صراع الخير والشر بين الانس والجن (الجزء الأخير)

أسية عكور – موطني نيوز

في الطريق الى الجبل..ركب المرتحلون قارباً حربياً وخاضوا به البحر حتى بلغوا أرضاً غريبة يطئونها لأول مرةٍ في حياتهم..فساروا فيها بحذر..وهم لا يعلمون ماذا تخبئ لهم تلك الاراضي الموحشة من مفاجئات..فشاهدوا العديد من سيقان الأشجار المتكسرة والحفر التي تملئ الارض فقال يوزار :

هذه الحفر هي طبعات أقدام الغيلان العمالقة الذين يقطنون تلك الغابات .. وتلك الاشجار المحطمة هي بسبب مرورهم من هنا..

وبينما هم كذلك..إذ شعروا بهزاتٍ متعاقبة زلزلت الارض تحت أقدامهم..

فقال يوزار :

إنهم الغيلان..لقد جائوا..لابد أنهم قد شموا رائحتنا..

أسرع الجميع بالركض مبتعدين عن الخطر..لكن أغصان الأشجار أخذت تتكسر خلفهم ، تكتسحها أجساد الغيلان القاسية الضخمة..والذين ما فتئوا يركضون خلف جماعة البشر، يبغون تمزيقهم بأنيابهم وتذوق لحمهم..والغيلان هي مخلوقاتٌ تشبه البشر لكنها قبيحةٌ وعملاقة..يمتلك الغول منهم عيناً واحدةً فقط في منتصف جبهته..أدركت الغيلان أخيراً يوزار ورفقائه..فداس أحدهم على أحد الجنود فسحقه وقضى عليه..ثم حاول غولٌ آخر أن يسحق يوزار..فرفع الاخير سيفه ذو الشفرة البتارة فداس الغول على السيف فغار النصل في راحة قدمه، فرفع الغول قدمه صارخاً وأخذ يقفز على قدمٍ واحدةٍ حتى سقط على ظهره..ثم مد غولٌ ثالثٌ يده فأمسك بديانا ورفعها عاليا..فشرعت الملكة بالصراخ فالتفت إليها يوزار وحمل رمحاً ثم قذفه بقوةٍ فأصاب عين الغول..فتقهقر الغول وأفلت الملكة من يده فتلقفها يوزار بين ذراعيه ثم واصلوا الهروب..لكن الغيلان الغاضبة المتوحشة أحاطت بهم من كل جانبٍ وقطعت أمامهم كل فرصةٍ للهرب..ثم شرعت الغيلان بتضييق الخناق عليهم وهم يستعدون لتمزيقهم وتقطيعهم إرباً بينما يوزار والجنود في وسط الدائرة يحيطون بملكتهم لحمايتها…

وفي تلك اللحظات..سمع الجميع وقع حوافرٍ عنيفة..فلاحظ يوزار فزع الغيلان واضطرابهم..ثم انسحابهم عنهم..وهنا..خرج من بين الأشجار مخلوقات (القناطير) وهي تعدو نحوهم..والقنطور هو مخلوقٌ نصفه العلوي جسد إنسانٍ بذراعين ونصفه السفلي جسد حصانٍ بأربعة قوائمٍ وذيلٍ طويل..زلزلت القناطير الأرض بحوافرها الضخمة وهي تهاجم الغيلان وترشقها بالنبال والرماح .. حتى اضطرت الغيلان الى الهرب والإختباء في مجاهل الغابة..ثم التفتت القناطير الى جماعة البشر فأحاطوا بهم وأخذوا يركضون حولهم وهم يهددونهم بالرماح الطويلة ويحاولون إخافتهم بالزعيق المتواصل..فرفع يوزار صوته عالياً وهو يخبر القناطير أنهم يريدون فقط المرور الى جبل الهلاك..

فتقدم إليهم قنطور يبدو عليه البأس الشديد وقال :

اُدعى عسقلان..ولقد مر من هنا قبل يومين مقاتلٌ يغطي كتفيه بفرو الذئاب..وعندما حاولنا اعتراض طريقه رشقنا بوابلٍ من النبال الحمراء التي لم أرَ مثلها أبدا…فحالما تصيب أحدنا حتى تدمره تماما..وتجعل أحشائهُ تتناثر على امتدادِ عدة أمتار..فانهزمنا أمامه وراقبناه وهو يعبر منطقتنا الى جبل الهلاك، وشعور الخزي والعار يكاد يأكلنا..فلم يسبق لنا نحن قناطير الحرب أن انهزمنا في قتالٍ أبدا..

