المصطفى الجوي – موطني نيوز
مئة درهم قد تشتري لك يومًا من السجن. هذه واحدة من العقوبات الأخرى الموجودة في مسودة القانون التي إذا صادق عليها البرلمان، لم يبق سوى أيام قليلة لتنشر في الجريدة الرسمية وتصبح قانونًا يطبق علينا جميعًا.
في بداية التسعينيات، طلب أحد المواطنين المغاربة الذي يحمل جنسية مزدوجة (مغربية وإيطالية) بشكل عاجل أن يلتقي بأحد المسؤولين الدبلوماسيين في السفارة الإيطالية بالمغرب. التقى به مذعورًا ومرتعبًا، وأخبره عن الكارثة التي وقعت له ولأخته. قال إنه عندما كان في إيطاليا، شاهد شريطًا إباحيًا تظهر فيه أخته التي لم تتجاوز 18 عامًا. لم يفهم ما يحدث وقرر العودة إلى المغرب.
عندما عاد إلى البلاد، وجد أن أخته قد هجرت المنزل وأصبحت تعمل في الدعارة، رغم أنه لم يكن لديها أي سبب يدفعها للقيام بذلك. وعندما بدأ يبحث عنها وعلمت أنه يبحث عنها، لم تعرف كيف تتصرف، فقبض عليه رجال الشرطة وعذبوه.
هذه القصة التي أرويها لكم حدثت في التسعينيات. الوضع اليوم مختلف عما كان عليه آنذاك. بعد جهد كبير، تمكن من لقاء أخته وتحدث معها وجهًا لوجه. هناك صُدم بالصدمة الكبرى عندما علم أن أخته في هذا المجال لأنها ضحية أحد كبار رجال الأمن في الدار البيضاء، والذي كان يُعرف باسم “الحاج ثابت”.
عندما علمت السفارة بهذه المعلومات، وان المتورط مسؤول بجهاز الاستخبارات أبلغتها على الفور لوزير الخارجية المغربي، الذي بدوره – حسب ما يُقال – أوصلها إلى أعلى سلطة في البلاد في ذلك الوقت، الملك الحسن الثاني. وبدأت عملية البحث بجدية وبكل سرية عما يحدث مع هذا المسؤول “الحاج ثابت”.
في فبراير عام 1993، تم اقتحام منزله وتم حجز أكثر من 118 شريطًا إباحيًا يحتوي على مقاطع فيديو لفتيات صغيرات كان يبتزهن “الحاج ثابت”، بالإضافة إلى مقاطع فيديو لمسؤولين كبار في ذلك الوقت. كانت هذه الأشرطة تُباع في الخارج، وهكذا تعرف الشاب على أخته.
هذه القضية، المعروفة بقضية “الحاج ثابت”، هزت المغرب في التسعينيات وأحدثت ضجة كبيرة، وجرت معها شخصيات كثيرة. حُكم على العديد منهم بعقوبات مشددة، وحُكم على “الحاج ثابت” بالإعدام رميًا بالرصاص. هذا الإعدام هو آخر إعدام تم تنفيذه في تاريخ المغرب، رغم أن عقوبة الإعدام ما زالت موجودة في القانون الجنائي المغربي، ولكنها عمليًا لا تطبق لأنها تتعارض مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي ينص على أن الحق في الحياة حق أساسي للإنسان.
لكن العقوبات الأخرى، وأهمها السجن، ما زالت تطبق. وهناك من يقول إنها تطبق بشكل مفرط، لدرجة أن عدد السجناء في المغرب وصل إلى 100 ألف سجين، في حين أن الطاقة الاستيعابية للسجون المغربية لا تتجاوز 64 ألف سجين. وهذا ما سبب مشكلة كبيرة وخطيرة حسب ما تقول المديرية العامة للسجون في أحد بلاغاتها.
