حلف وارسو جديد..فرصة لعرب إفريقيا قد لا تتكرر

حلف الناتو في مواجهة حلف وارسو الإفريقي

المصطفى الجوي – موطني نيوز

تحالف عسكري جديد نهض في قارة السمر، ستسلحه موسكو وتغذيه بالنووي. ربما أهدافه كثيرة، لكن طريقه واحد، بعيداً عن فرنسا والغرب. اسمه “ليبتاكو-غورما”، وهنا قصته وأطرافه وأهدافه وكيف يمكن للعرب الاستفادة منه.

والبداية كالمعتاد مما قالته آخر الأخبار القادمة من إفريقيا، وتحديداً من غربها. في مثلث جغرافي يقع بين كل من النيجر ومالي وبوركينا فاسو، التقى ثلاثة رجال وأعلنوا ولادة حلف عسكري جديد على غرار حلف الناتو. ولنكن أكثر دقة، على غرار حلف وارسو القديم. هذا المثلث يعرف باسم “ليبتاكو-غورما”، ومنه استمد التحالف الجديد اسمه.

ولتوضيح فكرة التحالف، لابد من التذكير بحلف وارسو القديم الذي تأسس عام 1955، مباشرة بعد إعلان ألمانيا الغربية آنذاك التحاقها بحلف الناتو الذي تقوده أمريكا، والذي تأسس عام 1949. جاء انضمام ألمانيا الغربية له بمثابة الخطر والتهديد لكونها على حدود مناطق النفوذ السوفيتي في ذلك الوقت.

لذا، سارع السوفيت لجمع حلفائهم وجلسوا في مدينة وارسو، عاصمة بولندا آنذاك، وقرروا أن يتحدوا عسكرياً في مواجهة الناتو الغربي. لكن لم يعش هذا الحلف طويلاً، فقد انهار مع انهيار الاتحاد السوفيتي مطلع تسعينيات القرن الماضي، ولم يبقَ منه سوى الخبرة التي اكتسبتها موسكو ومعها خبرات كثيرة تعلمها الروس من درس انهيار الاتحاد السوفيتي. هذا عن الماضي والدرس، لكن ماذا عن الحاضر والجديد؟

كما ذكرنا، ربما تكون روسيا تعلمت الدرس. الدرس كان يقول إن الولايات المتحدة أسست حلفاً في قارة أخرى بعيدة عنها، أي القارة الأوروبية، وهي التي تشكل العدد الكاسح من تلك الدول الملتحقة بالحلف الذي يسمى حلف شمال الأطلسي. لذا، أرادت روسيا استنساخ التجربة، لكن لا خبز لها في أوروبا حالياً سوى بضع كسرات، وهذه غير مؤهلة لتدشين حلف جديد لها هناك. لذلك، أرادت مكاناً آخر مع حلفاء موثوقين وحلفاء آخرين محتملين وقارة أيضاً تجاه القارة الأوروبية. وأيضاً أراض جديدة تكون بمثابة الفتح لموسكو. هذه الظروف جميعها اجتمعت في مكان واحد حالياً، حيث رجال شدوا الرحال إلى الكرملين وقالوا لرئيسه: نحن معك وننتظر منك التوجيه، والمقابل سيكون دعماً بالعتاد والسلاح والغطاء السياسي الثقيل الذي تمتلكه روسيا.

هؤلاء الرجال باتوا بمثابة الإخوة على الرغم من كونهم من ثلاث دول مختلفة، لكن ما يتشابهون فيه هي الأحلام والطموحات بمستقبل أفضل لقارتهم بعيداً عن المستعمر القديم الذي نهبها وأفقرها وعاث فيها فساداً. وهم على الترتيب كل من عبد الرحمن دياني، زعيم النيجر، والنقيب إبراهيم تراوري، زعيم بوركينا فاسو، وأسيمي جويتا، زعيم مالي.

التقى الثلاثة أكثر من مرة، وفي كل مرة كان سقف طموحاتهم يرتفع. آخر لقاءاتهم المثمرة كانت في منطقة تدعى “ليبتاكو-غورما”، والتي تعني الحدود الثلاثة. هذه المنطقة قرروا أن تكون اسماً للتحالف العسكري الذي يعني تحالف الحدود الثلاثة أو تحالف الدول الثلاث، وهي نواة ربما لتحالف أكبر يضم أعضاء أكثر، خاصة بعد أن أثبت هؤلاء الثلاثة أن فكرة تحالفهم فعالة، وقد جربوها في أكثر من مرة. حيث عقب انقلاب النيجر الذي جرى منتصف عام 2023، وبعد تهديدات الفرنسيين باجتياح النيجر وإعادة حليف باريس للحكم فيها، خرجت كل من مالي وبوركينا فاسو للتهديد بالتدخل عسكرياً ضد التدخل العسكري الفرنسي، فارتعدت فرائس الفرنسيين فعلاً، وجنح إرادة حكام غرب إفريقيا الجدد.