قال يوزار :

ذلك المقاتل يدعى عساف..والسلاح الذي يحمله هو قوس هارون..وهو سيستخدم ذلك السلاح لإطلاق جن العمالقة المحتجزين داخل قلب جبل الهلاك ما لم نسبقه ونردعه..

نظر ذلك القنطور الى عيني يوزار ثم قال :

أنا أمتلك موهبة الفراسة..وأعرف الصادق من الكاذب..والطيب من الشرير..وحدسي يخبرني بأنكم الأخيار هنا..لذا سنساعدكم لبلوغ جبل الهلاك حتى تردعوا ذلك العساف عن غيّه..فجن العمالقة هم من أقوى المخلوقات..ولو تحرروا لعاثوا في الأرض فسادا..ولن يستطيع أن يقف بوجههم سوى جن الاقدار..

هنا قال يوزار بذهول :

تقول جن الاقدار ؟؟ الآن عرفت لماذا يريد عساف تحريرهم..فشقيف يريد تحرير الجورجون بشدة..لكنه لن يستطيع ذلك ما دام زحل وأطلس في الوجود..لذا أرسل ولده عساف لتحرير جن العمالقة لينشغل زحل وأطلس بهم..وبذلك يخلو الطريق أمام شقيفٍ وولده ليمارسا طقوس تحرير الجورجون، وبدون أن ينغّص عملهما أحد..

ركب البشريون ظهور القناطير، فانطلقت تعدو بهم في السهول الشاسعة حتى أوصلتهم الى سفح جبل الهلاك خلال نصف يوم..

فالتفت يوزار الى القناطير وشكرها ثم قال :

نحن الآن متقدمون على عسافٍ بفضل سرعتكم..وسنحاول أن نكمن له ونوقفه عند حده..

قال عسقلان :

إذا أردتم دخول الجبل فعليكم أن تعبروا (المتاهة)..لكن ليس قبل أن تتغلبوا على (المِسخ) حارس المتاهة..ثم ودعت القناطير البشر وعادت لتجري بحريةٍ في السهول..

دخل يوزار وجماعته من بوابةٍ حجريةٍ في الجبل تؤدي الى العديد من الجدران الصخرية العالية والمتقاطعة فيما بينها والتي تشكّل بمجموعها ما يعرف ب(المتاهة)..سار الجميع داخل أروقة المتاهة وهم شاهرين لأسلحتهم وقد حاولوا أن يبقوا قريبين من بعضٍ ولا يتفرقوا..

لكن فجأة..أخذت الجدران تتحرك بسرعةٍ من مكانها وتنزاح ذات اليمين وذات الشمال..حتى فرقتهم عن بعضهم وشتتت شملهم..فوجد كل واحدٍ منهم نفسه في غرفةٍ منفصلة، باستثناء يوزار الذي أمسك بيد ديانا وتخطى معها العديد من الجدران التي حاولت سحقهم بشناعة..

صاحت ديانا :

كيف سنخرج من هذه المتاهة اللعينة ؟؟.. فكل ذرةٍ من تلك الجدران تحاول القضاء علينا..سمع الإثنان صراخ أحد الجنود وقد انحشر بين جدارين انطبقا عليه فسُحق بينهما حتى خمد صوته..ثم جاء الدور على يوزار والملكة.. فتحركت الحيطان لسحقهما…وهنا لمح يوزار تجويفاً صغيراً في الأرض فسارع هو وديانا بالإنسلال من خلاله في اللحظة الاخيرة ، فوجدا نفسيهما ينزلقان على منحدرٍ صخريٍ أملس حتى سقطا الى داخل حجرةٍ فارغةٍ ومظلمة..نهض الإثنان وهما يتطلعان حواليهما..وهنا صرخ يوزار بديانا محذراً إياها ثم قفز نحوها وأبعدها بجسده عن مخلوقٍ ضخمٍ كاد أن يكتسحها بقرونه الهائلة التي تنتصب على قمة رأسه..كان ذلك المخلوق هو المسخ حارس المتاهة..