في ظل هذا الوضع، خرج وزير العدل عبد اللطيف وهبي يقول: “وجدت لكم الحل لهذه المشكلة، وهو العقوبات البديلة”. ومع خروج هذا المشروع، ثارت حوله ضجة كبيرة. هناك من يراه غير عادل، خاصة عقوبة شراء أيام الحبس بالمال، وهناك من يراه غير عملي وحالم ويصعب تطبيقه.
وأنا في هذه المقال، كما العادة، سأعطيكم تفاصيل هذا الموضوع، وستعرفون معلومات مهمة لكم كمواطنين يصعب أن تجدوها في أي مقال آخر. ستعرفون كيف تتم عملية الاعتقال، ومن سيقول لك “عيب، هذا شغل عقلك جيدًا”، لأن المقال يحتوي على معلومات مهمة لك كمواطن لا تعرف كيف يمر الوقت حتى تجد نفسك تطبق عليك وأنت لا تفهم شيئًا.
في شهر غشت من العام الماضي 2023، نشب خلاف في الصحافة بين بعض جمعيات القضاة والمندوبية العامة للسجون، بعد أن أصدرت المندوبية بلاغًا تقول فيه: “يا عباد الله، الطاقة الاستيعابية للسجون لم تعد تحتمل، هذا كثير”. هذا ما أزعج جمعية القضاة، خاصة هذه الجملة بالضبط في البلاغ التي تقول: “تعبر المندوبية العامة عن قلقها البالغ لتسجيل هذا التزايد المهول، وتطلب من السلطة القضائية والإدارية الإسراع بإيجاد الحلول الكفيلة لمعالجة إشكالية الاكتظاظ”.
لكي تفهموا جيدًا مبدأ فصل السلطات في الدول، يعتمد على أن أي سلطة لا تتدخل في الأخرى. السلطات هي: السلطة التنفيذية (الحكومة)، والتي تعتبر مندوبية السجون تابعة لها، والسلطة القضائية (القضاة)، والسلطة التشريعية (البرلمان). هذا المبدأ واستقلالية القضاء تعني أن القاضي ليس لديه رئيس، أي أنه لا يحق لأي شخص، مهما كان، أن يتدخل في أحكامه. القاضي مستقل.
ولكن كيف يمكن اعتبار هذه الجملة تدخلًا في إختصاصات القضاء؟ الكثير من الناس فسروا هذه الجملة حسب السياق المغربي بمعنى: “أيها القضاة، لقد بالغتم في هذه الأحكام المتشددة، وكل من يعرض عليكم ترسلونه إلى السجن، وهذا كثير علينا”. ويُفهم منها أن الجهاز القضائي ليس لديه الجرأة الكافية لاستخدام عقوبات لا تتضمن السجن في الحالات التي يمكن فيها تجنب السجن، وأنه دائمًا يتخذ القرار المتشدد.
لكي أوضح لكم هذه الخطة للعقوبات البديلة التي جاءت كحل لهذه المشكلة، دعوني أستعرض لكم ما هي العقوبات الموجودة حاليًا حسب القانون الجنائي.
يشير الفصل الأول إلى أن الجرائم يتم ردعها بطريقتين: إما بالعقوبات أو بالتدابير الوقائية. وعند التطرق إلى العقوبات، نجد نوعين: عقوبات أصلية وعقوبات إضافية. أما العقوبات الأصلية فتنقسم إلى ثلاثة أنواع: عقوبات جنائية، وجنح، ومخالفات. وكما ترون، هناك اختلافات مهمة بين هذه الأنواع. فمثلاً، في المخالفات تكون الغرامة أقل من 1200 درهم، وإذا زادت عن ذلك فإنها تصبح جنحة. والفرق بين الجنايات والجنح هو أن مدة الحبس في الجنايات تتجاوز خمس سنوات، بينما في الجنح تكون في معظم الحالات أقل من خمس سنوات.
وكما ترون، هذه هي العقوبات الأصلية التي يجب على القاضي أن يحكم بها على جريمة ما. وهناك أيضًا العقوبات الإضافية، وهي عقوبات يمكن للقاضي إضافتها لتشديد العقوبة الأصلية. وبالطبع، حدد القانون أي نوع من العقوبات الإضافية يمكن إضافته إلى أي من العقوبات الأصلية.
