قفزة نوعية للمملكة المغربية في صناعة الطائرات

طائرة الركاب المغربية

المصطفى الجوي – موطني نيوز

إذا كنت في رحلة سفر بالطائرة لأية وجهة من العالم، تذكر وأنت على ارتفاع 10 آلاف متر في السماء بأن هناك احتمالًا كبيرًا أن تكون كثير من أجزاء هذه الطائرة صُنعت بيد مغربية. لحظة، أليس هذا تصريح وزير الصناعة المغربي قبل ثلاثة أعوام؟ نعتذر لقرائنا الاوفياء عن العودة بالزمن، وعن هذا الخطأ المقصود. بصراحة ما عدنا قليلًا للوراء إلا حتى نقفز قفزة كبيرة مدتها ست سنوات إلى المستقبل، أنت الآن في عام 2030 وعلى متن أول طائرة مغربية صُنعت بالكامل في المملكة المغربية. إذ أن المغرب فاجأ العالم بإعلان أن المملكة التي راكمت خبرة قوية في قطاع الطيران، تهدف في المرحلة الحالية إلى تصنيع طائرة سيكون إقلاعها للمرة الأولى قبل عام 2030 من مملكة المغرب، التي اعتقد كثيرون أنها قبلة عالمية لتصنيع السيارات فقط؛ بعد أن تحولت إلى أرض صناعة السيارات العربية والإفريقية المحلية، أثرى ولادة أول سيارة مغربية وهي “نيو” من إنتاج شركة “نيو موتورز” صاحبة رأس المال المحلي، إضافة إلى مركبة الهيدروجين من إنتاج شركة “نام إكس” والتي سُميت “مركبة الهيدروجين النفعية”.

فالمملكة المغربية تصنع اليوم طائرتها الأولى لتضعها في سماء كوكبنا عام 2030، لتكون أول دولة عربية تصنع طائرتها التجارية الخاصة بأيدي أبنائها، عقب أن باتت في المركز العشرين عالميًا في قطاع صناعة الطائرات، وفي المركز الخامس عشرة من حيث إستقطاب باستثمارات صناعة الطيران. فاليوم المغرب ببساطة قادر على تصنيع أية قطعة من قطع الطائرات، ويمكننا أن نرى كيف دشنت هذه المملكة العربية مؤخرًا مصنعًا يختص بتصنيع قطعة في محرك الطائرة لا تصنع سوى في خمس دول حول العالم، ما يؤكد أن صناعة طيارة مغربية كاملة ليس وليد اليوم، حيث يمكن أن نرى بأم العين كيف سعى المغرب خلال السنوات الأخيرة إلى استقطاب الشركات العالمية المختصة في صناعة الطيران ضمن برنامج اقتصادي يهدف إلى توطين صناعة الطيران، وهذا ما توضحه بيانات مغربية كشفت إنشاء أكثر من 140 شركة في قطاع الطيران بين عامي 2000 و2019، فيما قُدرت صادرات المغرب من قطاع صناعة الطيران بنحو مليارَي دولار. وإن عدنا بالذاكرة إلى عام 2021، سنرى كيف افتتحت شركة “لوبيستون” الفرنسية مصنعها في مدينة الدار البيضاء لإنتاج أجزاء ميكانيكية ذات تقنية عالية في صناعة الطيران، إضافة إلى توقيع اتفاقية مع شركتي “سابكا” البلجيكية و”بيلاتس” لتصنيع هياكل طائرة “بي سي 12″، كما أطلقت المملكة حملة للترويج لإمكانيات قطاع الطيران المغربي لدى المستثمرين الأمريكيين، وكل هذا من أجل هدف كبير جدًا يعمل كل مغربي على إنجازه، وهو: كل الصناعات الثقيلة يجب أن تكون ممهورة بخاتم “صُنع في المغرب”، ليس كعلامة تجارية فقط، بل كطفرة هزَّ بها الملك محمد السادس عبر استراتيجية هادفة إلى إرساء صناعات رائدة بأيادٍ وكفاءات وطنية مغربية صرفة، وعلى رأس هذه الصناعات ما يطاول عنان السماء حرفيًا بتصنيع أول طيارة.

