خريبكة : حدائق انقرضت ومساحات خضراء تحتضر امام الزحف الاسمنتي 

مروان الجوي – موطني نيوز 

بسبب التوسع العمراني الكبير، الذي لازالت تعرفه مدينة خريبكة، أصبحت اليوم في أمس الحاجة إلى رئة تتنفس من خلالها عبق هواء نقي، إنه الأمل الذي يتطلع إليه كل خريبكي، بعدما أعلنت معظم الحدائق العمومية والمساحات الخضراء وفضاءات الترفيه موتها، في ظل الإهمال، والتجاهل وسيادة المصلحة الخاصة..الفردوس، حديقة بني عمير، حديقة المسبح البلدي..حدائق في غرفة الانعاش تحتضر فهل من منقذ؟ 

خريبكة العاصمة الاسمنتية بامتياز الزحف العمراني أتى على الاخضر واليابس، دون الاخذ بعين الاعتبار فضاءات الترفيه، والمسابح العمومية، و المساحات الخضراء، حتى قاعة الرياضات مولاي يوسف تم اقتصاص مسبحها دون حسيب أو رقيب! بل أكثر من ذلك تحول الحي الاوروبي “الفيلاج”، وحي الداخلة بخريبكة بين عشية وضحاها لمصحات خاصة ومدارس، وتم تشويه جمالية هاته الاحياء الراقية بتشييد محلات تجارية وتغيير تصميم التهيئة في مخالفة واضحة لقانون التعمير، كما أن جل هاته المحلات التجارية لا تمتلك ترخيص حسب ما صرح به نائب الرئيس الثاني في احد دورات مجلس خريبكة وبحضور السلطة ودون أن يحرك ساكنا أحد، هل ستظل خريبكة الاستثناء؟ 

فمجرد التجول في المدينة يجعلك تطرح أكثر من علامة استفهام؟ أين هي فضاءات الترفيه والحدائق العمومية، والمساحات الخضراء بعاصمة الفوسفاط؟ فكلما اتسعت المدينة زاد سكانها، وزادت بناياتها، على حساب فضاءاتها العمومية، وهو الأمر الذي يثير استياء الساكنة، ويجعلها تطرح أكثر من علامة استفهام؟ لماذا كل هذا التجاهل والتهميش للحدائق العمومية والفضاءات التي من الممكن أن تعطي نفسا إيجابيا في أوساط الساكنة؟

و حسب بعض فعاليات المدينة الذين عبروا عن سخطهم للوضعية الراهنة و الذين أكدوا لنا أنه لا توجد في خريبكة حدائق ومنتجعات، و في ظل تبخر أحلام المنجم الاخضر الذي كان قد أعطى جلالة الملك محمد السادس نصره الله أوامره بتدشينه، ليكون متنفسا للأسر الخريبكية الساعية للهروب من لسيع نار الشمس الحارقة، وحرارة الجو، والإستمتاع ولو لفترات محدودة من السنة. 

لا يوجد بديل خاصة لدى الأسر البسيطة التي لا تتوفر على امكانيات مادية تخول لها ولوج الفضاءات الخاصة بالمدينة وجنباتها، فتذكرة الدخول للمسابح الخاصة تكلف 70 درهم للشخص الواحد، دون احتساب قيمة الوجبات والتغذية، امر مكلف جدا بالنسبة لذوي الدخل المحدود، وكذا بدونه. 

و حسب بعض المتتبعين للشأن المحلي أكد لنا أن الإهمال هو سيد الموقف، والتجاهل هو السمة الغالبة على تفكير المجالس المنتخبة ولا يزال إلى حدود الساعة، فمعظم المجالس التي تعاقبت على تسيير المدينة لم تضع ضمن أولوياتها إشكالية غياب فضاءات الترفيه، فالقانون يلزم المنعشين العقاريين بتوفير مساحات خضراء، ومساحات للترفيه في كل مشروع سكني، هذا القانون لا يطبق نظرا لسيادة المصالح الخاصة، و أن الجماعات والسلطات المحلية تتحمل مسؤوليتها في غياب فضاءات الترفيه والملاعب و المنتزهات، لأنه يتم تخصيص ميزانية كبيرة سنويا تحدد فيها 50% للنفقات الإجبارية والباقي يخصص لإحداث الحدائق العمومية والمساحات الخضراء والتشجير، لكن للأسف هذا لا ينفذ. 

وخلافا للمادة 41 من الميثاق الجماعي، التي تنص على أن المجالس الجماعية تساهم في إنجاز وصيانة وتدبير التجهيزات الاجتماعية والثقافية والرياضية، هذه الأخيرة لم تستطع تغيير الظلام الدامس الذي تعرفه المرافق الحيوية بالمدينة.

كما لا ننسى دور المجتمع المدني للتعامل الجدي مع هذه الإشكالية بتكوين لجينات صغيرة في كل حي من خريبكة، ووضع مخططات للتنمية وتقديمها للمجلس المنتخب، لأن دستور 2011 أعطى الحق للمجتمع المدني الحقيقي من أجل إصلاح البلاد.

و بين قطع بعض الأسر لمئات الكيلومترات لرد الإعتبار و إرضاء فلذات أكبادهم أو البقاء في المنزل، في حين اختارت الفئة المعوزة ترك أطفالها للأسف بين الأزقة والشوارع يلعبون و بين الدروب و المزابل والقمامات و استغلال مياه النافروات للترويح على أجسادهم بسبب ارتفاع درجة الحرارة كما مبين في الصورة، في انتظار ضخ دم جديد في شرايين الحدائق وإحداث فضاءات جديدة تعيد البسمة والفرحة إلى الآلاف من الأطفال وخلق رئة جديدة للمدينة الإسمنتية. 

 فالوضعية التي توجد فيها مدينة خريبكة اليوم لا ترضي كل غيور على حدائق الترفيه و الفضاءات و لا تلبي غاية الساكنة و الأطفال، وضع كارثي تعيشه المرافق والتجهيزات العمومية والمحلية، منتزه بني عمير تحول إلى مقبرة مخيفة يلفها الصمت، ومستودع للخردة والمتلاشيات، والشيء نفسه ينطبق على حديقة المسبح البلدي، أما حديقة الفردوس فحالها يتدهور يوما بعد يوم. 

إن عدم الاهتمام بهذه الفضاءات يؤشر على غياب حس جمالي وإنساني لدى المسؤولين المحليين والمجالس المنتخبة، وغياب رؤية إستراتيجية بيئية. فهل ستستطيع السلطات المحلية والمجلس المنتخب كسب رهان إعادة هيكلة هذه الحدائق و خلق منتزهات و مرافق تليق بساكنة المدينة، أم أن دار لقمان ستبقى على حالها؟؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!