المصطفى الجوي – موطني نيوز
في تحقيق عميق يكشف النقاب عن واحدة من أكثر القضايا إثارة للجدل في المغرب، نسلط الضوء اليوم على مسار تحول زراعة القنب الهندي من نشاط غير قانوني إلى صناعة واعدة تحمل في طياتها إمكانات اقتصادية هائلة.
ففي مشهد يعكس تحولاً جذرياً في السياسة الاقتصادية والاجتماعية، يخطو المغرب اليوم خطوات واثقة نحو تقنين زراعة القنب الهندي، متجاوزاً بذلك عقوداً من الممارسات غير القانونية التي أثرت سلباً على صورة المملكة وحرمتها من عائدات مالية ضخمة. قبل نحو عقدين، هزت الأوساط الدولية أرقام صادمة كشفت عنها الأمم المتحدة، حيث بلغت قيمة تجارة المخدرات القائمة على نبتة القنب الهندي في المغرب ما يعادل 15 مليار دولار، وهو رقم يوازي اليوم عُشر الناتج الداخلي الخام للمملكة في عام 2023. هذه الأرقام المذهلة تسلط الضوء على حجم الثروة الهائلة التي كانت تتسرب من الاقتصاد الرسمي لسنوات طويلة، مخلفة وراءها آثاراً اجتماعية واقتصادية وخيمة.
لقد استأثر تجار المخدرات بهذه الثروة الطائلة، بانين إمبراطوريات مالية ضخمة تجلت في مبانٍ فارهة ومشاريع ضخمة داخل المغرب وخارجه، لا سيما في جنوب إسبانيا. وفي المقابل، عانى صغار المزارعين في أقاليم شمال المملكة من الفقر والتهميش والمتابعات القضائية، رغم كونهم العمود الفقري لهذه الصناعة غير الشرعية. هذا الوضع المتناقض أدى إلى تشويه سمعة المغرب دولياً، حيث ارتبط اسم المملكة بتجارة المخدرات، مما أثر سلباً على صورتها العالمية وجهود التنمية التي تبذلها.
إدراكاً منها لحجم الخسائر الاقتصادية الفادحة التي حُرم منها الاقتصاد المغربي على مدى عقود، والتي كان يمكن استثمارها في التنمية المستدامة والبنية التحتية، قررت الدولة، وإن متأخرة، الانتباه إلى الإمكانات الهائلة لهذه النبتة إذا ما تم استغلالها بشكل قانوني وفعال. وعليه، شرعت في مسار تشريعي شاق لتقنين زراعة القنب الهندي، متصدية بذلك لمصالح راسخة عارضت التغيير خوفاً على مكاسبها غير المشروعة.
هذا المسار التشريعي المليء بالأشواك انتهى إلى سن قوانين تسمح بزراعة القنب الهندي واستغلاله في الأغراض الصناعية والطبية والتجميلية. وبسرعة ملحوظة، انتقلت الدولة إلى بناء نموذج اقتصادي مبتكر يفتح الباب مستقبلاً لتصدير تلك المواد إلى الخارج، مع ضمان استفادة المزارعين المحليين من مدخول أعلى ونشاط شرعي ومستدام.
مع انطلاق هذا العهد الجديد لزراعة القنب الهندي في المغرب، تلوح في الأفق فرص واعدة، تتمثل في إمكانية جذب استثمارات أجنبية وتحقيق عائدات تصدير كبيرة من العملة الصعبة. كما يُتوقع أن يساهم هذا التحول في توفير فرص عمل شرعية ومستدامة للمزارعين وسكان المناطق الشمالية، مما سيدفع عجلة التنمية المستدامة في تلك المناطق. علاوة على ذلك، يُنتظر أن يساهم هذا التوجه الجديد في تحسين الصورة الدولية للمغرب، محولاً إياه من مصدر للمخدرات إلى رائد في الصناعات القائمة على القنب الهندي، مع فتح آفاق جديدة للبحث والتطوير في المجالات الطبية والصناعية.
بيد أن هذا التحول لا يخلو من تحديات جسام ينبغي مواجهتها بحزم وحكمة. فمن الضروري ضمان انتقال سلس للمزارعين من الإنتاج غير القانوني إلى الشرعي، مع مكافحة فعالة للسوق السوداء. كما يتعين وضع معايير صارمة لضبط الجودة والرقابة لضمان سلامة المنتجات وجودتها. وفي ظل المنافسة العالمية الشرسة من دول سبقت المغرب في هذا المجال، يتحتم على المملكة بذل جهود مضاعفة لتأكيد موقعها في السوق العالمية. ولعل أحد أهم التحديات يكمن في تغيير النظرة السلبية السائدة تجاه القنب الهندي في المجتمع، وهو ما يتطلب حملات توعية مكثفة وشاملة.
ليقف المغرب اليوم على مفترق طرق تاريخي. فبعد عقود من الخسائر والفرص الضائعة، تلوح في الأفق فرصة ذهبية لتحويل “الذهب الأخضر” من نقمة إلى نعمة. إن نجاح هذا التحول مرهون بتضافر جهود الدولة والمجتمع والقطاع الخاص لبناء صناعة مستدامة وأخلاقية، تعود بالنفع على الجميع، وتضع حداً نهائياً لعقود من الاستغلال والتهميش. والسؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح: هل سينجح المغرب في تحويل تاريخ من الظلال إلى مستقبل مشرق يعيد للمملكة مكانتها كمنتج عالمي مسؤول ورائد في هذا المجال الواعد؟ الإجابة تكمن في الخطوات القادمة وفي قدرة المملكة على تحويل الرؤية إلى واقع ملموس يعود بالنفع على جميع أبنائها، محولاً بذلك صفحة سوداء من تاريخها إلى فرصة ذهبية للنمو والازدهار.