الحرب النفسية بمعركة عين جالوت

جيوش المسلمين في معركة عين جالوت

أسية عكور – موطني نيوز

بدأ الجيش التتري بعدده الرهيب في الإقتراب من سهل (عين جالوت) ، وعلى أبواب السهل لم يكن بالسهل أحد من المسلمين ، فقد كانوا يقفون جميعاً خلف التلال ، ثم أشار لها “قطز” رحمه الله أن تنزل من فوق التلال للوقوف على باب السهل لقتال الجيش التتري ، ولم تنزل مقدمة الجيش دفعة واحدة ، إنما نزلت على مراحل ، وفي صورة عجيبة ، على صورة العرض العسكري ..!!

هنا جرى حوار بين “صارم الدين أيبك” و كتبغا” قائد الجيش المغولي السفاح ، و “أيبك” هذا هو أحد المسلمين الذين أسرهم “هولاكو” عند غزوه بلاد الشام ، وجاء معهم إلى موقعة (عين جالوت)، ولا ندري إن كان قد قبل التعاون مع التتار لرغبة في نفسه ، أم قَبِل ذلك مضطراً وهو يعد العدة لينفع المسلمين .. فهذا بينه وبين الله عز وجل.

كل ما نعلمه أنه قبيل موقعة (عين جالوت) قرر أن يخدم جيش المسلمين بقدر ما يستطيع..!! وسبحان الله {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ} .

لقد نزلت الكتيبة الإسلامية الأولى وهي تلبس ملابس أنيقة أحمر في أبيض، للفرقة كلها زي واحد ، وكانوا يلبسون الدروع والسيوف والرماح والخيول، كانت في هيئة جميلة لقد نزلوا بخطوات ثابتة ، وبنظام بديع ، وكانت فرق المماليك تتميز عن بعضها البعض بلون خاص.

فهذه الفرقة مثلاً لونها الأحمر في الأبيض ، فكانت تلبس الأحمر والأبيض ، ولها رايات بنفس اللون ، وتضع على خيولها وجمالها وأسلحتها نفس الألوان ، وتضع على خيامها نفس الألوان ، وكذلك على بيوتها في مصر ، وعلى مخازنها وغير ذلك .. فكانت هذه بمثابة الشارة التي تميز هذه الفرقة أو الكتيبة .. وهذه هي الكتيبة الأولى.

يقول “صارم الدين أيبك” : (فبهت كتبغا وبهت من معه من التتار) ..!!

سبحان الله .. {فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [البقرة: 258].

قال “كتبغا” في فزع : يا صارم ، رنك من هذا؟! إنها كتيبة مرعبة. (“رنك” كلمة فارسية تعني (لون) أو (شعار) للملوك والأمراء ، تحدد بها رتبته أو انتماؤه ، وهو يقصد كتيبة من هذه؟).

فقال “صارم الدين أيبك” : رنك “سنقر الرومي” أحد أمراء المماليك.

ثم بعد كتيبة “سنقر الرومي” نزلت كتيبة أخرى تلبس الملابس الصفراء عليها من البهاء والجمال ما لا يوصف .

تزلزل “كتبغا” وقال لصارم : هذا رنك من؟

قال “صارم” : هذا رنك “بلبان الرشيدي” أحد أمراء المماليك.

ثم تتابعت الكتائب الإسلامية بألوانها الرائعة المختلفة ، وكلما نزلت كتيبة سأل “كتبغا” : رنك من هذا؟.

فيقول “صارم” : فصرت أي شيء يطلع على لساني قلته.

يعني بدأ يقول أسماء مخترعة لا أصل لها ، لأنه لا يعرف هذه الكتائب ، ولكنه يريد أن يرعب “كتبغا” بكثرة الفرق الإسلامية.

وبعد أن نزلت مقدمة المسلمين بقيادة “ركن الدين بيبرس” بدأت فرقة الموسيقى العسكرية الإسلامية المملوكية تظهر على الساحة ، وإنطلقت في قوة تدق طبولها وتنفخ في أبواقها وتضرب صنوجها النحاسية.

لقد كانت الجيوش المملوكية تتلقى الأوامر عن طريق هذه الدقات التي لا يعرفها الأعداء ، فكانت هناك ضربات معينة للميمنة ، وضربات معينة للميسرة ، وضربات معينة للقلب ، وكانت هناك ضربات للتقدم وضربات للانسحاب ، وكانت هناك ضربات خاصة لكل خطة عسكرية ، وبذلك يستطيع القائد “قطز” رحمه الله أن يقود المعركة عن بعد ، وعلى مساحة شاسعة من الأرض من خلال دقات هذه الآلات الضخمة ، هذا فوق الرهبة التي كانت تقع في قلوب الأعداء من جراء سماع هذه الأصوات المزلزلة ، بينما كانت هذه الدقات تثبت المسلمين ، وتشعرهم بمعية القائد لهم في كل تحرك من تحركاتهم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!