها المسؤول عن المعالجة أو أحد الأغيار الذي يتم إطلاعه على المعطيات؛….

هذه النقطة بالذات المتعلقة بمعالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي، تحتاج لتشريع أكثر تطورا لتأمين وتقنين حماية المعطيات ذات الطابع الشخصي، حتى لاتكون عرضة للإطلاع عليها من خلال الاساليب الجد المتطورة للذكاء الاصطناعي.

ولمحاولة قدر الإمكان تطوير المؤسسات العمومية، وجعلها تواكب الأسالب الحديثة للذكاء الاصطناعي، أصبحت الإدارات العمومية ملزمة بنشر المعلومات عبر منصاتها الرقمية أو صفحاتها الرسمية، مع إلزامية الحيطة والحذر من الهجومات السيبيرانية، لأن نجاح التواصل المؤسساتي رهين بنشر المعلومات، وتبسيط المساطر الإدارية طبقا لمقتضيات القانون 55.19، المتعلق بتبسيط المساطر الإدارية.

بالتالي فتملك الجديد المرتبط بأساليب وتقنيات الذكاء الاصطناعي، أصبح ضروريا لمواكبة العصر الرقمي، لأن الفكر الرقمي الحديث مرتبط بالمستقبل، لا فكر بدون عالم رقمي، ولا عالم رقمي بدون فكر، هكذا تتحدث رواية الذكاء الاصطناعي التي تحاكي العقول البشرية.

بناصر السفياني باحث في القانون والتواصل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!