
المصطفى الجوي – موطني نيوز
في مشهد يعكس توترات سياسية متجددة، تصدر حزب الأصالة والمعاصرة (PAM) واجهة الخلاف مع الأغلبية الحكومية، بعد هجوم لاذع شنّه رئيس فريقه البرلماني، أحمد التويزي، خلال جلسة الأسئلة الشفهية بمجلس النواب، متهمًا الحكومة بإهمال التعاون مع البرلمان، ومُثيرًا قضايا تنظيمية شائكة تمس شفافية العمل التشريعي.
حيث انطلق أحمد التويزي في انتقاداته من غياب الوزراء عن الجلسات البرلمانية، واصفًا إياه بـ”الإهمال الذي يُضعف دور البرلمان الرقابي”، قبل أن ينتقل إلى إشكالية رفض مكتب المجلس إدراج أسئلة إحاطات الفرق المعارضة، معتبرًا ذلك “تقييدًا للحوار الديمقراطي”. وأكد على ضرورة تعاونٍ قائم على الاحترام المتبادل بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، مُحذرًا من تداعيات الاستمرار في تجاهل مطالب النواب. لكن انتقاداته لم تتوقف عند هذا الحد، بل شملت اتهامات للقائمين على التنظيم التقني للجلسات (الريجي) بـ”التلاعب” بصور النواب في البث المباشر، عبر إقصاء بعض الوجوه وعدم إبرازها، ما دفعه للمطالبة باعتماد ميثاق أخلاقي ينظم عملية البث ويضمن تكافؤ الفرص بين جميع الأعضاء، في خطوةٍ تهدف إلى تعزيز مصداقية المشهد البرلماني أمام الرأي العام.
هذا التصعيد البرلماني لم يأتِ من فراغ، إذ يأتي في سياق تصاعد انتقادات متبادلة بين مكونات المشهد السياسي. فقبل أيام، أطلق محمد أوجار، القيادي في حزب التجمع الوطني للأحرار (RNI) – الشريك في الأغلبية الحكومية – سهامًا نحو قطاع الإسكان الذي تديره الوزيرة فاطمة الزهراء المنصوري، المنتمية لحزب الأصالة والمعاصرة، في خطوةٍ فُسرت كتعبير عن توترات داخل التحالف الحكومي. وعلى الفور، رد حزب الأصالة والمعاصرة عبر بلاغٍ سياسي حاد، دافع فيه عن سياسات القطاع، مُبرزًا “إنجازات ملموسة” شملت ارتفاع مبيعات الإسمنت بنسبة 20%، وانتعاش سوق العمل المرتبط بالبناء، إضافة إلى تخصيص 10 مليارات درهم لدعم المواطنين في اقتناء المساكن. وجاء الرد مُحمّلًا برسالةٍ واضحةٍ مفادها أن الحزب لن يتردد في الدفاع عن مواقفه، حتى لو أدى ذلك إلى اصطدامٍ مع شركاء الحكومة.
من جانبها، حاولت قيادة حزب التجمع الوطني للأحرار احتواء الأزمة عبر إصدار بلاغٍ أشادت فيه بجهود الوزيرة المنصوري، في محاولةٍ لطيّ صفحة الانتقادات الداخلية. لكن رد فعل حزب الأصالة والمعاصرة كان أكثر حدة، حيث اعتبر أن “البلاغات التهدئةية لا تعالج جذور المشكل”، مما يؤشر إلى فشل مساعي تخفيف التوترات، ويُظهر أن الخلافات تجاوزت الحسابات الفردية إلى صراعٍ أوسع حول الأدوار والاستراتيجيات.
وعليه، يرى مراقبون أن التصعيد الحالي لا ينفصل عن الاستعدادات المبكرة للاستحقاقات الانتخابية الجماعية المقبلة، حيث يسعى كل حزبٍ لترسيخ صورته كمدافع عن مصالح المواطن، سواء عبر انتقاد الأداء الحكومي أو تسويق الإنجازات. كما أن تركيز حزب الأصالة والمعاصرة على قضايا مثل “شفافية البث البرلماني” و”غياب الوزراء” يلامس شكاوى شعبية من انفصال النخب عن هموم الشارع، في محاولةٍ لتحويل هذه النقاط إلى ورقة ضغطٍ سياسية.
ومن ناحية أخرى، تُطرح تساؤلات حول ما إذا كانت انتقادات أوجار لوزيرة من حزب يشكل الدعامة الرئيسية للتحالف الحكومي تعكس انقسامات داخل التجمع الوطني للأحرار ومكونات باقي الشركاء، أو محاولةً لاستباق أي انتقادات خارجية عبر تقديم “نقدٍ ذاتي” مُوجّه. وفي كل الأحوال، فإن تفاعل الأحزاب مع هذه الأزمة يكشف هشاشة التحالفات الحكومية في ظلّ تنافسٍ خفيّ على الزعامة السياسية وتأطير الرأي العام.
ففي خضمّ هذه التوترات، يبدو أن المشهد السياسي المغربي مقبلٌ على مرحلةٍ جديدةٍ من التحديات، حيث تتعالى الأصوات المطالبة بإصلاح آليات العمل البرلماني، وتعزيز التوازن بين السلطات، في وقتٍ تحاول فيه الأحزاب الحاكمة والمعارضة توظيف كل حدثٍ لتعزيز حضورها الانتخابي. وبينما تُصر الحكومة على تسليط الضوء على “مكاسب قطاعية”، يواصل حزب الأصالة والمعاصرة لعبة التصعيد، مُستفيدًا من أي هفوةٍ لترسيخ نفسه كقوة رقابيةٍ لا تُهادن، في معادلةٍ قد تُعيد رسم تحالفات المستقبل.