من أهم الآثار المترتبة على العقوبات هو ما يسمى بالسجل العدلي، أو ما يعرف لدى المغاربة بـ”الوسخ في الملف”. ويعتبر هذا الأمر بالنسبة لكثير من المحكوم عليهم عقوبة إضافية لا تقل أهمية عن العقوبات الأخرى. لماذا؟ لأنها ببساطة تؤثر اجتماعيًا، فعندما ترغب مثلاً في العمل في القطاع الخاص لدى الشركات أو بعض الإدارات، أو الاستفادة من بعض الخدمات، يُطلب منك تقديم سجل السوابق الخاص بك.
يمكنك إما تقديم السجل العدلي من المحكمة أو بطاقة السوابق من الشرطة. وعندما يكون لديك ملف “موسخ”، فإنك لن تجد عملاً في أي مكان. وبالطبع، هناك إجراءات لإزالة هذا “الوسخ”، والتي تستغرق سنوات وهذا في حد ذاته اشكال عويص.
هذه العقوبات التي تحدثت عنها هي جزء من العقوبات. ودون الدخول في التفاصيل، هناك تدابير وقائية عينية وشخصية، وهذه هي أنواعها.
ما شرحته لكم باختصار هو الترسانة القانونية المتاحة للقاضي للحكم على الجرائم التي أمامه. وبالطبع، هذه الترسانة تعطينا أحكامًا متنوعة ومختلفة حسب كل حالة، وفقًا للقاضي وسلطته التقديرية في التشديد والتخفيف وما إلى ذلك. هذا ما أقوله لكم نظريًا، ولكن عمليًا، أدى ذلك إلى وجود أكثر من 100 ألف سجين في سجون طاقتها الاستيعابية لا تتجاوز 64 ألف سجين.
حيث احتل المغرب المرتبة ما بين 17 إلى 19 من حيث الدول التي لديها أكبر عدد من السجناء، بمعدل 272 سجينًا لكل 100 ألف مواطن. ويعتبر هذا المعدل مرتفعًا جدًا مقارنة بالدول المشابهة لنا. ومع ذلك، يبقى السؤال: لماذا لدينا هذا العدد الكبير من السجناء؟
للإجابة على هذا السؤال، علينا أن ندخل في التفاصيل ونحلل نوعية هؤلاء السجناء وكيفية دخولهم. وفقًا لتقرير الأنشطة لعام 2023 الصادر عن المندوبية العامة لإدارة السجون، كان لدينا في ذلك العام ما يقرب من 102 ألف معتقل، أكثر من ثلثهم معتقلون احتياطيًا.
وبالطبع، الآن أنت تنتظر مني أن أشرح لك ما هو الاعتقال الاحتياطي كما أنت معتاد. وهذا هو السبب الذي سأنتقل معك فيه إلى الفقرة التي يجب أن تعرفها جيدًا، وهي ما يحدث خلف الجدران وكيف تجري العملية.
لنكمل العملية..لكي تدخل السجن – لا قدر الله – تمر بأربع مراحل: النيابة العامة التي تكون تحتها الشرطة القضائية، قاضي التحقيق إذا لزم الأمر، ثم المحكمة الابتدائية والاستئناف والنقض، وأخيرًا مرحلة السجن.
عندما يُشتبه في شخص ما بارتكاب جريمة، إما أن يكون في حالة تلبس أو يذهب شخص ما للشكاية ضده. الشخص الذي يذهب للشكاية يمكنه الذهاب إلى الشرطة أو الدرك أو المحكمة عند النيابة العامة. إذا كانت القضية التي فيها الشكوى تحتاج إلى تحقيق، فإن الجهاز الذي يقوم بالتحقيق يسمى الشرطة القضائية.
