
الحسين بنلعايل – موطني نيوز
ليست الأرقام مجرد إحصاءات جافة، بل هي شواهد دامغة على جريمة إبادة جماعية تُرتكب في وضح النهار، تحت سمع العالم وبصره. قطاع غزة لم يعد مكاناً للحياة، بل تحوّل إلى جحيم مفتوح بفعل آلة الحرب الإسرائيلية التي لا تعرف الرحمة، ولا تحترم القانون، ولا تخشى المحاسبة. مليون طفل يصرخون من الجوع، وأكثر من سبعين ألف طفل هزيل الجسد يكافحون من أجل البقاء، بينما قادة العالم يناقشون “حق الدفاع عن النفس” كذبةً تبرر بها إسرائيل سياستها الوحشية. أين انتهت المواثيق الدولية؟ وأين التزمت الأمم المتحدة بميثاقها؟
المأساة في غزة ليست نتاج حرب عابرة، بل هي سياسة ممنهجة لتحطيم الإنسان والأرض معاً. عندما يُحرم مليون شخص من الماء النقي، وعندما تُدمر بنية الصرف الصحي بالكامل، وعندما تُجبر الأمهات على إرضاع أطفالهنّ من دموعهنّ بدلاً من الحليب، فإننا أمام جريمة حرب لا تحتاج إلى أدلة. الأرقام تتحدث: تسعون بالمئة من الأسر لا تجد ما تشربه، ومئات الآلاف يواجهون الموت البطيء جوعاً، بينما نتنياهو وأعوانه يتباهون بـ”الإنجازات العسكرية”. أي إنجاز هذا الذي يُقاس بعدد الأطفال الأبرياء الذين سحقهم القصف؟
العالم يقف متفرجاً وكأن غزة ليست جزءاً من هذا الكوكب. المنظمات الدولية تكتفي بإصدار تقارير تنديدية تموت في أدراجها، والحكومات الغربية تواصل تمويل المجزرة تحت شعار “حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها”. أي دفاع هذا الذي يستهدف المشافي والمدارس؟ وأي أمن يُبنى على أنقاض أطفال لم يعرفوا من الحياة سوى القصف والخوف؟ لقد تجاوزت إسرائيل كل الخطوط الحمراء، ولم يعد هناك ما تخسره سوى بقايا إنسانية مزيفة تتستر بها.
أما الضمير العالمي، فقد أعلن إفلاسه. لا يكفي أن نطلق الصيحات أو نكتب المقالات، فالدماء تسيل كل يوم، والأطفال يموتون بين ذراعي أمهاتهم العاجزات. لا مكان للحياد هنا، فالصمت شريك في الجريمة. إن كانت حقوق الإنسان مبدأً عالمياً حقاً، فلماذا تُنتهك في فلسطين دون رادع؟ وإن كانت العدالة قيمة يُدّعى الالتزام بها، فلماذا تُطبّق بانتقائية تكشف زيف القيم الغربية؟
حان الوقت ليقف العالم كله في وجه هذه المذبحة المستمرة. لا مكان للتبريرات ولا للصمت. غزة تختنق، ونحن إما أن نكون صوتها أو نكون شركاء في قتلها. التاريخ لن يرحم من وقف متفرجاً، وسيحكم على كل من تواطأ أو سكت. الدم الفلسطيني ليس رخيصاً، وسيأتي يوم تُحاسب فيه كل الأيدي التي ساهمت في هذه المأساة.