ظُلة الحرب

الكاتب السوداني محمد عيسى جقدول

محمد عيسى جقدول – موطني نيوز 

إني والله لأحمل نفسي حملاً شديدًا لئلا يقال قد خضت في غمار أمر لايستقيم لعاقل وذي وجاهة عقلية الخوض فيه، فهذه الحرب تجلت بشاعتها فيما أفرزت مما في نفوس الناس من دفائن بينهم؛ فكل يدلو من دلوه فيرمي بحصاة القول الفاجر عين الباطل فيفج بذلك جرحًا بين أبناء الوطن الواحد.

ولئن سألتهم من الباغي ومن ذا المهضوم في حقه رموا بقولهم النسج الإجتماعي الذي ظلت تتواتره العلائق منذ قرون، وتتجشمه الوشائج التي مكث عليها جدودنا وأباؤنا سنين يرتقونها بحسن المعشر وطيب المقام، حتى إذا ما استقامت بين الناس نظائر العشرة والجيرة، خرجت علينا الانقاذ ففتت، وفككت، وشتت، وأماطت عن وجهها الدميم فشكلت في غمرة الموت والهلاك جيوشًا جرارة قادرة على إهلاك دول وشعوبًا (شرطة ظاعنة، أبو طيرة، حرس حدود، جنجويد، دعم سريع)، وشتيت مما خفي ومات في أضابير الكراسات ودفاتر أجهزة العسف والعَسس الأمنية، فلما أن اختلط الحابل بالنابل وفقد “البرهان” وزبانيته من الاخوان المتأسلمين سافكي الدم زمام الأمر، عمدوا لما يجيدون فعله فبثوا نار الحرب وأشعلوا ما بيتوا في ليلهم.

ما حدث في رابعة الخرطوم ليس مستغربًا فكل عاقل كان يرى أوار الحرب تحت رماد التراشق والتلاسن. أوليس البرهان هو من شرعن لقوات الدعم السريع أو المتمردين كما درج تسميتهم فمنح قائدها صلاحيات لاتستتبعه لأية جهاز يرقب تحركها ويلجمها إن فلتت عن حدود اللياقة العسكرية؟، بربك ماذا تريد من رجل كان في ظل الحياة فوجد نفسه بين عشية وضحاها أقرب إلى الامساك بتلابيب دولة يتخطفها طمع المتأسلمين ومطامح المتسيسين ذوي النهم والكنز ،وكنت تناديه في المنابر بالقائد والأخ، وبين الرجلين لمن لا يعلم كثير مما يرقد في وشاية الألسن فقد كانا سوية إبان تشكيل قوات الدعم السريع، بل والبرهان هو ما بث في هذه القوات غير المنضبطة روح وجودها. وما فعله في فك لجامها إنما أراد به اطالة بقائه في الكرسي دون المدنيين ممن لهم دربة في إدارة شأن الدولة. فإذا بكلا الرجلين يستطمع لنفسه أُثرة السيادة والكلمة الفصل.

ما يثير حفيظتي فيما يخطط له كهول المتأسلمين من الكيزان هو سعيهم الجدي ليعم الخراب أصقاع السودان قاطبة، فيتناهش الاخوة فيما بينهم ويأكل القوي الضعيف بسلاح ومؤونة موت يوفرونها مما سرقوه من قوت وعرق هذا الشعب المستظل بالرمضاء من الحر؛ ولعمري إنهم يوشكون على ذلك، فليع الناس ما يحاك في ليلهم البهيم.

كاتب سوداني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!