المصطفى الجوي – موطني نيوز
الأحداث تستدعي الانتباه، هناك اعتقاد بين بعض الناس أن القيود المفروضة على منصات التواصل الاجتماعي هي محاولة لتشتيت ما يحدث من عنف داخل الاحتجاجات في دولة الحقوق و الحريات. فأكثر من 50 ألف (عدد كبير جدًا) من الشرطة والضباط ومكافحة الشغب والقوات الخاصة بالعتاد والعربات المدرعة في شوارع فرنسا الآن.
فالقصة وكما يعرفها الجميع، إنطلقت فصولها من قصة الفتى الفرنسي ذو الأصول الجزائرية إسمه “نائل” البالغ من العمر (17 سنة). هذا الفتى يعمل كمندوب لتوصيل الطلبات وهو وحيد أمه التي انفصلت عن والده قبل أن يولد.
“نائل” قبل حوالي 4 أيام وتحديدا بتاريخ 27 يونيو توفى. والسبب تعرضه للقتل على يد شرطي فرنسي، حيث كانت التقارير الأولية من الشرطة الفرنسية تقول أن الفتى أوقفه الشرطي لمخالفات مرورية وهو داخل سيارته ولكنه حاول الإتجاه بسرعة نحو الشرطي لدهسه فأطلق النار عليه “دفاعًا عن النفس”، ليتبين لاحقًا أن أحد المتفرجين كان يصور الحادث وهو من نشر الشريط بعد تقرير الشرطة الذي تم تحريفه. والذي أظهر شيء مختلف تمامًا عن كلامهم. وهو الشريط الذي أفاض الكأس.
فبمتابعتنا كإعلام لفحوى ومضمون الشريط الذي تم تصويره أثناء لقاء الشرطي مع الفتى “نائل” وإطلاق الرصاصة عليه التي أودت بحياة الفتى. نرى أنّ الشرطي كان على مسافة جد قريبة من “نائل” مما يعني أنه لم يكن متجهًا نحوه كما قالت الرواية الرسمية، بل كان يخاطبه عن قرب.
فبعد رؤية الناس لهذا الفيديو تغير موقف الشرطة الفرنسية الرسمي، وقامت بسجن الضابط وتوجيه تهمة “محاولة القتل العمد أو القتل العمد” إليه. كما أعلن ماكرون على الفور أن الحداث غير مقبول ولا يغتفر، فيما البرلمان الفرنسي وقف دقيقة صمت ترحما على روح الفتى “نائل”.
ولكن الكثير لم يعجبهم ما حصل واعتبروا تبديل الموقف الرسمي للشرطة الفرنسية. لم يأتي الا بسبب الشريط الذي فضح المستور وأكد على أن العملية القتل كانت متعمدة، وأن الحادث الذي وقع “عنصري في المقام الأول” بسبب أصول “نائل” العربية.
والدة “نائل” بدورها، ظهرت حزينة على إبنها وهذا من حقها فالام مكلومة وليس لها أحد غير الله وصغيرها. ودعت إلى وقفة احتجاجية وبمعنى أخر دعت إلى “ثورة من أجل إبنها” في الليلة القادمة..استجاب إلى هذه الدعوة عدد كبير وهنا الكارثة.
الليلة الأولى (29 يونيو)
كانت المظاهرات في شكلها الأول سليمة، يعني بدون شغب أو تدمير، وارتكزت في منطقة “نانتير” مسقط رأس الفتى “نائل”. واحتج الناس أمام مراكز الشرطة، ولكن يبدو أن هناك كتلة غضب امتلأت بها الشارع بسبب الحادث وحصلت بعض الاشتباكات التي لم تكن في الحسبان.
الليلة الثانية (30 يونيو)
تصاعد التوتر بالليلة الثانية وبدأت تأخذ المظاهرات منحنى أكثر شراسة، وانتقلت إلى مدن أخرى، والشغب ولع عاصمة الأنوار باريس أشعلوا النيران في السيارات والحافلات وصناديق القمامة، وكل ما طالته أيدي المحتجين. فالمشاهد كانت مرعبة وكارثية دوت على إثرها صفارات الإنذار. حيث تم استهداف لسجن “فريسنس” ثاني اكبر سجون فرنسا، وحاولوا اقتحامه بالقوة. لكن الشرطة حالت دون ذلك وقامت في هذه الليلة باعتقال أزيد من 600 شخص، ونشرت قوات الدرك والمدرعات. كانت الليلة الثانية إستثنائية وشديدة لدرجة أن الرئيس الفرنسي “ماكرون” ألغى اجتماعه في القمة الأوروبية!