الدرون المغربية

ليس آخر إرهاصات افتتاح مجموعة “سبكا” مصنعها الجديد بضواحي مطار الدار البيضاء، وذلك بعد مضي 15 شهرًا على توقيع اتفاق لجميع هياكل طائرة “بي سي 12” مع “بيلاتوس”، لتؤكد الشركة البلجيكية وشركتها الأم “أوريزيو” مرة أخرى مواصلة استقرارها في المغرب الذي ترى فيه شريكًا موثوقًا في قطاع صناعة الطيران والفضاء، سواء في مجال الصيانة أو في مضمار التصميم والإنتاج والابتكار. كما لا يمكن إغفال توقيع شركة “برات آند ويتني” المتخصصة في تصنيع محركات الطائرات عن استثمار أكثر من 70 مليون دولار لإنشاء مصنع في المغرب، بحيث يمتد على مساحة 12750 مترًا مربعًا في المنطقة الاقتصادية “مد بارك” بمدينة الدار البيضاء. ولتبيان أن المغرب تمكن فعلًا من تشييد قاعدة متنوعة في صناعة الطيران عالية الجودة وقدرة تنافسية كبيرة، يكفي أن نقدم إحصاء دوليًا في صناعة الطيران يؤكد أن هذا القطاع يشهد ازدهارًا وديناميكية بالمغرب جعلته يضاعف حجمه ست مرات، حيث بدأ مخطط المغرب لصناعة طائرته الخاصة منذ منتصف عام 2000 مع وضع استراتيجية للتطوير الصناعي وضعت الطيران بين الصناعات التي تحظى بأولوية التطوير.

فكانت الخطوة الأولى عبر إرساء مناخ استثماري جاذب للشركات المصنعة، إذ قدم المغرب حوافز استثمارية ومشروعات مهيكلة لتعزيز السلسلة، منها حوافز ضريبية وتوفير قاعدة معلومات إلكترونية إقليمية للشركة الأجنبية التي تريد دخول السوق، كما استثمر في توفير مناطق صناعية ومعاهد لمهن الطيران توفر عمالة مؤهلة علميًا ومدربة مهنيًا. ومع تطور قطاع الطيران على يد الشركات الغربية، كانت هذه الخبرات تنتقل رويدًا رويدًا للعمالة المغربية المحلية التي يتم تخريجها من مراكز خاصة للتدريب تتلاءم مع حاجات الشركات المصنعة في القطاع، قبل أن تصل المملكة المغربية إلى يومنا هذا وهي تتوافر على منظومة متكاملة بما فيها هندسة الطيران ويد عاملة وشركات تصنيع، حتى أن قطاع الطيران في المغرب أظهر مرونة كبيرة خلال مدة الأزمة الصحية المرتبطة بكوفيد-19 وأظهر قدرة على التكيف والتنوع والابتكار، حيث قام بتصميم وإنتاج أجهزة التنفس الاصطناعي عالية التقنية.

النفاثة السعودية هوك تي 165

وإضافة للجمعية المغربية لصناعة الفضاء والطيران المعروفة اختصارًا بـ”جيمس”، بات هناك في المغرب، وتحديدًا بالدار البيضاء، المعهد المتخصص بمهن معدات الطائرات ولوجستيك المطارات، بحيث يتعدى تخصصه لوجستيك المطارات إلى معالجة الأسطح والمعالجة الحرارية والتصنيع الآلي وميكانيك صيانة الطائرات وهياكل الطائرات وتلحيم الطائرات. وبعد كل هذا يمكن فهم لماذا اختارت كبرى الشركات العالمية توطين أعمالها بالمغرب، مثل: بوينج، سفران، هيكسل، إيتون، الكو، وأسيليا. ويمكن أن نفهم أيضًا كيف أصبح ترتيب المغرب الـ15 عالميًا من حيث الاستثمارات في صناعة الطيران دوليًا، وكيف نجح في تجاوز جنوب أفريقيا لاحتلال المرتبة الأولى على مستوى القارة بصناعة الطيران، وبات على أعتاب دخول الدائرة الضيقة للدول المصنعة للطائرات.

وقبل أن ننهي حديثنا عن صناعة الطيران في المغرب، لا بد أن نعرج على أول طائرة مسيرة (درون) مغربية محلية الصنع، وهي المسيرة التي تم عرضها في معرض الطيران في باريس لتمثل قدرة الشركة المغربية “إي إي إس” على تصنيع الطائرة المسيرة محليًا، وما شكل خطوة كبيرة في مجال الصناعات الجوية والفضائية في المغرب، خاصة وأن الطائرة المسيرة المغربية يمكنها الإقلاع عموديًا، وهو ما يمنحها ميزة كبيرة في تنفيذ مهام البحث والاستطلاع ضمن مهام عسكرية أو أمنية، ما يشير إلى أن المغرب الذي يطمح لتصنيع أول طائرة ركاب ستطير عام 2030، لربما طموحه سيمتد أكثر ليصنع أول طائرة عسكرية مقاتلة بعد أن صنع أول مسيرة. ولما لا؟ فهذا الشقيق السعودي فعلها بتصنيع أول طائراته النفاثة “هوك تي 165” أول رعب عربي بالسماء.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!