المصطفى الجوي – موطني نيوز
فتاة ثلاثينية تهدد ترامب، وبايدن يستعين بها قبل الانتخابات. تغريدة منها قد تقلب المعادلة، فأكثر من نصف الشعب الأمريكي معجب بها، و30 مليون صوت انتخابي ينتظرون رأيها. مليارديرة صوتها هو من يدر لها المال، ونفوذها السياسي يهدد الجالسين في البيت الأبيض. تايلور سويفت: مغنية ترعب السياسيين.
في يوليو من العام الماضي، تصدرت سويفت عناوين الأخبار بجملة مثيرة للغاية مفادها “زلزال تايلور سويفت”. والجملة ليست مجازًا للتعبير عن شعبيتها أو حب الأمريكيين لها، بل إنها حقيقة حدثت في الولايات المتحدة الأمريكية، تحديدًا في ولاية سياتل، حيث كانت تحيي حفلًا لها في ملعب لكرة القدم. ذلك الحفل حضره أكثر من 70 ألف من معجبي سويفت، وبسبب القفز والرقص للعدد الكبير من الحضور في الملعب، سُجلت هزة زلزالية سريعة تعادل 2.3 درجة على مقياس ريختر.
هذا الزلزال وضّح شعبية سويفت في أمريكا وحجم التأثير القادرة على صنعه في كل نواحي الحياة. فتأثير الفتاة الأمريكية وصل إلى اليابان، ففي فبراير الماضي توافد الآلاف من مختلف الدول الآسيوية إلى العاصمة طوكيو، دفع بعضهم أكثر من ألف دولار أمريكي ليشاهد سويفت من الصفوف الخلفية، فيما لم يُعرف كم دفع من جلس في الصفوف الأولى.
حققت سويفت خلال سنوات قليلة ثروة قياسية قُدرت بـ 1.1 مليار دولار، مع شعبية صاخبة في أمريكا والعالم. فدخلت قائمة الأثرياء والمؤثرين وأبرز النساء في الكوكب. وقبل أن نتحدث عن دورها المرعب بالنسبة لترامب، لابد أن نعرف كيف وصلت سويفت لما هي عليه اليوم، ومتى بدأ صعودها الحقيقي للواجهة.
سويفت، التي ولدت في العام 1989 بولاية بنسلفانيا الأمريكية، لم تكن توقعاتها تصل للحجم الذي وصلت إليه اليوم. ففي سن الـ 11 عامًا، غنت سويفت للمرة الأولى قبل مباراة لكرة السلة في فيلادلفيا. بعدها بعام، باتت تعزف على الجيتار وتكتب الأغاني، واستلهمت موسيقاها الخاصة من موسيقى الفولك الأمريكي، وابتكرت مادة أصلية قالت إنها تعكس تجربتها.
مع اقتراب المراهقة، في سن الـ 14، انتقلت مع عائلتها إلى تينيسي. بعدها بعام، دخلت عالم الموسيقى رسميًا عندما وقعت أول عقد لها مع شركة سوني ككاتبة أغانٍ، وكانت تقيم حفلات غنائية ببعض الأغاني التي كتبتها. وفي العام 2006، أطلقت أول أغنية منفردة لها، وفي العام التالي أطلقت الألبوم الأول لها لتحصل في ذات العام على شهادة الأسطوانة البلاتينية، والتي تُعطى للموسيقيين في الولايات المتحدة بعد بيعهم لأكثر من مليون نسخة.
كل تلك الأحداث وُصفت بالعادية، وكانت داخل الولايات المتحدة، وفي الحقيقة كان قد حصل عليها الكثيرون قبل سويفت. حتى جاء العام 2010 لتثير سويفت إعجاب العالم عندما حصلت على أربع جوائز في حفل توزيع جوائز غرامي. ومن ثم بدأت سنوات من إثارة الجدل في علاقاتها الغرامية مع عدد من المشاهير، ومع محاكمة مدنية في عام 2017 بعد دعوى رُفعت ضدها اتهمتها بمحاولة اتهام أحد الأشخاص بالتحرش بها.
ذلك لم يؤثر على مسيرة تايلور، بل على العكس زاد من شهرتها، حيث ظهرت في العديد من الأفلام وزادت شعبيتها بشكل واسع. فمن بعد العام 2019، باتت سويفت تتصدر منصات استماع الموسيقى في أمريكا والعالم. وفي العام الذي تلاه، أطلقت فيلم “ملكة جمال أمريكا”، وهو فيلم وثائقي تحدث عن حياتها ومسيرتها المهنية. ومن ثم تحولت حفلاتها لمهرجانات صاخبة في الولايات المتحدة وخارجها، وباتت تحصد الملايين من الدولارات من كل حفل تقيمه.
حتى كرمتها مجلة “التايم” بلقب شخصية العام في العام 2023. ذلك التكريم حدث بعد فترة قصيرة من إعلان منصة سبوتيفاي أن سويفت هي أكثر من يستمع إليه جمهور المنصة في العالم. في ذات العام، باتت سويفت مليارديرة واحتلت المركز الخامس في قائمة فوربس لأقوى النساء في العالم.
كل تلك الإنجازات والشعبية كان لها تأثير طاغٍ على أرض الواقع، حيث باتت سويفت مؤثرة مهمة للغاية في الولايات المتحدة. وهنا لابد للسياسة أن تتدخل، خصوصًا في زمن وسائل التواصل الاجتماعي.
