
المصطفى الجوي – موطني نيوز
عندما ننظر إلى حال المغاربة اليوم، ينقبض القلب وتدمع العين، ليس فقط من مرأى الفقر الذي يعانيه الكثيرون، بل من ذلك السؤال المؤلم الذي يرفض أن يغادر الضمير: من المسؤول عن هذا البؤس؟ من الذي أوصل شعباً عزيزاً كريماً إلى حالة الضعف والاستجداء؟ هل نحن حقاً مسلمون نعيش بروح الإسلام التي تحث على التكافل والعدل، أم أننا مجرد أسماء وانتماءات تائهة في بحر من الشعارات الفارغة؟ وإن لم نكن مسلمين بمعناه الحقيقي، فهل بقي فينا شيء من الإنسانية التي تميز الآدمي عن الوحش؟ أم أننا تحولنا إلى كائنات تتصارع على الفتات، حيث القوي يأكل حق الضعيف دون رحمة أو وازع، كما يصفها بعضنا بقسوة “كرش بلا ضلوع”؟
كيف نستطيع أن ننام قريري العيون ونحن نعلم أن بيننا أناساً أنهكتهم الحياة، أرهقهم المرض والعجز والهوان، دون معيل يسندهم أو حق يصونهم؟ كيف نتقبل أن يعيش المواطن المغربي في وطنه الغني بخيراته كالغريب المحروم، بينما يتاجر المسؤولون والمنتخبون بثرواته، يكدسون الملايير حتى التخمة، ويتباهون بما جمعوه على حساب كرامة شعب بأكمله؟ متى أصبحت “قفة رمضان” هاجساً يؤرق المغاربة، وكابوساً ينتظرونه كل عام ليخفف عنهم وطأة الجوع والحاجة؟ علما أن هذه القفة لا يتعدى ثمنها 300 درهم تسلم مرة في السنة بمعدل 0,8 سنتيم في اليوم وهذه هي قيمة المغربي لدى من يتفاخرون بإلتقاط صور تذكارية مع ضحاياهم. ومن الذي جعل من هذه الفكرة أداة للإذلال، حيث تقف العدسات لتصور الفقير وهو يمد يده، في مشهد يمزق الكرامة ويطعن في القيم التي نرفعها شعاراً؟ أين نحن من قول الرسول الكريم: “ورجل تصدق بصدقة فأخفاها، حتى لا تعلم شماله ما صنعت يمينه”؟ أين ذهبت تلك الروح النبيلة التي تحفظ للمحتاج كرامته، وتجعل من العطاء فعلاً إنسانياً خالصاً بعيداً عن العرض والتباهي؟
إنها مفارقة عجيبة وشرخ عميق يفصل بين أبناء الوطن الواحد، كما بين السماء والأرض. فمن يملك اليوم يعيش في نعيم مترف، ومن لا يملك يتوسل لقمة العيش أمام الكاميرات، في مسرحية مُرتبة ليست سوى استعراض للقوة والسيطرة. لم تكن “قفة رمضان” يوماً هدفاً للتكافل بقدر ما أصبحت أداة للإهانة، تُسوَّق بطريقة تجعل الفقير يشعر بأنه أقل من إنسان، وكأن دوره في الحياة أن يظل ممدود اليد، منتظراً منة الآخرين. من أدخل هذه العادة إلى حياتنا؟ ومن سمح لها أن تتحول إلى رمز للذل بدلاً من أن تكون جسراً للتضامن؟
ليست المشكلة في الفقر وحده، فالفقر قد يصيب الأمم جميعاً، لكن المأساة الحقيقية تكمن في غياب العدالة، في صمتنا عن الظلم، في تقبلنا أن يعيش البعض في قصور مترفة بينما ينام آخرون على الأرصفة. من أوصل المغاربة إلى هذا الحال؟ هل هم المسؤولون الذين خانوا الأمانة، أم المنتخبون الذين باعوا الضمائر بثمن بخس؟ أم نحن جميعاً، حين سكتنا وسايرنا وتركنا الحبل على الغارب؟ السؤال يظل عالقاً في الأذهان، ينتظر إجابة لن تأتي إلا حين نستعيد إنسانيتنا، ونعيد للوطن معناه الحقيقي كملاذ للجميع، لا ساحة لنهب البعض.
ليبقى قول الله تعالى في كتابه العزيز يذكرنا وينبهنا: بسم الله الرحمن الرحيم “وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى” صدق الله العظيم (سورة طه: 124).
فهل نعود إلى ذكر الله وعدله لنرفع عن أنفسنا هذا الضنك؟