الدولة الرخوة و معالم الأزمة وآفاق الإصلاح في المغرب

المصطفى الجوي

المصطفى الجوي – موطني نيوز 

تعد ظاهرة “الدولة الرخوة” واحدة من أبرز التحديات التي تواجه العديد من الدول النامية، بما فيها المغرب. وقد برز هذا المفهوم على يد الاقتصادي السويدي جونار ميردال في كتابه “الدراما الآسيوية” عام 1968، ليشير إلى الدولة التي تضع القوانين ولا تسهر على تطبيقها بفعالية.

في الحالة المغربية، يتجلى مفهوم الدولة الرخوة في مجموعة من السمات البارزة، كتراجع مكانة وهيبة الدولة داخليًا وخارجيًا. فالمواطن المغربي لا يشعر بحضور الدولة ومؤسساتها في حياته اليومية، كما أن مكانة المغرب على المسرح الدولي قد تراجعت في السنوات الأخيرة. هذا التراجع يرتبط بعدم احترام القوانين وضعف ثقة المواطنين بها، فبالرغم من امتلاك المغرب لمنظومة قانونية متطورة، إلا أنها لا تطبق في الواقع إلا في حالات محدودة.

زد على ذلك تضخم الجهاز الإداري وتداخل الاختصاصات. فالمغرب كدولة مؤسسات يتميز بوجود عدد هائل من المؤسسات الحكومية التي تتداخل فيما بينها، مما يخلق فوضى إدارية وغموضًا في تحديد المسؤوليات. ويبدو أن الهدف من إنشاء هذه المؤسسات الكثيرة هو خلق مناصب للمحسوبين على الدولة.

دون ان ننسى طبعا سيادة النخبة الفاسدة والمصالح الشخصية الضيقة. فالنخب السياسية والاقتصادية والادارية في المغرب تسعى أولاً وأخيرًا إلى تحقيق مصالحها الخاصة على حساب المصلحة العامة، مما أدى إلى تفشي الفساد بكافة أشكاله، وانتشار ظاهرتي المحسوبية والواسطة. والدليل، الكم الهائل من المتابعات القضائية الجارية الى يومنا هذا.

والتي كان لها الفضل في تفشي الفقر والتخلف وغياب العدالة الاجتماعية. وهذا ما ينتج عن استشراء الفساد وهيمنة المصالح الخاصة، حيث يُترك الفقراء والمهمشون في دائرة الحرمان والتهميش، بينما تنعم الطبقات المرتبطة بالنخب الحاكمة بامتيازات ونهبها لثروات طائلة دون حسيب ولا رقيب.

وهذا كله، مرده الى التبعية للخارج وفقدان السيطرة على القرار الداخلي. فارتباط مصالح النخب السياسية بالمؤسسات الدولية جعل المغرب يفقد جزءًا كبيرًا من سيادته وقدرته على اتخاذ قراراته الداخلية بشكل مستقل.

وبالتالي فإن هذه السمات المميزة للدولة الرخوة في المغرب تؤكد على ضرورة إجراء إصلاحات جذرية تستهدف بناء دولة قوية وفاعلة تحترم سيادة القانون وتكرس مبادئ الشفافية والمساءلة. وهذا لن يتحقق إلا من خلال إرادة سياسية حقيقية مصحوبة بجهود مجتمعية واسعة لمقاومة الفساد ومحاسبة مرتكبيه. وعلى المغرب أن يعيد بناء دولته على أسس جديدة تضمن استقلالية القرار الوطني وتكرس العدالة الاجتماعية والتنمية الشاملة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!