
المصطفى الجوي – موطني نيوز
في قلب إقليم بنسليمان، حيث تتهاوى أبسط معايير التنظيم والانضباط، تُختزل مأساة مواطن يعيش على وقع فوضى تُنذر بكارثة إنسانية وإدارية. فمن قضايا النقل العمومي العشوائي إلى تسعيرةٍ تتحكم فيها أهواء السائقين، وصولاً إلى ثقافة الإفلات من المحاسبة التي يتبناها مسؤولون، يبدو المشهد العام وكأنه مرآة عاكسة لـ”دولة داخل الدولة”، حيث القانون غائبٌ والمواطنُ ضحيةٌ لمصالح متشابكة.
في قرية مليلة، التابعة للإقليم، تتحوّل رحلة المواطن اليومية إلى رهانٍ مع “تاكسي الموت”، كما يلقّبها السكان. فالصورتان اللتان التُقطتا يوم الثلاثاء 4 فبراير 2025 من داخل إحدى سيارات الأجرة الكبيرة، ليستا مجرد توثيقٍ لعشوائية عابرة، بل شهادةً دامغة على استهتارٍ ممنهج بحياة البشر. فالسائقون، وبعضهم يتباهى بـ”حماية غير مرئية” – وفقاً لشهادات السكان – يتحدون القانون بتحميل مركباتهم أضعاف الحمولة المسموح بها، رغم الجهود الميدانية لقائد سرية الدرك الملكي ورئيس المركز القضائي تحت إشراف القائد الجهوي في تصديهم لمثل هذه الكائنات البشرية. السؤال الذي يفرض نفسه هنا: هل يعقل أن تتحول نقابة سيارات الأجرة في بنسليمان إلى شاهدٍ صامتٍ على انتهاكات تهدد أرواح المواطنين، بينما ترفع شعارات الدفاع عن “الحقوق المهنية”؟

ففي الوقت الذي يُصارع فيه الركاب من أجل انتزاع مساحةٍ للتنفس داخل مركبات أشبه بعلب السردين، تُفتح جبهة أخرى للمعاناة : تسعيرة النقل التي تُدار كسوق سوداء علنية. فبالرغم من تكرر الشكاوى حول العبثية في تحديد الأسعار، يبدو القسم الاقتصادي بعمالة بنسليمان وكأنه يعيش في كوكبٍ موازٍ. فغياب الرقابة الفعّالة سمح بتحويل قطاع النقل إلى فضاءٍ للابتزاز اليومي، حيث تُفرض الأجرة بحسب مزاج السائق أو “حجم الأزمة” التي يعيشها الراكب.
لكن اللافت في المشهد البنسليماني هو ذلك التناقض الصارخ بين معاناة المواطن وتفاصيل حياة المسؤولين. فحسب مصادر موطني نيوز، يستغل بعض المسؤولين في الإقليم سيارات الدولة ومحروقاتها بشكلٍ شخصي، بل ويُحوّلونها إلى أدواتٍ لخدمة عائلاتهم. فكيف لمثل هؤلاء – الذين يعيشون في فقاعةٍ من الامتيازات – أن يلمسوا معاناة مواطن يدفع من قوت أبنائه ثمنَ رحلةٍ قصيرة في “تاكسي الموت”؟ وكيف يُنتظر منهم حلٌّ لأزمةٍ هم جزءٌ من أسباب تفاقمها؟

المأساة لا تكمن في غياب الإمكانيات أو التشريعات، بل في اختفاء الإرادة السياسية الحقيقية. فالصور التي التُقطت داخل سيارة أجرة في قرية مليلة، والشتائم التي يتبادلها الركاب يومياً، والشكاوى التي تتراكم على مكاتب المسؤولين، كلها أدلةٌ على أن الفوضى لم تعد “خللاً عابراً”، بل نظاماً مُمأسساً. فالإقليم، الذي يُدار كسفينةٍ بلا قبطان، يدفع ثمنه المواطن البسيط مرتين : مرةً عندما يُجبر على ركوب مركباتٍ تشبه مقصورة التعذيب، ومرةً عندما يسمع وعود الإصلاح تتبخر كالماء بين يدَي إدارةٍ تكرس الفساد الصغير كثقافةٍ يومية.
اليوم، بينما تُكتب فصول هذه المأساة بلغة الأرقام المخيفة وحكايات الضحايا، يبقى السؤال الأكثر إلحاحاً : هل من مُنقذٍ لبنسليمان من دوامة الانهيار؟ أم أن الصرخة ستضيع – كالعادة – بين جدران اللامبالاة؟
