
المصطفى الجوي – موطني نيوز
في لحظة تاريخية كان يفترض أن تُخلد في سجلات الإنجازات بحبر من ذهب، انطلقت حملة تحرير الملك العمومي في إقليم بنسليمان، تحت إشراف السيد سمير اليزيدي، عامل الإقليم، والسيد كمال شتوان، باشا المدينة. لقد صفق الجميع لهذه الخطوة غير المسبوقة، وباركها الكبير والصغير كمحاولة جريئة لاستعادة الفضاءات العامة التي اغتصبها المحتلون بلا حق. لكن، سواء أحببنا أم كرهنا، فإن هذه الحملة التي وُعدت بأن تكون عادلة وشاملة، تحولت في بعض جوانبها إلى مسرح للمهازل والاستثناءات التي تهدد بطمس بريقها وتحويل حبرها الذهبي إلى بقع سوداء من الفوضى والمحسوبية.
لنضع الأمور في نصابها : الحملة كانت ضرورة ملحة، ولا أحد ينكر ذلك. لكن الشيطان يكمن في التفاصيل، والتفاصيل هنا تكشف عن نواقص وتجاوزات صارخة تجعل المرء يتساءل : أين العدالة التي وُعدنا بها؟ بدلاً من أن تكون حملة متساوية تضرب بيد من حديد على كل المخالفين، أصبحت ساحة للمعاملات الخاصة والامتيازات غير المبررة لبعض محتلي الملك العمومي المؤقتين، بينما يُترك آخرون تحت وطأة القانون. لقد حذرنا مراراً وتكراراً من أن الاستثناء سيولد الارتباك ويفتح الباب للفساد، لكن يبدو أن صوتنا ذهب أدراج الرياح، واليوم نجني ثمار هذا التغاضي المشين.
دعونا نضرب مثالاً حياً يفضح هذا الخلل بكل وضوح : مطعم ومقهى “طيبة”. هذا المحل، الذي يعرفه القاصي والداني، مسجل رسمياً كـ”مقشدة” بموجب القرار رقم 2009/18. نعم، مقشدة! لكن، وبكل وقاحة، يتم التعامل معه على أنه مطعم ومقهى مرخص، وكأن الجماعة والسلطة لا تعلمان الفرق بين البعرة والبعير. والأدهى من ذلك، أن السلطة المحلية، ممثلة في الباشا السابق، رفضت عام 2017 السماح لهذا المحل بوضع أي ستار أو حاجز، ومنعته صراحة من استغلال الرصيف. قرار صائب وحازم، لكنه لم يدم طويلاً. فما كان من الجماعة إلا أن دست على هذا القرار بكل استهتار، ورخصت للمحل بإقامة ستار تحت الرقم 2019/56، بل وذهبت أبعد من ذلك فسمحت له باستغلال جزء من الرصيف تحت الرقم 2019/55. وكأن هذا لم يكن كافياً، لم تكلف الجماعة نفسها عناء مناقشة تغيير النشاط من “مقشدة” إلى “مطعم ومقهى”، ولم تراجع الجبايات المترتبة على ذلك. هل جبايات مقشدة تساوي جبايات مطعم ومقهى؟ بالطبع لا! هذا ليس مجرد خطأ إداري، بل إهدار صريح للمال العام وتفضيل فاضح لبعض الأفراد على حساب القانون والمصلحة العامة. وبالتالي يحق لنا أن نتساءل اي هي مصلحة الضرائب؟ فإذا كانت لا تعلم، ها نحن اليوم ننورها بأن هناك تهرب ضريبي وتحايل.
ولا تتوقف المأساة هنا. هناك حالة أخرى لا تقل خطورة تتعلق بمقهى “LACAVALERIE” وعلاقتها بالقرار التنظيمي رقم 02 بتاريخ 2024/11/13، الذي ينظم الترخيص بالاحتلال المؤقت للملك العام الجماعي دون إقامة بناء، وخاصة الفصل الرابع عشر منه. هذه القضية تكشف المزيد من الثغرات التي تهدد بإغراق الحملة في مستنقع الاستثناءات، لكننا سنفرد لها مقالاً آخر لاحقاً لنفضح تفاصيلها بلا مواربة.
إن هذه التجاوزات ليست مجرد هفوات عابرة، بل جرس إنذار يقرع بقوة ليحذر من انهيار مبادئ العدالة والمساواة التي قامت عليها هذه الحملة. كان يمكن أن تكون صفحة مشرفة في سجل السيد سمير اليزيدي والسيد كمال شتوان، لكنها الآن مهددة بأن تصبح وصمة عار إذا لم تُعالج هذه الخروقات فوراً. الحملة التاريخية تستحق أن تُكتب بحبر من ذهب، لكن هذا لن يتحقق إلا إذا طهّرناها من الحبر الأسود الذي يلوثها. انتظرونا، فالقادم أشد وأقوى.