كما جرى اختبار آخر حين أطلق الفرنسيون يد الجماعات المتشددة في غرب القارة على هذه الدول، فقرر التحالف الجديد التصدي لها ونجح نسبياً في ذلك.

وطبعاً، كل هذا كان يجري بغطاء روسي، حيث قررت روسيا تكريم الحلف الجديد بإغراقه بالسلاح، بل وبوعود بما هو أقوى من الأسلحة التقليدية، والحديث عن السلاح الأشد فتكاً الآن في العالم، وهو “النووي”. هذا الكلام أعلنه رئيس روسيا نفسه في موسكو خريف عام 2023، حين وقع اتفاقية مع بوركينا فاسو لتدشين أول مفاعل نووي فيها، قال الطرفان إنه سيكون لأغراض سلمية.

قال العالم: نحن نعلم أنه لن يكون كذلك فقط. فالرئيس الروسي نفسه يشرف على ترتيب التحالف الجديد، والحلف الجديد ونجاحه يعني تحفيز دول أخرى في إفريقيا للالتحاق به، وهذا ما حدث فعلياً.

فالآن، كثيرون يقفون على عتبات تحالف الحدود الثلاثة ليجعلوها أكثر من ثلاثة، كغينيا، وأفريقيا الوسطى، وربما الجزائر والسودان أو نصفها، وليبيا أو نصفها، ودول أخرى تدور في فلك الروس. ما يعني أنه بات فرصة لدول عربية للتحرر من التبعية التي أنهكتها للغرب، وقد يكون الحلف الجديد فرصة لتنويع خيارات العرب العسكرية، كما حصل بتحالف بريكس الذي نوع خيارات بعض العرب الاقتصادية.

وهو ما يمهد لعالم جديد مختلف، وبأقطاب مختلفين، وسياسة مختلفة يكون للعرب وضع آخر فيها، كما يجري الآن في ليبيا التي شهدت ولادة فكرة جديدة، هي الفيلق الأفريقي، الذي سيخلف قوات “فاجنر”، والذي جاء لتأمين الإشراف المباشر لوزارة الدفاع الروسية على حلفائها العسكريين في القارة السمراء. ومن قوة النفوذ العسكري الروسي فيها الآن ربما تصبح قارة روسية، لكن ماذا عن فرنسا وأمريكا والغرب؟ هل سيقفون متفرجين؟

بالتأكيد، فرنسا لن تقف متفرجة، لكنها منعدمة الخيارات الآن في غرب إفريقيا وجهات أخرى في القارة التي كانت حديقة خلفية لها يوماً ما. لا بل إن باريس عاجزة عن الرد على ما يقوم به الأفارقة الآن من كنس لرعاياها في بلادهم. وعوضاً عن الرد في القارة، اتجهت صوب آسيا علها تتحصل على موطئ قدم هناك تتمكن خلاله من مفاوضة الروس.

حيث تقربت باريس مؤخراً من أرمينيا ووقعت معها اتفاقات عسكرية عدة. ومعلوم أن أرمينيا حتى قبيل أشهر كانت حليفة لموسكو وفي فلكها، وبهذا أرادت باريس القول: إن أخذتم منا مناطق في إفريقيا نأخذ منكم مناطق في آسيا. لكن شتان بين الرؤيتين، فالروس هم من استغنوا عن أرمينيا بإرادتهم بعد مفاوضات مع تركيا حلفاء أذربيجان، عدوة الأرمن.

أما عن الولايات المتحدة، فهي الآن غارقة حتى أذنيها بالأزمات. فحليفتها المدللة إسرائيل تشن حرباً دامية على قطاع غزة الفلسطيني وتسعى لجر الأمريكيين إلى دخول حرب كبرى في المنطقة. وفي أقصى آسيا، كوريا الشمالية تضيق الخناق على الجنوبية، حليفة واشنطن، والصين تتربص بتايوان، حليفة الأمريكيين أيضاً. لذا، الأمريكيون غير قادرين على مواكبة كل هذه الأزمات معاً، فضلاً عن مواكبتهم لما يجري في إفريقيا.

ومن هنا كانت فرصة الروس للانقضاض أكثر على قارة السمر، وهو مشروع يعملون عليه منذ سنوات، تحديداً منذ تدخل الناتو بشكل رسمي لأول مرة إبان الثورة الليبية وإسقاط نظام معمر القذافي.

والآن، موسكو جمعت كل دروس الماضي وطبقتها في استراتيجيتها الجديدة التي أتت أكلها. وعلى غرار السياسة الأمريكية، نصبت موسكو حكاماً جدداً لقارة الأفارقة ولأول مرة لن يكونوا تابعين للغرب، ما يعني عصراً جديداً ومستقبلاً مختلفاً سيكون بانتظار القارة التي أنهكتها الحروب الأهلية والصراعات والجوع.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!