وهو وحشٌ يشبه الثور لكنه يقف على قائمتين خلفيتين ذوات حوافرٍ عظيمة..ويملك ذراعين كذراعي البشر..بالإضافة الى وجه ثورٍ ذو قرون كبشٍ ملتفة، تشمخ من أم رأسه..

هنا صاح يوزار :

تلك هي طريقنا للخروج من المتاهة..

قالت ديانا :

وكيف ؟؟

رد يوزار :

قال عسقلان أننا لو أردنا اجتياز المتاهة، فعلينا أن نتغلب على المسخ..

أخذ يوزار يلوّح للوحش كي يهاجمه فالتفت المسخ الى الفتى وهو ينفث زفيراً ساخناً من منخريه، ثم انقض عليه بشراسة.. فلما بلغه نطحه بقرنيه فانقذف يوزار واصطدم بعددٍ من الاعمدة الحجرية فحطمها..ثم نهض يوزار بتثاقل وأخذ ينفض التراب عنه وهو يقول :

أهذا كل ما لديك ايها المسخ ؟؟

اخذ المسخ يضرب بحافريه الأرض بعصبيةٍ ثم انقض على يوزار انقضاضاً أعنف من سابقه..لكن الفتى قفز هذه المرة للأعلى، وفي طريقه أمسك بقرني المسخ وسحبهما بعنفٍ شديدٍ حتى اقتلعهما عن جمجمته !!!ففار الدم من راس المسخ وأخذ يتخبط في هجماته وقد جن جنونه..فأصبح يصطدم بالحيطان ويترنح في ركضه حتى ضربه يوزار بسيفه على وجهه فأسقطه بلا حراك..آنذاك..تحركت الجدران ببطئٍ هذه المرة كاشفةً عن الطريق الى قلب الجبل..وكان عبارةٌ عن مغارةٍ واسعةٍ جداً من الداخل..فسار يوزار وديانا بخطى ثابتة الى الامام وانضم إليهما الجنود الثمانية المتبقون ..

وفي تلك الأثناء..وصل عساف الى الجبل..لكنه لم يدخل عن طريق المتاهة..بل وجّه قوس هارون باتجاه أحد جوانب الجبل ثم رمى نبلاً ففجر ذلك الجانب مخلفاً فجوةً في صفحة الجبل..ثم دخل من تلك الفجوة محاولاً الوصول الى قلب الجبل..يوزار ورفقائه شعروا بالانفجار فعلموا بوصول عساف من ذلك الجانب فانقسموا الى مجموعتين وكمنت كل مجموعةٍ خلف صخرةٍ وانتظروا مروره..وبعد لحظات..شاهدوا عساف وهو يمر من أمامهم..لكن عساف توقف فجأة..فقد أصغى بواسطة سمعه المرهف الى صوت سحب أحد الجنود لسيفه من غمده…وبذلك فقد علم أن هنالك من يكمن له وراء الصخرة ليباغته..لذا..فقد سارع وبدون ترددٍ الى إشهار قوسه وقذف الصخرة بأحد نبال القوس العجيب..فكان أن انفجرت الصخرة وتبعثرت قطعها في كل مكان..أما الجنود خلفها فقد طوّح الانفجار بهم بعيدا…فيما أصيب أحدهم بأصابةٍ بليغةٍ أعجزته عن القتال..ثم ظهر يوزار وديانا وبقية الجنود من الصخرة الثانية وطوقوا جميعاً عساف..

فالتفت عساف الى يوزار وقال له :

كنت أعلم بأنكم ستلاحقوني..لذلك جئت مستعدا..أنظر هناك يا يوزار..

أشار عساف الى أعلى فالتفت يوزار فراعه أن يرى شيطانين يطيران بأجنحةٍ جلدية، أحدهما يحمل زوجته زينة والآخر يحمل ولده نوح..

فصاح يوزار بفزع :

كيف عثرت عليهما ؟؟

ضحك عساف وقال :

حربة شقيف التي تحتفظ بها زوجتك هي التي دلتني عليها..فلتلك الحربة أثر فريد في هذا العالم لا يمكن أن اُخطئه..

ترك يوزار مكانه وهرع خلف الشيطانين ليحرر عائلته ولحقت به ديانا..بينما أحاط باقي الجنود بعساف وطلبوا منه الإستسلام..

