بوتيين و الجيش و فانغر القصة السرية..المخابرات الروسية مفتاح لغز تمرد فاغنر

الاستخبارات الروسية

بقلم شعيب جمال الدين – موطني نيوز

أي نظام عسكري أو مدني قائم على تعدد الأقطاب و الأجنحة داخل الدولة ، يمنح لها مساحة معينة من اللعب وراء الحديقة الخلفية في إطار الحدود المتفق عليها مسبقاً ، بتوافق تام مع رئيس البلاد، لا يمكن لهذا الأخير نهائياً التحكم بشكل دائم و السيطرة على زمام الأمور مهما كانت طبيعة وقوة شخصيته ، فالمسألة هنا لا علاقة لها بتاتاً بكاريزمة وذكاء قائد البلاد،بقدر ما الأمر مرتبط بحجم نفوذ كل قطب أو جناح و إلى أي مدى يصل داخليا و خارجيا ، والشكل العام لرقعة الشطرنج ومكان وضع القطع من طرف مهندس السياسة الداخلية للبلاد على المستوى الإستخباراتي والعسكري والسياسي والإقتصادي.

منذ عهد جوزيف ستالين حافظت الإتحاد السوفيتي سابقا، روسيا الاتحادية حاليا على توازنات اللعبة الداخلية، من خلال توزيع المواقع الإستراتيجية بين رجال الكرمليين المحسوبيين على الطبقة الأوليغارشية و صقور جهاز الإستخبارات وقادة المؤسسة العسكرية فيما إستعملت الأحزاب السياسية كغطاء للتزيين الديمقراطي موجه للعالم الخارجي، لهذا تم إقحامهم في المنظومة من أجل إستخدامهم عند الضرورة لتحقيق أهداف سياسية و تشريعية و دستورية مرتبطة بشكل أو بأخر بإستمرارية و تماسك النظام السياسي.

لكن هذه الإستراتيجية الروسية الثابتة و المستقرة على مدى عقود طويلة جدا ،ستعرف تحولا سنة 2014 بحيث إقترح التيار الوطني المتشدد داخل قصر الكرمليين المدعوم من وكالة الإستخبارات والنخبة الإقتصادية، على فلاديمير بوتين تأسيس جناح عسكري مستقل عن الجيش ، يخوض المعارك و الحروب بشكل سري نيابة عنه أنذاك في شرق أوكرانيا، حيث نجح فعلا في تنفيذ مهام عسكرية و أمنية متعددة في جزيرة القرم و دونباس و لوهانسك بدعم إستخباراتي وحكومي.

فبتوجيه غير معلن من الإستخبارات الروسية و تنسيق مباشر مع قصر الكرمليين تم الدفع بظابط إستخبارات سابق ديمتري أوتكين لتأسيس شركة فاغنر العسكرية وقيادتها في الواجهة ، قبل أن يتم إزاحته في ظروف يشوبها غموض و تعيين مكانه رجل الأعمال يفغيني بريغوجين مالك عدة شركات و مطاعم و يعتبر الممون الرئيسي للوجبات الغذائية للعاملين بالكرملين، إضافة إلى أنه إستطاع كسب صداقة شخصية مع فلاديمير بوتيين وهو على كل حال يظل صنيعة الإستخبارات الروسية ولكنه مرتبط بعلاقات وثيقة مع الطبقة الأوليغارشية.

عند بدء الغزو العسكري للأوكرانيا في 24 فبراير 2022 شارك حوالي 400 عنصر من مرتزقة فاغنر قبل أن يرتفع العدد إلى أكثر من 30 ألف، وفيما زعم بريغوجين تحقيق نجاحات في عدة مناطق بشرق أوكرانيا، مقابل إنتقاده علانية عدم كفاءة قادة الجيش الروسي مما خلق تنافس متزايد بين ميليشيات فاغنر وزارة الدفاع التي توقفت منذ منتصف شهر مارس عن تزويد مرتزقة فاغنر بالدعم اللوجستيكي و السلاح و العتاد الحربي وهو ما إشتكى منه علانية بريغوجين قبل أن يتطور إلى تماطل وزارة الدفاع في دفع الأجور الشهرية للأعضاء شركة فاغنر مما تسبب في موجة غضب.

في العلن يظهر الصراع ثلاثي بين يفغيني بريغوجين قائد شركة فاغنرالعسكرية و سيرغي شويغو وزير الدفاع و فاليري غيراسيموف رئيس هيئة الأركان العامة للقوات الروسية، لكن وراء الكواليس فالصراع الحقيقي يدور بين الجنرالين شويغو وفاليري و وكالة الإستخبارات العسكرية الروسية بسبب الدعم المعلوماتي والإستخباراتي التي توفره هذه الأخيرة إلى قوات عميلها يفغيني بريغوجين في أوكرانيا.

مقابل حجب هذه التقارير الإستخباراتية عن القوات النظامية في إطار صراع الأجنحة داخل النظام الروسي.

هذا النزاع الداخلي الإستراتيجي الذي أصبح يشكل مصدر إزعاج و قلق كبير لجنرالات الجيش الروسي على رأسهم وزير الدفاع ، مما دفع المؤسسة العسكرية لممارسة ضغوط قوية على فلاديمير بوتين للإصدار قرار رسمي بإيقاف تمويل قوات فاغنر في حالة رفضهم توقيع عقود مع وزارة الدفاع، والهدف الرئيسي من دمجهم داخل الجيش هو تحويل بريغوجين من قائد شركة فاغنر إلى مجرد موظف عادي تابع لوزارة الدفاع و بالتالي توجيه ضربة قاسية جدا إلى الجناح الذي يقف وراءه داخل وكالة الإستخبارات الروسية.

من هذا المنطلق حدثت واقعة تمرد يفغيني بريغوجين زعيم مجموعة فاغنر العسكرية على السلطات الروسية صباح يومه السبت 24 يونيو 2023 من أجل الضغط على الرئيس بوتين للإلغاء القرار وهذا بتحريض من صقور الإستخبارات الروسية وبعض كبار الأثرياء الروس من الطبقة الأوليغارشية الذين إستشعروا خطورة فقدانهم لورقة ذهبية تمثل لهم غطاء مهم على مستوى حماية مصالحهم الإقتصادية وكذالك من الناحية المالية نهاية سلسلة عملية نهب شهرية لنسبة مئوية من حصة التمويل المقدمة إلى يفغيني بريغوجين شريكهم في المشاريع الإقتصادية التي تقدر سنويا حسب تصريح الرئيس فلاديمير بوتيين ب مليار دولار وهو مبلغ ضخم جدا جدا.

هذه القضية التي يتورط فيها كذالك مسؤوليين فاسدين في وكالة الإستخبارات الروسية العسكرية ،كانوا يوفرون المعلومة الإستخباراتية إلى يفغيني بريغوجين بهدف تعزيز مكانته لدى بوتين والرفع من منسوب شعبيته داخل روسيا.

وهم من قصدهم الرئيس الروسي فلاديمير بوتيين في خطابه التلفزيوني مساء يوم تنفيذ التمرد الفاشل ” خونة الداخل الذين وجهوا طعنة الغدر إلى ظهر روسيا فالرد سيكون قاسيا وصارما في وجه كل من دعموا الخونة” .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!