المصطفى الجوي – موطني نيوز
بالصدفة وأنا أستمع للأغاني على منصة اليوتيوب، ظهرت فجأة أمامي أغنية قديمة جدا لمجموعة ناس الغيوان تحت عنوان “علي وخلي” والتي لم يسمع بها الجيل الحالي والتي تقول كلماتها الرائعة :
تَـبْـنِــي وُتْـعـَلـِّــي تـمـشــي وتـخـلـــي
عـقـلـك مـْـدْنـِّـــي يـا خـايــب الـحــَالَــة
تـبـنـي الـحـيـطـان تـشــرب الـكـيســـان
تـسـكـن فْ الفيـلا وغـيـرك فْ نْــوَالَـــة
تـحـگـر الـفـقـيـــر وتگول الـتـَّغْـيـِيـــرْ
وُأنــتيَ شْـفِـيـفِـيــرْ مَا تْسْوَاشْ نْـعَــالَــة
تـْـــزْوَّرْ لـْـــوْرَاقْ وُتْشْهْــدْ بالـنـفـــاق
تـــســـئ الأداب وتـتـكـلـم ب جهـالـة
أصـلــك بـخـيـــل وشــانـــك نْـعـِـيـــلْ
عـَــيْشَـكْ قْــلِـيـــلْ يَا عْصِـيدْ النخـالـــة
مــالــك آوا مـالـك آش طرى وجرى لك
ظنيتي راسك خالد وانـــت لــلــزوالـــة
مــادامـت لْ عـَــادْ ولا ورثــهــا شـَـدَّادْ
أخـــرها لــقــبـــر وُحـَـــرّْ السُّــوَّالّـــة
انتابني شعور غريب وكأن هذه المجموعة تغني على الوضع الحالي الذي تعرفه البلاد مؤخرا. لهذا أحببت أن أقوم بتفكيك النص والبحث في معانيه الظاهرة والباطنة، وربطه بالسياق الاجتماعي والسياسي والثقافي الذي نعيشه حاليا. هذه القصيدة يمكن قراءتها كصرخة ضد الظلم الاجتماعي والفساد، حيث تعبر المجموعة عن غضبه من التفاوت الطبقي والظلم الذي يعاني منه الناس البسطاء في مواجهة من هم في مواقع السلطة والثراء.
فالقصيدة تستخدم اللهجة المغربية بمهارة، مما يجعلها قريبة من قلوب الناس ويعزز من وقعها وتأثيرها. تعتمد على تكرار بعض المفردات والتراكيب التي تعزز من إيقاعها وشدتها، مما يضفي عليها طابعاً حماسياً ومباشراً.
القصيدة تبدأ بتصوير التناقض بين من “يبني ويعلي” ومن “يمشي ويخلي”، وهو تلميح إلى من يبني لنفسه حياة مترفة ويترك البقية وراءه يعانون. هذا التباين يعبر عن الفجوة الواسعة بين الأغنياء والفقراء.
حيث تشير القصيدة إلى “تزوير الأوراق” و”الشهادة بالنفاق”، وهي اتهامات صريحة بالفساد والغش في مجتمع لا ينصف الفقراء والمحتاجين. مثل هذه الاتهامات تشير إلى الظلم الاجتماعي والمؤسسي المتفشي.
لهذا تنتقد المجموعة في هذه الأغنية الاستغلال والتعسف من قبل الطبقات المهيمنة، من خلال عبارات مثل “تحقر الفقير” و”أصلَك بخيل وشانك نْعيل”. هنا يظهر انتقاد الشاعر لطبقة معينة في المجتمع تتصرف بطريقة استعلائية وبخيلة تجاه من هم أقل منها.
مضيفا “ظنيتي راسك خالد وانـــت للزوالة” تذكير بأن الغرور والثراء الزائف لن يدوم، وأن النهاية المحتومة هي الموت، مما يجعل كل هذا التفوق الوهمي بلا قيمة.
هذه القصيدة يمكن أن تكون انعكاساً للوضع الاجتماعي والسياسي في أي مجتمع يعاني من الفساد والتفاوت الطبقي. ناس الغيوان هنا تمثل صوت الشعب الغاضب من الطبقة الحاكمة، ويعبر عن إحباطه من الظلم الاجتماعي والسياسي المتفشي. كما يبرز الشاعر مسألة الاستبداد الطبقي، حيث يتمتع البعض بالثراء والسلطة على حساب الآخرين.
لهذا الأغنية أيضاً تعكس حالة نفسية من الإحباط واليأس، ولكنه أيضاً تمتلك بعداً تحفيزياً، حيث تذكر المستبدين بأنهم ليسوا خالدين، وأنهم في النهاية سوف يواجهون نفس المصير الذي يواجهه الجميع.
مثل هذه الأغاني قد تلعب دوراً كبيراً في إثارة الوعي الاجتماعي والسياسي بين الناس، وتشجيعهم على المطالبة بالعدالة والتغيير. القصيدة توجه رسالة قوية تحذر فيها من مغبة التمادي في الظلم والفساد.
فالأغنية التي تم تحليلها تعبر بعمق عن مشاكل اجتماعية وسياسية واقتصادية تتكرر عبر العصور. من خلال لغة شعبية بليغة ومؤثرة، ينجح الشاعر في تسليط الضوء على معاناة الفقراء والمظلومين، وفضح الفساد والتفاوت الطبقي. الشعر هنا ليس مجرد فن، بل أداة قوية للتعبير عن غضب الشعب والمطالبة بالعدالة الاجتماعية.
وفي نهاية المطاف، تذكر المجموعة الجميع بأن الحياة زائلة، وأن ما يبقى هو الذكرى والأثر الذي يتركه الإنسان، وهذا بمثابة دعوة للتفكير في كيفية التعامل مع الآخرين ومع المجتمع. في عالم مليء بالظلم والفساد، يصبح مثل هذا الشعر منارة للأمل والدعوة للتغيير.