فقال لهم :

ألا تعلمون بأني اُزين سريري بجلود ضحاياي وجماجمهم ؟؟فهلموا إليّ، فلقد اشتاق سيفي لحر الدماء..

هجم الجنود السبعة على عساف، فحرك الأخير سيفه بسرعةٍ وتصادم معهم..فكان أن تمكن من قتلهم جميعاً دون أن تطرف له عين..

طار الشيطانان اللذان يحملان زينة ونوح فوق منحدرٍ صخريٍ عالٍ..فأسرع يوزار بتسلق المنحدر ببراعة..فيما بقيت ديانا في الاسفل كونها لا تجيد التسلق..فلما بلغ يوزار قمة المنحدر، ارتفع الشيطانان في طيرانهما أكثر وأكثر.. فأخذ نوح ينادي على أبيه لينقذه..فطلب يوزار من الشيطانين أن يُنزلا عائلته..ووعدهما أن يتركهما يرحلان بسلام، وأنه لن يتعرض لهما بسوء..

وهنا.. خاطب أحد الشيطانين يوزار بالقول :

خذهما..لنرَ من ستمسك أولاً ؟؟

ففي تلك اللحظة..أفلت الشيطانان زينة وصغيرها !!!

فصرخت زينة بزوجها ان يمسك بنوح..فاتجه يوزار وهو يصرخ بدهشةٍ نحو ولده..حتى تمكن من إمساكه في اللحظات الأخيرة..فنجا من موت محقق..لكن الأمر لم يكن كذلك مع زينة..فقد سقطت الجنية على الأرض وتمددت بلا حراك..وبعد ان تأكد يوزار من سلامة ولده، هرع الى زوجته، فأدركها وهي تجود بأنفاسها الاخيرة..فتألم لأجلها كثيراً حتى فاضت عيناه..فأوصته بولدهما…ثم فارقت الحياة..

أما ديانا..وبينما كانت في أسفل المنحدر ترتقب عودة يوزار..وإذا بها تلمح الشيطانين يطيران من فوقها وهما يسخران من يوزار..فسارعت ديانا وامتشقت قوسها ورمت الشيطانين بعدة سهام فأصابتهما فاحترقا وانتهى أمرهما..ثم نزل بعد ذلك يوزار من المنحدر وهو يحمل ولده فعرفت ديانا من ملامحهما أن زينة لم تنجو..فتأسفت يوزار على خسارته..فما كان من يوزار إلا أن عهد إليها بالطفل وطلب منها أن تخرج به من الجبل حتى يكون كلاهما بمأمن .. فمن الخطر الشديد بقائهما هنا..ثم أخبرها بأنه سيلاحق عساف حتى النهاية..ووعدها أنه سيجعله يدفع الثمن لما فعله بأبيها وبزوجته..

بلغ عساف أخيراً قلب الجبل..فعثر على حفرةٍ هائلةٍ وعميقة..وفي منتصف تلك الحفرة يقبع قفص من فولاذ..وداخل ذلك القفص يقف عشرات المحاربين الذين يرتدون خوذاتٍ حمراء..في الوقت الذي اكتست فيه جلودهم بطبقةٍ بيضاء بسبب تعرضهم ولقرونٍ طويلةٍ لأتربة ورماد الجبل..أولئك هم جن العمالقة..وهم في الحقيقة ليسوا بعمالقة..ولكنهم سمّوا بذلك لأنهم يمتلكون قوة العمالقة في التحطيم والتدمير..

وقف عساف على حافة الحفرة ثم وجّه قوس هارون نحو القفص واستعد للإطلاق…وهنا.. دخل يوزار راكضاً نحوه وهو يصرخ به أن لا يفعل..لكن وصول يوزار كان متأخرا..فقد أطلق عساف سهمه…وما إن فعل ذلك، حتى حصل في المكان انفجار رهيب..طوّح بيوزار وعساف كلاهما بعيداً الى الوراء..فكان أن فقد يوزار وعيه..أما القفص فقد تحطم وتحرر جن العمالقة..فأخذوا يصرخون وهم يركضون محاولين الخروج من الحفرة..لكن في تلك الأثناء..حدث ثقبٌ في قمة المغارة، دخل من خلاله زحل وبرفقته أطلس..حيث هبطا في الحفرة..