الشرطة القضائية يمكن أن تكون أي موظف له صفة الضبطية في الدولة، ويمكن أن يكون إما من الدرك أو الشرطة أو الجمارك أو حتى من المياه والغابات. المهم أنهم موظفون عاديون، وفي حالة التحقيق في تلك الجريمة يكونون تابعين للنيابة العامة ويسمون شرطة قضائية. والنيابة العامة في هذه الحالة تكون هي المسؤولة عنهم في هذا التحقيق بالتحديد.
إذا وصلت الشكاية إلى النيابة العامة وتبين لها أنها تحتاج إلى تحقيق، فإنها في هذه الحالة تحرك السلطة القضائية اللازمة. وفي هذه الفترة، إذا رأت النيابة العامة أن المشتبه فيه إذا بقي حرًا قد يتلف الأدلة ويفسد التحقيق، فمن الممكن اعتقاله وتطلب من الشرطة القضائية احتجازه لديها.
القانون حدد بالضبط المدد التي يمكن احتجازه فيها. وهو لا يذهب إلى السجن بل يبقى لدى الشرطة أو الدرك. هذه المدد تختلف حسب نوع الجريمة المشتبه فيها، من يومين حتى 12 يومًا. وأنتم تعرفون كذلك أنواع الجرائم والمدد وكم يمكن تمديد كل واحدة. إذا انتهت هذه المدد والنيابة العامة ما زالت في بحثها، فإنه بموجب القانون يجب إطلاق سراحه وإكمال البحث في حالة سراح.
إذا أنهت النيابة العامة بحثها، فإنها ترسل ملفه إلى المحكمة. وإذا رأت النيابة العامة أن ملفه يحتاج إلى تحقيق أكثر، فإنها ترسل الملف إلى قاضي التحقيق. قاضي التحقيق هو جهاز آخر، جهاز وسيط، ليس النيابة العامة وليس هو القاضي الذي ينطق بالحكم النهائي، وإنما قاضٍ مهمته تعميق البحث في الملف.
في هذه الحالة، إذا رأى قاضي التحقيق أن المشتبه فيه يجب أن يتابع في حالة اعتقال، فعندها يطلب من الشرطة أو الدرك أن يأخذوه إلى السجن. الفترة التي قضاها المشتبه فيه لدى الشرطة أو الدرك تسمى بالحراسة النظرية، والفترة التي سيقضيها أثناء بحث قاضي التحقيق سيقضيها في السجن، وهذه تسمى اعتقالاً احتياطيًا.
هذا الاعتقال الاحتياطي بالنسبة لقاضي التحقيق محدد أيضًا بالقانون. وهذا الاعتقال الاحتياطي هو إجراء استثنائي يتخذه قاضي التحقيق إذا لم تكن هناك ضمانات لحضور المشتبه فيه وأشياء أخرى دون الدخول في التفاصيل. ومدة الاعتقال الاحتياطي تختلف حسب نوع الجريمة، سواء كانت جنحة أو جناية. في الجنح تكون شهرًا قابلة للتمديد مرتين، أي الحد الأقصى ثلاثة أشهر. وفي الجنايات تكون شهرين قابلة للتمديد خمس مرات، أي الحد الأقصى 12 شهرًا من الاعتقال الاحتياطي.
إذا انتهت هذه المدد وما زال قاضي التحقيق لم يكمل بحثه، فعليه أن يكمل بحثه والمشتبه فيه في حالة سراح، أو يحيل الملف إلى المحكمة لترى ما ستفعل معه. وعندما يصل الملف إلى المحكمة وتبين لها أن المشتبه فيه يجب أن يبقى معتقلاً، ففي هذه الحالة تعتقله لمدة غير محددة حتى النطق بالحكم.
يمر الملف في المحكمة الابتدائية، وعندما تنطق بحكمها، إذا لم يعجب المشتبه فيه الحكم، يمكنه الاستئناف. ومحكمة الاستئناف تعيد النظر في الحكم من جديد وتنطق هي أيضًا بحكمها. وإذا لم يعجبه، يذهب إلى النقض.