الليلة الثالثة ( 1 يوليوز)
دمار شامل حصل بفرنسا هذه الليلة، حرق للمباني، حرق للسيارات، نهب وتدمير كل شيء يتعلق بالفوضى حصل في هذه الليلة. وهو ما دفع بالدفاع المدني ورجال الإطفاء كانوا متواجدين بسبب شدة الحرائق، وقد تم تعزيز تواجدهم بوجود قوات خاصة من الضباط، لكن كانت أصوات الاشتباكات والألعاب النارية تعلو في المنطقة. الشيء الذي جعل الناس بسبب هول هذه المشاهد تعبر عن سقوط بعض الأحياء والضواحي الفرنسية. فلا أحد يعلم ما يجري، والنار طالت مراكز الحكومة التي تدار منها المقاطعات، وثقت المشاهد اللاحقة حرق قاعة المدينة في “مانت لا جولي”
بل هناك شريط متداول على نطاق واسع مصور لشخصين مجهولين قاموا بسكب كمية كبيرة من البنزين حول موقع غير معروف، ربما محل تجاري أو محطة أو مركز تجاري ثم أشعلوا النار وتبخروا. هذه الاعمال الاجرامية عالية التكاليف حسب الأخبار تقدر بمليارات الدولارات.
فالتدمير والشغب كان مكثف على كل المدن الفرنسية ولكن في “مارسيليا” موجة الحرائق كانت الأعنف، بحيث استهدف المحتجّون أكبر مكتبة في المدينة “مكتبة ألكازار” وخربوا أهم نصب تذكاري في المدينة لتخليد ضحايا “الهولوكوست” الفرنسيين.
فبحسب ما توصلنا اليه من معلومات فالاحتجاجات الكبيرة في “مارسيليا” أدت إلى إلغاء مسيرة لحدث “LGBTQ” الذي يبدأ من “مارسيليا”، وتُعد هذه المسيرة أكبر حدث في فرنسا للمثليين، حيث يتجمعون وتخصص لهم الحانات والمراكز الترفيهية ويرفعون أعلامهم، ويعقد كحفل ختامي لشهر 6 الرمزي للمثليين.
الإحصائيات القادمة من هناك تقول أن الشرطة اعتقلت في هذه الليلة 1300 شخص، كما نقلت الأخبار العالمية أن وزير الداخلية الفرنسي أعلن إيقاف وسائل النقل العام (الحافلات والقطارات) ليلًا إلى أجل غير مسمى. كل هذا بسبب التأثير الكبير للمظاهرات. وصل إلى تأثيره العالمي وجعل بعض الدول وعلى رأسهم بريطانيا تقوم بتنبيه المواطنين من السفر إلى فرنسا.
ليتطور الوضع الى أبعد من الاحتجاجات على مقتل “نائل” فالمتظاهرين استهدفوا منزل عمدة إحدى ضواحي باريس وأصابوا زوجته، وهو ما دفع السلطات الفرنسية إلى تتعامل على أنها محاولة قتل. في حين يرى المحللين أن المنعرج خطير والاحتجاجات أصبحت قادرة على الوصول تدريجيًا إلى الأماكن الحساسة بحيث طالت نحو 100 مركز ومبنى حسب الأخبار تضرروا من أعمال الشغب.
الشيء الذي اضطر بعض المشاهير الى الخروج في محاولة لتهدئة الوضع وضبط النفس. كلاعب ريال مدريد المستقبلي “كليان مبابي” الذي نشر بيان على حساباته في التواصل الاجتماعي هذه الليلة، يخاطب فيه الفرنسيين بسبب حجم المظاهرات كمحاولة لتهدئة الشارع.
سياسيا قام البرلمان الفرنسي بمناقشة في نفس الليلة إعلان حالة الطوارئ في فرنسا كلها. وبالتالي لو تم هذا الإعلان كونوا على يقين تام أن الجيش الفرنسي سيدخل على الخط للتصدي لهذه الاحتجاجات، وهو ما يُسمح السلطات خلال حالة الطوارئ إجراءات مثل تنفيذ حظر التجوال، وتفتيش المنازل والمؤسسات، وتقييد الحريات العامة، وتعزيز التواجد الأمني، وغيرها من التدابير الصارمة لدرجة استعمال العنف المفرط و الدخيرة الحية.