تشاس نيوكي، مؤلف كتاب “تايلور سويفت: القصة كاملة”، يقول في مقال له: “لو تأملت في كل القضايا التي تؤرق دونالد ترامب في الوقت الحالي، وعلى رأسها إدانته التاريخية بـ 4 تهم جنائية تتعلق بتزوير سجلات تجارية، لن تتوقع أن يظهر بين أهم تلك الهواجس اسم مغنية ذاعت شهرتها على ساحة موسيقى الكاونتري المحافظة في الولايات المتحدة. لكن بعدما ألفت كتابًا عن تايلور سويفت، أدركت أن كل القوانين والقواعد تتغير عندما يتعلق الموضوع بها.”
نيوكي يكشف لنا كيف يمكن لسويفت أن تؤثر في الانتخابات الأمريكية وكيف يمكن أن تشكل عامل قلق بالنسبة لترامب. فبحسب ما ذكر وحسب الأرقام، 53% من الأمريكيين معجبون بها، 16% منهم يعتبرون أنفسهم من أشد المعجبين بها. وتضم قاعدة معجبيها خمسة أجيال ويسمون أنفسهم “سويفتيز”. وتشير دراسة جديدة أن 18% من الناخبين الأمريكيين، أي ما يعادل 30 مليون ناخب، يمكن أن يتغير رأيهم بالانتخابات بحسب المرشح الذي ستؤيده تايلور سويفت في النهاية.
يعتقد كثيرون أنه من المستحيل أن يُحدث منشور على إنستغرام تغييرًا في الانتخابات، لكن ماذا عن مؤثر يضم في حسابه 272 مليون متابع؟ في العام الماضي على سبيل المثال، طلبت سويفت من متابعيها تسجيل أسمائهم في قوائم الانتخابات. خلال ساعات قليلة، سجل في موقع الانتخابات أكثر من 35,000 شخص.
كما أن لسويفت تجارب سابقة في التأثير على معجبيها. فبعدما بدأت بمواعدة نجم كرة القدم الأمريكية ترافيس كيلسي، وجد استطلاع رأي أن 20% من جيل الألفية و24% من الجيل Z بدأوا بمتابعة الرياضة بسببها.
وهنا نأتي للسؤال المهم: لماذا بايدن سعيد بسويفت وترامب قد يهاجمها؟ ذات الدراسة حول معجبيها في الولايات المتحدة كشفت أن نحو 55% من أشد معجبيها هم من مناصري الحزب الديمقراطي، في مقابل 23% من مؤيدي الحزب الجمهوري. وبالتالي، حتى لو زاد الإقبال العام على التصويت في نوفمبر القادم بسببها، فذلك سيصب في مصلحة بايدن بشكل أكبر.
في ذات الوقت، ينظر الكثير من الجمهوريين إلى سويفت نظرة ازدراء. فهي امرأة في الثلاثينيات، غير متزوجة، وتملك ثروة ضخمة. ولهذا يرونها قوة خارقة للتأثير لا تتناسب مع أفكارهم، وفي ذات الوقت تهدد وصولهم للسلطة في الانتخابات.
كما عُرف عن ترامب أنه لا يهاجم أحدًا حتى يعتبره خطرًا، ولهذا كتب على منصات التواصل في فبراير الماضي جملة عن سويفت وصفها حينها بغير الوفية. كما سبق أن كانت سويفت على أعتاب طلب التصويت لبايدن. فقبل انتخابات العام 2020 بفترة قصيرة، وجهت تغريدة لترامب كتبت فيها: “بعد تأجيجك نيران تفوق العرق الأبيض والعنصرية خلال عهدك كله، تجرأت على التظاهر بالتفوق الأخلاقي قبل أن تهدد باستخدام العنف”، مضيفة: “سنخرجك من منصبك عبر صناديق الاقتراع في نوفمبر”.
ماثيو هاريس، متخصص العلوم السياسية في جامعة بارك، يقول تعليقًا على ذلك: “إن تايلور سويفت كانت تحظى بشعبية عام 2020، لكن شعبيتها انتقلت إلى مستوى آخر”. يضاف لذلك أنه على مر السنوات، جمعت سويفت ذخيرة من السمعة الطيبة – حسب وصف مراقبين – يمكن اعتبارها غير مسبوقة في تاريخ موسيقى البوب. ربما تقرر استخدامها في الانتخابات القادمة، خصوصًا أنها أعلنت أنها صوتت لبايدن في انتخابات 2020، وفي ذات الوقت تُظهر عداءها لترامب علنًا منذ سنوات.
سويفت قد تكون مؤثرة من بين آلاف المؤثرين في الولايات المتحدة، لكن حجم تأثيرها يتخطى الجميع حتى سياسيًا. ولهذا قد نجد المرشحين في الانتخابات، ترامب وبايدن، يحاولان الحصول على دعمها. ففي زمن باتت وسائل التواصل الاجتماعي تتحكم بأفكار الناس وتوجيه اهتمامهم، لابد للسياسيين أن يحصلوا على دعم سويفت قبل انتخاباتهم المصيرية.
هذا التأثير الهائل لسويفت يجعلها قوة لا يستهان بها في المشهد السياسي الأمريكي. فهي ليست مجرد مغنية ناجحة، بل أصبحت ظاهرة ثقافية واجتماعية لها تأثير ملموس على الرأي العام، خاصة بين الشباب والأجيال الجديدة من الناخبين.
يبدو أن تايلور سويفت قد تلعب دورًا محوريًا في تشكيل مسار الانتخابات الرئاسية الأمريكية القادمة، سواء أرادت ذلك أم لا. فتغريدة واحدة منها، أو إعلان دعمها لأحد المرشحين، قد يكون له تأثير كبير على نتائج الانتخابات. وهذا يضعها في موقع فريد من نوعه، حيث تجمع بين قوة النجومية وتأثير الرأي السياسي، مما يجعلها شخصية محورية في المشهد السياسي الأمريكي المعاصر.