فن العيش الحكيم

المصطفى الجوي
المصطفى الجوي

المصطفى الجوي – موطني نيوز

يقول الفيلسوف الالماني آرثر شوبنهاور في كتابه فن العيش الحكيم “الناس يشبهون الأطفال. فإن دللتهم تمادوا في غيهم وبالغوا في اقتراف أفعال غير مقبولة وغير معقولة. لذلك أنصح العقلاء بألا يفرطوا في الحلم والرأفة، ولا يكونوا ودودين أكثر من اللازم مع الناس. إنك لن تخسر صديقا إن رفضت أن تقرضه مالا، ولكنك ستخسره لأنك أقرضته ولم يسدد لك ما أقرضته. إنك لن تخسره عندما تعامله بقليل من التعالي وشيئ من اﻹهمال، بل ستخسره لأنك بالغت في التودد إليه ومجاملته إلى أن يغدو متعجرفا لا يطاق، فيحل الجفاء والقطيعة بينكما. فمن الناس من يغدو متعجرفا ومزهوا بنفسه، إذا أحس بأنك في حاجة إليه ويصعب عليك الاستغناء عنه، ويقول عند هذا الإحساس ما أن تقبل بربط العلاقة به، أو ما أن تكثر الحديث معه على نحو تغلب عليه الحميمية والمكاشفة. ومع الوقت، يتملكه يقين مؤداه وجوب إرضائك له وتدليله بأي ثمن. عندئد سيسعى جاهدا لتوسيع دائرة اللباقة التي تعامله بها لتنقلب إلى جسارة وافتئات.

قلة قليلة من الناس هي التي تستحق المعاشرة الحميمية. لذلك فالحذر ثم الحذر من معاشرة كل من هبَّ و دبَّ من ذوي الطبائع الخسيسة والدنيئة والمتدنية. فلو ظن أحدهم بأنك تحتاجه أكثر مما يحتاجك، فسيتملّكه إحساس مؤداه أنك سرقت منه شيئا، فيسعى للثأر منك أو اﻹنكفاء على نفسه. لذلك، أنصح العقلاء بأن يفعلوا المستحيل حتى لا يكونوا في حاجة إلى الأخرين، ويحرصوا على إظهار هذا اﻹستغناء كلما سنحت لهم الظروف. تلك هي الطريقة الوحيدة للحفاظ على تفوقهم وعنصر السبق في علاقتهم بغيرهم. أكثر من ذلك، من الحكمة أن يجعلوا غيرهم، نساء ورجالا، يحس بأنهم قادرين على اﻹستغناء عنه في أي وقت وبلا سابق إنذار، ودون مشكلة. هو ذا شرط توطيد عرى الصداقة مع الغير. ومن الحكمة أن يجعلوا غيرهم يحس أيضا ببعض اﻹزدراء الذي يكنونه له حتى يتشبث أكثر بصداقتهم. هناك مثل إيطالي يقول: الناس يقدّرون من لا يقدرهم. وإن كانت في قلب العاقل معزة خاصة لأحد، فليحرص على إخفائها عنه كما لو كانت خطيئة. قد لا تعجب هذه الوصايا فئة من الموجهة إليهم، لكنها عين الصواب! فبالكاد تطيق الكلاب رفقا زائدا، كذلك الناس لا يطيقونه، بل يتبرمون منه أكثر من الكلاب.”

أقول لكم هذا الكلام والذي هو عبارة عن كلمات من عالم آخر وكما يحب إخواننا الانجليز “words from another world”. والامثلة كثيرة، وهو ما وقع لعضاء جماعة بنسليمان مع رئيسهم. الذي تطاول حتى أضحى يعتبر نفسه هو الأصل و الباقي تقليد. وكما وقع كذلك مع النائب البرلماني سعيد الزيدي مع سارقه الذي كان يختبأ في جلباب الشيخ. وهو في الواقع لص حتى انكشف سره.

فبالامس وأنا أحضر إحدى دورات مجلس الويل و البؤس. أثار انتباهي عبارة مستنبطة من واقع مرير عندما أرسل أحد الأعضاء الجماعيين صاروخ جو أرض في مرمى البعض بعبارة “كلنا لصوص يا صديقي”، وهي رواية للكاتب المصري إحسان عبد القدوس تحت عنوان “يا عزيزى كلنا لصوص” صدرت عام 1982، وتحولت لفيلم يحمل نفس الاسم صدر عام 1989. وهي عبارة تدخل في سياسة الهمز و اللمز. التي تحدث عنها القران الكريم في سورة الهمزة “وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ”، والهَمْز يكون بالشفاة أو بالعين أو بالأصبع، يهمز يشير إلى ذمه وعيبه بعض الناس بأصبعه. تراه ما هو بجيد، وبعض الناس بعينه، وبعض الناس ببُرْطُمِه…هو هذا؛ الهَمْز واللَّمْز، تارة بالكلام، وتارة بالإشارة.

لهذا لا تعطوا للبعض أكثر من قيمتهم، لأن القصد في بعض الأحيان، قد يكون من الصعب أن نمنح البعض قيمة أو اهتمامًا إذا لم يستحقوه بناءً على تصرفاتهم أو سلوكهم. قد يكون هذا بسبب سوء المعاملة أو الخداع أو عدم احترام الآخرين.

ومن الطبيعي أن نمنح القيمة والاحترام لأولئك الذين يستحقونها بناءً على سلوكهم وأفعالهم الصادقة والإيجابية. قد يكون من الأفضل تحويل اهتمامنا وتركيزنا على الأشخاص الذين يقدرون قيمتنا ويتعاملون معنا بإحترام وصدق.

ومع ذلك، يجب علينا أيضًا أن نتذكر أن كل شخص له قيمة كإنسان، بغض النظر عن تصرفاته. قد يكون هناك أسباب خلف سلوك الآخرين، قد تكون معقدة وتحتاج إلى فهم أعمق. من المهم معاملة الآخرين بالاحترام الأساسي والإنسانية، حتى وإن لم يستحقوا قيمة إضافية. باختصار، يجب علينا توجيه اهتمامنا وقيمتنا لأولئك الذين يستحقونها، وفي نفس الوقت الاحتفاظ برحمة وتسامح تجاه الآخرين ومعاملتهم بالاحترام.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!