
المصطفى الجوي – موطني نيوز
في قلب حرب فيتنام الدموية، شهد العالم واحدة من أخطر العمليات العسكرية التي نفذتها الولايات المتحدة الأمريكية. كان الهدف هو اختراق وتدمير شبكة الأنفاق التي حفرها الفيتكونغ تحت الأرض، والتي كانت تمثل شريان الحياة للمقاومة الفيتنامية.

لتحقيق هذه المهمة الخطيرة، تم تجنيد مجموعة مختارة من الجنود الأمريكيين والأستراليين والنيوزيلنديين، المدربين خصيصًا كمهندسين قتاليين. أطلق عليهم اسم “فئران الأنفاق”، وكان معظمهم من ذوي القامة القصيرة لتسهيل حركتهم داخل الأنفاق الضيقة.

زحفوا عبر الممرات المظلمة، محاولين بلطف نزع الألغام والوصول إلى بر الأمان. لكن هذه المهمة كانت حقيقية جحيمًا على الأرض. كانوا يواجهون خطر الموت في كل لحظة، سواء من الألغام أو من الكمائن المحكمة التي نصبها الفيتكونغ.

رغم القصف الجوي الأمريكي المكثف واستخدام كل أنواع الأسلحة الفتاكة بما في ذلك القنابل العنقودية والغازات السامة، إلا أن الثوار الفيتناميين كانوا يظهرون من تحت الأرض بشكل مفاجئ، يضربون القوات الأمريكية ثم يختفون في الأدغال مرة أخرى.

أصيب الجنود الأمريكيون بحالة من الهيستيريا، متسائلين: “من أين يخرج لنا هؤلاء؟ ولماذا لا يموتون؟”. في الفترة من 1965 إلى 1968، كان الجحيم حرفيًا في فيتنام، حيث تواصل تدفق توابيت الجنود الأمريكيين على الولايات المتحدة.

في محاولة يائسة للسيطرة على الوضع، لجأت القوات الأمريكية إلى المزيد من القوة والتنكيل. ظهرت مشاهد مروعة لقرى فيتنامية دُمرت عن بكرة أبيها. لكن رغم كل هذا الترويع ضد المدنيين، كان رد المقاومة الفيتنامية قويًا وصادمًا للأمريكيين.

في مطلع عام 1968، حضر الفيتناميون الشماليون “مفاجأة” للأمريكيين في العام الجديد. في احتفالات رأس السنة القمرية “التات”، شن 70 ألف جندي فيتنامي هجومًا واسع النطاق على 90 قرية وثكنة ونقطة حساسة ومدينة، بما في ذلك سفارة الولايات المتحدة.

رغم النجاح المؤقت للهجوم، كان رد الأمريكيين قويًا. لكن بعد خلط الأوراق، أدرك الأمريكيون أن النصر على هؤلاء الثوار لن يأتي، خاصة مع امتلاك الفيتناميين لميزة “كوشي”، وهي شبكة الأنفاق الضخمة التي تغطي مساحات شاسعة من الأراضي الفيتنامية.

حاول الأمريكيون تدمير “الكوشي” بكل أنواع الأسلحة، لكنهم عجزوا عن ذلك. بعد الهجوم الأخير، أُجبر الأمريكيون على التفاوض مع الشماليين في باريس، حيث قدموا بعض التنازلات. لكن شرط الشماليين الوحيد لإيقاف الحرب كان الانسحاب الكامل للقوات الأمريكية من فيتنام.

عند وصول نيكسون للحكم، أعلن عن استراتيجية جديدة تجعل الفيتناميين يقاتلون بعضهم البعض. لكن هذه الاستراتيجية فشلت أيضًا، مما دفع الشعب الأمريكي للمطالبة بانسحاب بلادهم من الحرب.

بحلول عام 1973، استنفدت الولايات المتحدة كل الحلول التفاوضية والعسكرية مع الفيتناميين. فقررت أخيرًا الاعتراف بهزيمتها ووقف إطلاق النار والانسحاب من أراضي فيتنام، التي ظلت تشهد القتال لعامين آخرين قبل أن يفوز الشيوعيون ويعيدوا توحيد البلاد.

خسر الفيتناميون ما بين 3 و5 ملايين قتيل، بالإضافة إلى 10 ملايين جريح و12 مليون لاجئ. أما الولايات المتحدة، فقتل 60 ألف جندي أمريكي و120 ألف جريح، بالإضافة إلى آلاف المصابين نفسيًا والانتحاريين، وخسائر مادية قُدرت بتريليون ونصف تريليون دولار.
تبقى هزيمة فيتنام وصمة عار في جبين أمريكا، التي لن تنساها أبدًا. فالفيتناميون مرغوا أنف القوة العظمى في التراب، وأرغموها على الاعتراف بالهزيمة.