المصطفى الجوي – موطني نيوز
في ظل صمت مجتمعي مطبق وغياب شبه تام للجهات الرسمية، تتفاقم أزمة إنسانية خطيرة في مدينتي بنسليمان وبوزنيقة. إنها قضية الاعتداءات الجنسية المتكررة على النساء ذوات الإعاقة الذهنية، تلك الفئة الضعيفة التي وجدت نفسها فريسة سهلة لذئاب بشرية لا ترحم.
في الآونة الأخيرة، شهدت هاتان المدينتان تدفقًا ملحوظًا لنساء من ذوات الإعاقة الذهنية، قادمات من مدن مغربية أخرى. هؤلاء النساء، اللواتي يفتقرن إلى الحماية الأسرية والمجتمعية، وجدن أنفسهن في بيئة غريبة وعدائية، حيث يتربص بهن المستغلون في كل زاوية.
إن المشهد المؤلم الذي رصدته عدسة “موطني نيوز” لإحدى هؤلاء النساء وهي تعاقر الخمر في الشارع العام رفقة مجموعة من الجانحين، ليس سوى غيض من فيض. هذه الحالة تكشف عن عمق المأساة وتعقيدها، وأخرى حامل لا نعلم ماهو مصيرها ولا حتى مصير جنينها ان كتب له الحياة!!! وليست هي الحالة الاولى فقد سبقها الكثير دون اي تدخل. حيث تتداخل قضايا الإدمان والتشرد مع الاستغلال الجنسي، مشكلة حلقة مفرغة من المعاناة والتهميش.
من المؤسف أن نرى مجتمعًا بأكمله يغض الطرف عن هذه المأساة الإنسانية. فبدلاً من توفير الحماية والرعاية، نجد أن هؤلاء النساء يتعرضن للإهمال والوصم الاجتماعي. هذا التجاهل المجتمعي يشكل تربة خصبة لاستفحال ظاهرة الاعتداءات الجنسية، حيث يجد المعتدون في صمت المجتمع وعدم اكتراثه غطاءً لجرائمهم.
إن غياب جهة رسمية تعنى بشؤون هذه الفئة الضعيفة يعد إخفاقًا ذريعًا من قبل السلطات المحلية والوطنية. فأين هي مراكز الإيواء المتخصصة؟ أين هي برامج الرعاية الصحية والنفسية الموجهة لهذه الفئة؟ وأين هي آليات الحماية القانونية التي تضمن حقوقهن وكرامتهن؟
إن استمرار هذه الاعتداءات في ظل هذا الصمت المطبق يعد وصمة عار على جبين المجتمع بأسره. فكل يوم يمر دون اتخاذ إجراءات جادة لحماية هؤلاء النساء، هو يوم نضيف فيه ضحية جديدة إلى قائمة طويلة من الضحايا الصامتات.
لقد آن الأوان لكسر حاجز الصمت والتحرك بشكل عاجل وحاسم. يجب على السلطات المحلية أن تتحمل مسؤولياتها في توفير الحماية الفورية لهؤلاء النساء، من خلال إنشاء مراكز إيواء آمنة ومجهزة بالكوادر المتخصصة. كما يجب تفعيل دور الشرطة والقضاء في ملاحقة المعتدين وتقديمهم للعدالة، مع ضمان إجراءات قانونية تراعي الظروف الخاصة للضحايا.
على الصعيد المجتمعي، هناك حاجة ملحة لحملات توعية واسعة النطاق لتغيير النظرة السلبية تجاه الأشخاص ذوي الإعاقة الذهنية، وتعزيز ثقافة التضامن والحماية المجتمعية. يجب أن يدرك كل فرد في المجتمع أن حماية هؤلاء النساء هي مسؤولية جماعية، وأن الصمت على هذه الجرائم يعد تواطؤًا ضمنيًا معها.
كما أن للمنظمات غير الحكومية والجمعيات المدنية دورًا حيويًا في هذه القضية. فهي مطالبة بتكثيف جهودها في مجال الدعم والمناصرة، وتوفير خدمات الإرشاد النفسي والقانوني للضحايا، والضغط على صناع القرار لاتخاذ إجراءات فعالة باعتبار ان الظاهرة وطنية ولا تقتصر على مدينتي بنسليمان وبوزنيقة.
إن ما يجري من اعتداءات يقع على عاتق وسائل الإعلام مسؤولية كبيرة في تسليط الضوء على هذه القضية بشكل مستمر ومسؤول. فالتغطية الإعلامية المتوازنة والمستمرة يمكن أن تكون عاملاً حاسمًا في تحريك المياه الراكدة وحشد الرأي العام للمطالبة بالتغيير. ومنها ايجاد مأوى لهذه النساء وهو أضعف الايمان، علما أن الذئاب البشرية لم تعد تفرق في أكلها للحم البشري بين الذكر والأنثى.
إن الطريق نحو إنهاء هذه المأساة قد يكون طويلاً وشاقًا، لكنه ليس مستحيلاً. فبتضافر الجهود وتحمل كل طرف لمسؤولياته، يمكننا أن نبني مجتمعًا أكثر أمانًا وعدلاً لجميع أفراده، بمن فيهم الفئات الأكثر ضعفًا وتهميشًا. فلنرفع أصواتنا عاليًا ونتحرك الآن، قبل أن تسقط ضحية أخرى ضحية لهذا الصمت القاتل.