ثم التفت زحل الى أخيه وقال :

يجب أن نمنعهم من الخروج من الحفرة..فنحن الوحيدان القادران على التصدي لهم..

كان زحل يحمل صولجاناً ذو طرفٍ مدبب يستعمله كسلاح..أما اطلس فقد رفع رمحه الشهير ذي الأشواك الثلاثة في قمته..تلا ذلك..أن نشب صراع مرير بين جن الأقدار المتمثلة بالأخوين زحل واطلس، وبين جن العمالقة الذين يتوقون للخروج من الحفرة والعبث في الأرض وتهديد أمانها وترويع سكانها..تمكن الشقيقان من القضاء على عددٍ كبيرٍ من أفراد جن العمالقة..لكن التعب والإعياء قد نال منهما في النهاية وما زال عدد الأعداء كثير..

وهنا..أمسك بعضهم بساق اطلس فسحبوه الى داخل الحفرة وانهالوا عليه رفساً ولكماً حتى أثخنوه بالجراح..فالتفت اطلس الى زحل وصرخ به أن يطمر الحفرة عليهم جميعاً ما داموا متجمهرين حوله..فتردد زحل ثم شهر صولجانه عالياً وأطلق منه صاعقةً أصابت قمة المغارة..فانهار سقفها وطمرت أنقاضه الحفرة بمن فيها…وهكذا تم التخلص من جن العمالقة..

لكن الثمن كان غالياً برحيل اطلس..فتألم زحل لأجله كثيرا..وبينما هو كذلك..وإذا بعساف يباغت زحل فيلكمه ويسقطه أرضا..

ثم قال له :

لقد أنهكتك المعركة الاخيرة تماماً ياعماه وهذا هو المطلوب..

فرد عليه زحل :

أنا اُشفق عليك يا عساف، لأن الشياطين هي من قامت بتربيتك منذ صغرك…لذا فأنت لا تعرف سوى الشر..أنت حقاً مخلوقٍ مسكين..

لكن عساف رد عليه بأن انهال عليه بالضرب حتى أفقده وعيه..وبعد ذلك قام بسحبه عميقاً عبر أنفاق الجبل حتى بلغ أخيراً العالم السفلي..وهي أرضٌ صخورها سوداء ساخنة، وأنهارها من حمم ..كان شقيف يجلس هناك وحيداً لا يستطيع الخروج من المكان لأنه محكومٌ عليه بالمكث فيها حتى آخر عمره..فوصل إليه عساف وهو يجر خلفه زحل، والذي ما إن رآه شقيف حتى رثى لحاله..

فدهش عساف وقال :

ما هذا يا أبي ؟؟ أتشفق عليه ؟؟ إنه لم يعد أخيك منذ أن نفاك الى هنا، بل عدوك..فلا تضعف الآن..أتفهم ؟؟

ثم أنزل على زحل ضرباً مبرحاً الى درجة أن شقيف قد أشاح بوجهه كي يتحاشى رؤية أخيه على تلك الحال المزرية..وبعد ذلك..مدد عساف زحل أرضاً ثم قام بدق الأوتاد في ذراعيه وساقيه..فتأوه زحل صارخاً من هول الألم..ثم واصل عساف وابوه طقوسهما في تحرير الجورجون..فأخذت تنبعث من زحل طاقات غريبة، وكأن روحه تُنتزع قسراً من جسده..فأخذ ينتحب بفظاعة..فالتفت إليه شقيف وتأسف له، فأشار عساف الى أبيه بغضبٍ وصاح :

لا تضعف الآن أيها العجوز وإلا قتلتك..ألم تجهزني أنت لهذا اليوم ؟؟ فعليك إذن أن تتحمل ما تراه وتتقبله رغماً عنك..

وهكذا واصل عساف الطقوس حتى انشقّ الجبل عن الجورجون المرعب..وكان مارداً من حميمٍ هائل الحجم..أخذ يسير بخطواته الثقيلة نحو الممالك القريبة كي يدمرها بمجرد المرور فيها..أما بالنسبة لزحل..فقد أخفق برأسه ميتاً حالما انتهت الطقوس..حيث سلب عساف خلال تلك الطقوس كل طاقة زحل مستعملاً إياها في إطلاق سراح الجورجون..تحرير ذلك الشيطان سبّب اضطراباتٍ عنيفةً في الجبل، ما أدى الى استفاقة يوزار من غيبوبته..وأول ما فعله أنه دخل الى العالم السفلي واتجه الى زحل..فأصيب بالصدمة لدى رؤيته له صريعاً بهذا الشكل..