محكمة النقض لا تعيد النظر في الحكم، وإنما تنظر فيما إذا كانت محكمة الاستئناف قد اتبعت الإجراءات الشكلية والقانون في إصدار ذلك الحكم. أي أنها تحكم على الحكم نفسه. إذا قالت محكمة النقض أن هذا الحكم صحيح، فإنه يصبح نافذًا.
المدد التي قضاها المشتبه فيه بين الحراسة النظرية في النيابة العامة، وبين قاضي التحقيق (الاعتقال الاحتياطي الأول)، والاعتقال الاحتياطي للمحكمة، كلها تدخل في مدة الحكم. يعني هذه الفترة من الشرطة حتى النطق بالحكم النهائي من محكمة النقض، إذا استغرقت مثلاً عامين، والحكم كان ثلاث سنوات، ففي هذه الحالة يقضي فقط عامًا في السجن ثم يخرج.
وإذا خرج ببراءة، فعليه اتباع إجراءات طويلة للحصول على رد الاعتبار والتعويض وما إلى ذلك.
فقد سبق لرئيس النيابة العامة أن نشر مذكرة لجميع ممثلي النيابة العامة في المحاكم يقول فيها: “استحضار قرينة البراءة، مع عدم إصدار الأوامر بالإيداع في السجن إلا إذا توفرت الموجبات القانونية”. يعني الجميع يعرف أن الاعتقال الاحتياطي يُستخدم بشكل مفرط وليس دائمًا حالة استثنائية، وفي حالات كثيرة يكون مجحفا وظالما خاصة عندما تتوفر كل ضمانات الحضور.
ولكن ليس فقط الاعتقال الاحتياطي الذي يملأ السجون. التقرير يقول إن أكثر من 62% من الناس المعتقلين محكوم عليهم. والأرقام تقول إن أكثر من نصف هؤلاء المحكوم عليهم محكوم عليهم بسنتين أو أقل، وأكثر من 70% محكوم عليهم بخمس سنوات أو أقل.
هذه الأحكام هي التي تفسر البلاغ الأول، لأنه يلمح إلى أنها كثيرة وكان من الممكن عدم إعطاء عقوبة السجن فيها وإعطاء شيء آخر. ولكن لا يُعطى فيها إلا السجن.
وبالطبع، السؤال البديهي الذي يُطرح إذا تابعنا هذه القضية هو: لماذا تُعطى هذه الأحكام بهذا الشكل؟ ولماذا؟ والجواب على هذا السؤال يمكن أن نفهمه من الكلمة التي قالها رئيس المجلس الأعلى للسلطة القضائية في افتتاحية السنة القضائية 2023. قال إن حصة كل قاضٍ من القضاة المكلفين بإصدار الأحكام تصل إلى 1700 قضية في العام، بمعدل سبع قضايا في كل يوم عمل، وأيام العمل في السنة هي 250 يومًا، وبالطبع هذا الرقم سيكون ضخمًا. حتى لو قمت بالنظر في سبع قضايا فقط في اليوم، فلن أتمكن من إنجاز العمل. كل قضية معقدة وصعبة، بالإضافة إلى النقص في الموارد البشرية بالمحاكم، مما يجعل المهمة بالنسبة للقضاة صعبة وشبه مستحيلة.
وبالطبع، القضاة في النهاية هم بشر، وهذا الوضع الذي يعيشه القضاة، حسب مجموعة من الناس، يؤدي بالضرورة إلى نوع من الأحكام غير العادلة. علاوة على ذلك، هناك العديد من المواد في القانون الجنائي التي لا تتضمن عقوبات حبسية، مما يجعل تطبيقها على أرض الواقع صعبًا لدرجة الاستحالة.
