رئيس التحرير – موطني نيوز
“الرقص مع الذئاب” Dances with Wolves فلم أمريكي إنتاج عام 1990 من إخراج كيفن كوستنر و تمثيل كيفن كوستنر و ماري مكدونيل و جراهام جرين والفلم مأخوذ عن رواية بنفس العنوان صدرت سنة 1988 للكاتب الأمريكي مايكل بلاك Michael Blake، و قد فاز الشريط بسبع جوائز أوسكار جائزة جولدن جلوب لأفضل فيلم درامي في الولايات المتحدة كما اختارته مكتبة الكونغرس الأمريكي ليكون ضمن مركز الأرشيف الوطني كأبرز عمل درامي من الناحية التاريخية و الثقافية والجمالية.
تبدأ الحكاية بمشاهد من الحرب الأهلية الأمرييكة حيث يُنهك الجنود في حرب هي أقرب إلى الاستنزاف وفي لحظة قهر و مرارة ينتفض البطل جون دنبار على حالة اللاحرب و اللاسلم ليتجلّى لنا التلازم الأبدي بين الحرب والعدمية، فيشقّ الصفوف على صهوة جواده بين خندقيْ المتحاربين في لحظة عبثية رائعة و يصاب إصابات بليغة و لكنه ينجو و يشفى وبطلب منه يقع إرساله غربًا إلى جبهة متقدِّمة للجيش الأمريكي، و هناك سيبدأ حياة جديدة، يتعرف شيئا فشيئا على قبيلة “السو” SIOUX من الهنود الحمر و تتوطد علاقته بهم وهناك سيتقرب من ذئبٍ يصبح صديقه ويتقاسمان الوحدة و حياة الطبيعة المنسجمة بل ويرقص معه على وهج النار في ليلة مظلمة و لذلك سيسميه الهنود الحمر “الراقص مع الذئاب”، لقد تعلّم الضابط الأمريكي من الهنود الحمر استغلال الطبيعة بدون تشويهها و سيتضح ذلك بشكل جليّ من خلال مشهد صيد الثيران الأمريكية و تتوطد العلاقة بين الضابط والقبيلة حين يدافع عنها في غيابها و ذلك من خلال مد الأهالي بالبنادق التي كانت بحوزته بل يصبح منهم حين يزوِّجونه من المرأة البيضاء الوحيدة التي كانت تعيش معهم والتي فقدت عائلتها وهي صغيرة ولكن هذه الحياة ستنقلب إلى مأساة بقدوم الجيش الأمريكي والقبض على البطل واتهامه بالخيانة، فتقوم القبيلة بإنقاذه و في نهاية الفلم يقرر البطل الرحيل عن القبيلة مع زوجته و لعل من الجمل الرائعة التي تؤكد تماسك السيناريو و جنوح أبعاده السيميائية تلك التي جاءت على لسان حكيم القبيلة العجوز و التي خاطب فيها جون دنبار الضابط الأمريكي قائلا : “إن الشخص الذي يبحث عنه الجيش الأمريكي لا وجود له أنت الآن فرد من قبيلتنا واسمك “الراقص مع الذئاب”.
يبرز الشريط اكتساح الأمريكيين للقارة و تغييرهم لكل مظاهر الحياة لقد كان الصراع في الفلم صراعا أنثروبولوجيًّا بامتياز، رسمه المخرج كيفن كوستنر ببراعة، فالحضارة الغازية المتفوقة ماديا تحمل معها الفناء للآخر المختلف، إنها ثقافة الغزو والرعب في مقابل السكان الأصليين الهنود الحمر و حضارة الطبيعة (بالمفهوم الأنثروبولوجي للكلمة) البسيطة الحالّة في الكائن الطبيعي و المنسجمة معه حدّ التجانس والتماهي، و يبدو ذلك من خلال مشهد ق. تل الجنود الأمريكيين للفرس وكذلك محاولتهم ق. تل الذئب الذي بدا مصابا ولكنه سيعوي في آخر الفلم .يصرخ صرخة مدوّية رافضة لهذا النوع من العلاقة القائمة على التدمير بين البشر، إن مذكرات الضابط التي كانت تؤرخ لحياته في تلك البرية بما تحويه من رسوم وحكايات هي وثيقة تاريخية للوجود البشري الحقيقي الذي تتجانس فيه الحضارات، تلك المذكرات افتقدها الضابط و أضاعها و قد قام أحد الجنود الغازين باستعمال صفحاتها لينظّف نفسه بعد أن قضى حاجته، و لعلّ من الجمل المأساوية التي تخلّلت الشريط أن قائد القبيلة حين سأل الضابط الأمريكي عن عدد الرجال البيض الذين سيأتون إلى أرضهم ، سكت لحظة ثم أجابه قائلا بمرارة: إنهم سيكونون بعدد النجوم “
بارقة الأمل ستكون في آخر الفلم حين يسأل أحد الهنود الحمر البطل المتهم بالخيانة من الجيش الأمريكي، يسأله : إلى أين سترحل؟
فيردد قائلا : سأرحل بحثا عن أناس يمكن أن يصغوا إلي
حصل الفيلم على العديد من الجوائز فقد سخرت التقنيات السينمائية لإبراز لغة سينمائية مليئة بالدلالات يتجلى ذلك من خلال التركيز على جمال الطبيعة وتناسقها في تصوير القبيلة الهندية في علاقتها بالمكان و لذلك تكون الموسيقى إما رومانسية حالمة أو أنها أصوات طبيعية لوقع حوافر الخيل كما هو الحال في مشهد صيد الثيران الوحشية أما حين يقع تصوير الرجل الأبيض فإن الموسيقى يغلب عليها القوة فنجدها في الأغلب موسيقى عسكرية مصحوبة بإطلاق الرصاص و قد تجلى ذلك في نهاية الفلم.
و هكذا ينتهي الفيلم على إشكاليات مزمنة هزّت الفكر البشري المعاصر، لعلّ أهمّها : كيف تكون العلاقة بين الحضارات البشرية المختلفة ؟ كيف نتعامل مع المختلف معنا حضاريا؟ ما الحضارة المتفوقة؟ و من هو الإنسان الحق؟ الذي يقتل و يدمر أم الذي يحب ويعمّرْ؟.