كان عساف قد غادر المكان ليشهد بأم عينيه الدمار الذي يخلفه الجورجون وراءه..أما شقيف فمحكومٌ عليه البقاء في العالم السفلي..وما إن رأى شقيف يوزار قرب جثة زحل حتى اقترب منه وقال :

أنا آسفٌ على كل شيئ..لقد أعماني حقدي فلم أعد اُبصر الخير أبدا..

لكن يوزار هجم عليه بغضبٍ واعتصر رقبته يريد قتله..لولا أن نطق شقيف بصوتٍ مخنوقٍ قائلا :

هنالك طريقةٌ واحدةٌ للقضاء على الجورجون..لا يعلمها إلا أنا..دعني أطلعك عليها ثم اقتلني بعد ذلك..

خفف يوزار من إحكام قبضته على عنق شقيف فقال الاخير :

لقد أحضر لي عساف صولجان زحل ورمح اطلس كهدية لي بعد أن تسبب في قتلهما معا…وهو لا يعلم أن سر إبادة الجورجون هو في تلك الأسلحة..ولو استطعتُ أنا اللحاق بالجورجون وقتله لفعلت..ولكني لا أستطيع الخروج من هذا المكان..أما أنت فبلى..

ثم قام شقيف بتقديم السلاحين الى يوزار وأضاف :

لو أضفتَ لهما حربتي لأصبح لديك سلاح خارق، قادر على هزيمة أعتى الوحوش..

حمل يوزار السلاحين ثم خرج من العالم السفلي تاركاً شقيف في سجنه الأبدي..واتجه بعد ذلك الى حيث ترك جثة زينة، وكانت تحمل على ظهرها حربة شقيف، فأخذها منها برفقٍ ثم خاطب زوجته واعداً إياها بتدمير المعتدين وإحلال السلام من جديد..

قام يوزار بجمع الأسلحة معاً فتشكّل لديه سلاح واحد عبارة عن رمحٍ طويل يجمع خصائص الأسلحة الثلاثة..وعندما خرج من الجبل..سر كثيراً لدى رؤيته حصانه الطائر..وكان زحل قد حضر به وتركه عند مدخل الجبل..فارتقى يوزار صهوته وانطلق يتعقب الجورجون حتى أدركه وهو يقترب من مملكة ساران..وكانت ديانا قد وصلت للتو الى مملكتها بواسطة أصدقائها القناطير وبرفقتها نوح..فقامت فوراً بتحشيد الجيش للدفاع عن البلاد..فأخذ عساف يسخر منها لأنه يعتقد أنه ما من جيشٍ باستطاعته ان يصمد أمام الجورجون لأكثر من بضع ثواني..

لكن في تلك الأثناء..خطف ظلٌ طائر نحو الجورجون..فتطلع عساف إليه فاكتشف أنه يوزار على صهوة جواده المجنّح..فسخر منه هو الآخر وقال :

إنه يستعجل حتفه ليس إلا…

لكن الذي حدث هو أن يوزار ألقى بسلاحه فاخترق قلب الوحش..وما إن تم ذلك…حتى انهار الجورجون وساح على الارض..ثم جمد وتحول الى صخورٍ صلبة !!!كل هذا وعساف يراقب ما يجري بذهولٍ تام..ولم يكد يفيق من الصدمة حتى عاجله يوزار بهجمةٍ خاطفةٍ من الجو وضربه بسيفه ففلق هامته..فسقط عساف مضرجاً بدمه، ولم ينهض بعد ذلك أبدا..

وعلى إثر ذلك..هتف جيش وشعب ساران بحياة يوزار مراراً وتكرارا..وهكذا…كان النصر حليف الأخيار مرة أخرى..وسيظل هكذا دوما..وبعد بضع سنوات..كان يوزار يجلس على عرش ساران جنباً الى جنب مع زوجته الملكة ديان ..

النهاية…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!