على سبيل المثال، المادة 481 من قانون المسطرة الجنائية التي تتحدث عن العقوبات التي يمكن للقاضي إصدارها للحدث الذي يقل عمره عن 18 عامًا. فالمادة تنص على إرساله إلى هذه المؤسسات الإصلاحية ولكن عمليًا هل هذه المؤسسات موجودة على أرض الواقع؟ وهل هناك أماكن كافية لكل الأشخاص؟ وهل من الممكن عمليًا إرسالهم إليها؟ هذا تحدٍ عملي كبير يعيق عمل القاضي. وحتى لو ارسلوا اليها حتما سيفرون منها وكأننا نصب الماء في الرمل.
بالإضافة إلى ذلك، هناك مشكلة أخرى كبيرة وهي وجود بعض الأفعال المجرمة في القانون والتي تتضمن عقوبة الحبس، ولكن لا داعي لوجود عقوبة الحبس فيها لأنها تزيد الأمور تعقيدًا. مثال ذلك قضايا النفقة، حيث إذا لم يتمكن الشخص من دفع النفقة، يذهب إلى السجن، وبالتالي لا هو ولا أولاده يستفيدون. أو قضايا الشيكات التي يتورط فيها شخص ما، فيدخل السجن ولا يستطيع العمل لسداد الأموال المستحقة عليه.
هذه المشاكل ملأت السجون، لذلك يقول الكثير من الناس إن العمل الحقيقي يكمن في القانون والتشريع. وهذا ما أقرته وزارة العدل، حيث وافقت على تغيير القانون وإضافة العقوبات البديلة. الوزارة ببساطة قالت إن السجون لدينا ممتلئة لأنه ليس لدينا عقوبات بديلة.
العقوبات البديلة ليست هي العقوبات الأصلية والإضافية، بل هي عقوبات تحل محل العقوبة الأصلية التي تتضمن السجن. وهكذا، قامت الحكومة بإعداد مشروع قانون العقوبات البديلة لحل هذه المشكلة. عندما خرج المشروع، أثار جدلاً، وهناك من قال إنه خرج من السياق لأنه جزء صغير من مشروع القانون الجنائي الذي أثار الكثير من النقاش لسنوات.
كانت هناك مسودة تم إعدادها في الحكومة الأولى لحزب العدالة والتنمية في عهد بن كيران، وظلت تلك المسودة ست سنوات دون أن يتم اتخاذ أي إجراء بشأنها. كانت العقوبات البديلة جزءًا منها، ولكن الحكومة لم تستطع تنفيذ المشروع الكبير المتمثل في تغيير القانون الجنائي.
يقول البعض إن أكثر ما أثار الجدل حول تغيير القانون الجنائي هو موضوع الإثراء غير المشروع. فهناك من يقول إنكم تركتم المشكلة الكبيرة وجئتم فقط لتزيينها بهذه العقوبات البديلة، والتي هي مشروع قانون يبدأ في القانون الجنائي.
كما شرحنا سابقًا، العقوبات إما أصلية أو إضافية. بهذا المشروع القانوني، سنضيف فئة جديدة وهي العقوبات البديلة. هذه العقوبات البديلة تحل محل العقوبة الأصلية التي كانت عبارة عن السجن. ولكن لكي يستفيد المتهم منها، هناك شروط:
الشرط الأول: ألا يكون للمتهم سوابق، أي لم يسبق الحكم عليه في أي قضية. وهذا يعني أن العقوبة البديلة يمكن الاستفادة منها مرة واحدة فقط.
الشرط الثاني: أن تكون الجريمة جنحة يحكم فيها القاضي بأقل من خمس سنوات. ومن المهم ملاحظة أن هناك بعض الجنح مثل الاتجار في المخدرات التي قد يحكم فيها بأكثر من خمس سنوات، لكن هذا ينطبق فقط على الأحكام التي تقل عن خمس سنوات.
الشرط الثالث: أن هذه العقوبات البديلة لا تطبق على نوع محدد من الجرائم، وهي الجرائم التي تمس أمن الدولة الداخلي أو الخارجي، أو جرائم الإرهاب، أو جرائم الاختلاس إذا سرق الموظف الأموال بيده من الدولة، أو جريمة الغدر (وهو عندما يطلب الموظف من المواطن دفع مبلغ غير قانوني لقضاء مصلحته)، أو الرشوة، أو استغلال النفوذ، أو تبديد الأموال العمومية، أو غسيل الأموال، أو الجرائم العسكرية، أو الاتجار الدولي بالمخدرات.
