بسبب التخاذل العربي..فعلها “نتنياهو” وإجتاح رفح

المصطفى الجوي

المصطفى الجوي – موطني نيوز

دقت ساعات الصفر في رفح، فلا اتفاق يوقف المعركة، ولا أسرى تُسأل عنهم تل أبيب وصل الردّ من حماس حول الهدنة، فرفض نتنياهو وقال إنه يريد رفح، اجتياح بري كان قد بدأ، وعمليات عسكرية استمرت وتستمر. تهديد استمر لثلاثة أشهر، وانتهى باجتياح كما قيل من البداية. هنا رفح آخر الأماكن الآمنة في قطاع غزة، فمن هنا تدخل المساعدات، وتعود الحياة للقطاع الذي مر عليه أكثر من 200 يوم من الحرب، لكنه اليوم عاد ليعيش المعاناة كلها.

ناقوس الخطر دق سريعًا، منظمات أممية حضرت العالم كله قائلة : “اجتياح رفح يعني إبادة جماعية علنية، ففي بقعة جغرافية صغيرة يعيش أكثر من مليونين ونصف من الفلسطينيين، لا مكان للهرب ولا حتى للمواجهة الطويلة”.

فتحت إسرائيل معركة رفح بعد تهديد استمر أشهرًا، وقد تكون قد فتحت أبواب الجحيم عليها أيضًا في تلك المعركة، فدخول رفح سيكون منعطفًا جديدًا في الحرب المستمرة، وما قبله ليس كما بعده.

تقول تل أبيب إن عملياتها محدودة النطاق، وتهدف للقضاء على مسلحي حركة حماس، وتفكيك البنية التحتية التي تستخدمها الحركة في القطاع، كما أن القوات تعمل بمنطقة محددة شرق رفح، مؤكدة أن أغلبية السكان تم إجلاؤهم من المنطقة المستهدفة.

كل ذلك كان ليلة السادس من مايو، عندما أعلن نتنياهو رسميًا بدء اجتياح رفح، وردت الفصائل بالموافقة على الاتفاق مع إسرائيل بوساطة مصرية قطرية، لكن نتنياهو رفض كل العروض وقال إن المفاوضات حول الهدنة لن تستمر، وأن اجتياح رفح هو ما سيحدث.

نتنياهو قال إن رد حماس كان بهدف منع ذلك الاجتياح، ولهذا لم يقبل به ولن يرد عليه، وأكد أن المقترح بمجمله بعيد عن المطالب الضرورية بالنسبة لإسرائيل، وأنهى الفيديو المصور الذي ظهر فيه بالقول : “لا يمكن لإسرائيل أن تقبل اقتراحًا يعرض أمن مواطنينا ومستقبل بلادنا للخطر”.

أكد ذلك أن إسرائيل مستمرة باجتياح رفح ولن تتوقف، وهو ما حدث في صباح الثلاثاء السابع من مايو، كانت القوات الإسرائيلية قد دخلت لمعبر رفح من الجانب الفلسطيني، وأعلنت إحكام قبضتها عليه لتوقف الحركة فيه نهائيًا، وبذلك أطبق الحصار كليًا على قطاع غزة، فبتلك السيطرة قطعت الشريان الأخير الذي كان يمدها بالمساعدات والمؤن.

هجوم رفح الذي أصر عليه نتنياهو أثار جدلًا عالميًا بشكل سريع، حيث أفاد المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية أن الولايات المتحدة قدمت وجهة نظرها لإسرائيل حول العملية البرية الكبيرة في مدينة رفح، وأكد أنهم مازالوا يرون أن اتفاق تبادل الأسرى يخدم مصلحة إسرائيل والشعب الفلسطيني، وسيؤدي إلى تحقيق وقف فوري لإطلاق النار، وتيسير تقديم المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة.

كما أعلنت الصين وفرنسا عن رفضهما للهجوم البري الإسرائيلي على رفح، معتبرتين أن ذلك سيؤدي إلى كارثة إنسانية واسعة النطاق في غزة، وأكد الرئيس الصيني شي جين بينغ ونظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون في بيان مشترك على أهمية حماية المدنيين في غزة وفقًا للقانون الإنساني الدولي.