بدوره، الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ألقى اللوم على منصات التواصل الاجتماعي بسبب ضراوة الاحتجاجات، وطالب منصات “تيك توك” و “سناب شات” و “تويتر” سحب محتوى التظاهرات، وحسب كلامه هناك تحقيق جاري على دور هذه المنصات في توصيل حالة العنف.
الليلة الرابعة (2 يوليوز)
التغطية الإعلامية تقريبًا اختفت هذه الليلة، منصات مثل “سناب شات” فرضت قيود على المحتوى “العنيف” الخاص بالمظاهرات، “فيسبوك” كذلك حجب المحتويات العنيفة المتعلقة بالمظاهرات. لكن الجزء الأهم هو قرار “ايلون ماسك” المؤقت الخاص بالحد من عدد قراءة التغريدات وجعل الحد الأقصى لقراءة التغريدات للحسابات العادية 600-1000 تغريدة باليوم.
“ايلون ماسك” ذكر أن هذا القرار المفاجئ نابع من مشاكل تتعلق في بيانات المستخدمين، بينما ألمح “جاك دروسي” أن التقييد اتى كصورة من “الرقابة”! فهل استجاب “ايلون ماسك” لطلبات ماكرون؟!.
الليلة الخامسة (3 يوليوز)
إذن ماذا سيحدث بالليلة الخامسة؟!..في الحقيقة السؤال المهم هو ماذا سيحدث في الختام، كيف ستنتهي هذه الليالي المُلتهبة؟! فبحسب تحليل المتواضع توجد هناك 3 سيناريوهات لتخمين شكل النهاية لهذه الاحتجاجات، بسردها لكم من الأكثر ترجيحًا حتى الأقل في ما تبقى من هذه المقالة..
السيناريو الأول وهو الأرجح، سوف تخمد الاحتجاجات من تلقاء نفسها وستهدأ اكثر باتخاذ عقوبة شديدة سريعة على الشرطي الذي قتل الفتى “نائل”، وحاليًا نرى انّ الصدى هبط حول المظاهرات وقد يستمر بالهبوط مع توالي الأيام.
السيناريو الثاني، انقلاب عسكري. فقد قرأت مقال في BBC منذ 2021 تتكلم عن صراع الجنرالات بالجيش الفرنسي مع ماكرون بسبب توجهاته، فكبار العساكر لديهم نوع من الكراهية اتجاه العرب والمهاجرين ومع الفوضى تزداد احتمالية الانقلاب العسكري، وهذا حسب الافتراض ما منع ماكرون من إعلان حالة الطوارئ. وبالتالي عدم إعطاء الفرصة للجيش لإحتلال الشوارع وفرض حظر التجوال.
السيناريو الثالث، حرب أهلية. وهو ما أعتبره أضعف الاحتمالات بسبب أن قوانين حمل السلاح في فرنسا صارمة وتمنع عموم المواطنين من امتلاك الأسلحة. ولكن العكس هو ما وقع فقد ظهرت في مجموعة من الاشرطة محتجين ملثمين معهم رشاشات تطلق الرصاص الحيّ في الهواء.
“ايلون ماسك” رجح ضمنيًا هذا السيناريو وعلق على أن الأسلحة قد تكون مسروقة أو أنها وصلت لهم بشكل غير قانوني..مثال على ذلك العصابات منظمة تكون قد دخلت في الخط، أو شخصيات من الداخلية تضامنت مع الاحتجاجات.
فما يقع في فرنسا اليوم، هو من تدبير وتخطيط الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا. لتأديب “ماكرون” على فعلته التي لم تبيح بها أجهزة المخابرات الغربية. عندما باع أوروبا و امريكا وإرتمى في حضن سيد الكريملين “فلاديمير بوتين” بل ودعمه من تحت الطاولة.
وليس هذا فحسب فما حدث ويحدث في فرنسا الأن ليس نتيجة لحادث القاصر “نائل” المأساوية فقط. بل هناك عوامل تنضاف الى ما سبق ذكره، هي في الاصل خفية كانت وراء اشعال الفوضى. وبالتالي تحاول وضع “ماكرون” أو كما يسميه العرب “ماكروه” في موقف محرج لا يحسد عليه وبالتالي معاقبته وإنذاره نتيجة موقفه الاخير من تعزيز العلاقة مع الصين واعلانه أن فرنسا غير تابعة للولايات المتحدة الامريكية. وبسبب مطالبته باستقلال أوروبا عن أمريكا وحديثا مشاركته في قمة دول “بريكس”. مجرد تحليل شخصي يطرح نفسه وخصوصا أنه لا توجد صدفة ابدا في عالم السياسة…