وهنا ملاحظة مهمة حول قضية الاتجار الدولي في المخدرات: لا يوجد في القانون المغربي شيء يسمى “الاتجار الدولي”. كلمة “الدولي” غير موجودة في قانون المخدرات. إذا رجعنا إلى الظهير بمثابة قانون متعلق بزجر الإدمان على المخدرات السامة ووقاية المدمنين، في الفصل الثاني منه، نجد أنه يعاقب بالحبس من خمس إلى 10 سنوات وبغرامة تصل إلى 500,000 درهم كل من استورد أو أنتج أو صنع أو نقل أو صدّر أو حاز بصفة غير مشروعة المواد والنباتات المعتبرة مخدرات. لا نرى كلمة “دولي” هنا، بل نرى “استورد” أو “صدّر”، وهي الكلمات التي تشير إلى شيء خارج المغرب.
هذه المصطلحات الدقيقة في القانون هي التي تسبب الارتباك وقد تؤدي إلى أحكام غريبة. فمثلاً، قد يكون هناك تاجر مخدرات كبير داخل المغرب لكنه لم يقم بالتجارة الدولية، وبالتالي قد يستفيد من العقوبة البديلة.
لنكمل الجرائم التي لا يحق لها الاستفادة من العقوبات البديلة: الاتجار في المؤثرات العقلية، الاتجار في الأعضاء البشرية، الاستغلال الجنسي للقصّر أو الأشخاص ذوي الإعاقة. هذه الجرائم لا يمكن للشخص أن يستفيد فيها نهائيًا من العقوبات البديلة.
وكما سبق، فإن 70% من الأشخاص المحكوم عليهم بالحبس حاليًا لديهم أحكام تقل عن خمس سنوات، مما يعني نظريًا أن هذه العقوبات البديلة يمكن أن تكون حلاً لمشكلة الاكتظاظ.
أما كيفية الحكم بهذه العقوبات البديلة، فيقول مشروع القانون إن القاضي يجب أن يحكم بإحدى العقوبات الأصلية. إذا كانت هذه العقوبة الأصلية تتضمن الحبس بالشروط التي ذكرناها سابقًا (أقل من خمس سنوات وليست من أنواع الجرائم المستثناة)، فيمكن للقاضي إعطاء العقوبة البديلة. كما يمكن للنيابة العامة أن تطلب منه إعطاء العقوبة البديلة، أو يمكن للشخص المحكوم عليه أو محاميه أو ممثله القانوني أو أي شخص معني بالأمر أن يقدم الطلب.
هذه العقوبات البديلة تشمل أربعة أنواع: دفع غرامة بدلاً من الحبس، المراقبة الإلكترونية، العمل من أجل المنفعة العامة، وتقييد بعض الحقوق أو فرض تدابير وقائية أو علاجية أو تأهيلية.
ومع ذلك، فإن تطبيق هذه العقوبات البديلة يواجه تحديات عملية، مثل كيفية مراقبة الأساور الإلكترونية ومن سيقوم بذلك، وكيفية التأكد من أن الشخص قد أدى العمل للمنفعة العامة. هذه التحديات تجعل الكثيرين يشككون في قدرة النظام القضائي الحالي على تنفيذ هذه العقوبات البديلة بفعالية.
في النهاية، يبقى السؤال الكبير: كيف ستنجح الدولة عمليًا في تنفيذ هذا المشروع؟ الإجابة على هذا السؤال ستتضح في المستقبل بعد تطبيق هذه العقوبات البديلة. ويبقى لنا أن نرى ما إذا كانت هذه العقوبات البديلة ستحل المشكلة أم ستزيدها تعقيدًا، وهل سيستفيد منها الأشخاص الذين كانوا سيواجهون عقوبات السجن ويخرجون أحرارًا.