وانتقد الممثل الأعلى للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل التقدم العسكري الإسرائيلي نحو مدينة رفح في غزة، معربًا عن خشيته من تكرار سقوط ضحايا بين المدنيين. كما حذرت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك من تداعيات هجوم عسكري واسع النطاق على رفح، مشددة على أن مليون شخص لا يمكن أن يختفوا فجأة، وأشارت إلى ضرورة تقديم مساعدات إنسانية عاجلة لسكان رفح، وفتح معبر رفح وكرم أبو سالم دون تأخير.

وأدانت وزارة الخارجية التركية الهجمات الإسرائيلية على رفح، معتبرة أنها تظهر نية غير صادقة من إسرائيل، وطالبت بالانسحاب الفوري من المعبر، وأكدت على أن أي هجوم جديد على رفح سيؤثر سلبًا على العالم برمته.

عربيًا، أدانت مختلف الدول العربية الهجوم الإسرائيلي، في حين طالبت مصر والأردن بوقف الهجوم بشكل فوري والابتعاد عن معبر رفح. وفي حالة القاهرة بالتحديد، فإنها ترى بذلك الاجتياح تحديًا لاتفاق السلام بينها وبين إسرائيل، حيث باتت الآن القوات الإسرائيلية بقواتها الكاملة على حدود سيناء، ولهذا تضغط باتجاه وقف الهجوم وتنفيذ الاتفاق الخاص بوقف إطلاق النار.

لكن إصرار نتنياهو يبدو أكبر من كل تلك الضغوطات عالميًا وإقليميًا. فمن منظور الأمن القومي، يعتبر نتنياهو القيام بعملية عسكرية في رفح ضروريًا لضمان أمن إسرائيل، وللتصدي لتهديدات أمنية محتملة من قطاع غزة. وفي سياق السياسة الداخلية، يسعى نتنياهو إلى تعزيز شعبيته بين الناخبين الإسرائيليين من خلال إظهار قوة وحزم في التعامل مع التحديات الأمنية.

وبالنسبة للضغط الدولي، قد يحاول نتنياهو استخدام الضغط العسكري كوسيلة للتأثير على المجتمع الدولي وتحقيق مكاسب سياسية أو دبلوماسية. كما يرى نتنياهو أن القيام بعملية عسكرية في رفح سيسهم في تحقيق أهداف استراتيجية طويلة الأمد لإسرائيل في المنطقة.

وبما أنه اتخذ القرار واجتاح رفح كما هدد منذ أشهر، فالوقائع بعد قبول حماس بالاتفاق بوساطة قطرية مصرية تغيرت كثيرًا. فالكثير من المحللين اليوم يرون أن الهجوم على معبر رفح ما هو إلا لعبة سياسية من نتنياهو لكسب الداخل الإسرائيلي لصفه، بحيث يمكنه التوقيع على اتفاق وقف إطلاق النار وهو يعتبر نفسه منتصرًا، حيث هدد وفعل دون تردد، ولم يترك رفح دون تدخل عسكري.

ومن جانب آخر، هو تأكيد للفصائل الفلسطينية بأن جيشه قادر على التحرك داخل رفح، وأنه لا يزال يملك القوة للقتال لمدة أطول، والمحاولة من جديد في عمق قطاع غزة. حتى اللحظة، يظهر هجوم إسرائيل محدودًا للغاية، لكنه استهدف الموقع الأهم في رفح، واستمرار تمركز إسرائيل في ذلك الموقع سيعني الكثير من المعاناة لسكان قطاع غزة، أو أنها قد تكون خطة أكبر لتفعيل الميناء الأمريكي العائم وإغلاق معبر رفح لأجل غير مسمى. لكن المؤكد أن رغم الاجتياح، فإن إسرائيل تريد وقف إطلاق النار أكثر من غيرها، وقد يصبح ذلك واقعًا خلال أيام قليلة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!