بلدوين الرابع أو الملك المجذوم

الملك المجذوم بلدوين الرابع

المصطفى الجوي – موطني نيوز 

قبل اكتشاف علاج للجذام، كان الجذام بالنسبة للذين عاشوا في الأزمان الغابرة بمثابة حُكم بالإعدام، والضحايا المصابون بالجذام حينها لم يكن محكوم عليهم بالموت البطيء والمؤلم فحسب بل كان يتم نبذهم من قبل مجتمعاتهم، ورميهم للعيش في مستعمرات خاصة بالمرضى والمحتضرين، حتى لا يتسببوا في نشر العدوى للآخرين. في القرن الثاني عشر، خالف ملك شاب مصاب بالجذام كل التوقعات حينها متحدياً كل الصعاب، كان يسمى (بلدوين الرابع).

ولد الأمير (بلدوين الرابع) للملك (عموري الأول) في القدس سنة 1161، وظهرت أولى علامات هذا المرض المروع على الأمير الصغير عندما كان في عمر التاسعة. حيث لاحظ معلمه (وليم الصوري) الذي كان رئيس الأساقفة في ذلك الوقت- آثار المرض على الأمير عندما كان يلعب مع أصدقائه، حيث أبلغ الصغير معلمه عن عدم شعوره بذراعه الأيمن وعدم شعوره بأي ألم “إذا تم قرصه أو حتى ضربه”. بِفضل مكانته الملكية آنذاك حيث كان يُنظر إلى الملوك على أنهم معينون من قبل الرب، فإن السلطة القضائية لم ترغمه على العيش في عزلة.على الرغم من ابتلائه بالجذام، فإن الأمير الصغير أظهر ذكاء حاداً وكان فارساً ماهراً. تولى (بلدوين) مقاليد الحكم بعد موت والده المفاجئ سنة 1174، الأمر الذي حول طفلاً مريضاً في الثالثة عشر من العمر إلى ملكًا للقدس كان بلدوين يضع فوق رأسه وحتى رقبته قناعا مصنوعا من الفضة لكن ذلك القناع المعدني بدل ان يخفف أوجاعه زاد حالته المأساوية وكان هناك اثنان من الاوصياء عليه أحدهما هو ريموند الثالث ابن عم عموري حاكم طرابلس وكان ذلك بشكل برسمي والأخر النبيل مايلز اوف بلانس بشكل غير رسمي. ولقد أبرم ريموند معاهده صلح مع صلاح الدين في عام 1175.

بعد عامين بلغ بلدوين السن الذي يتولي فيه مهام ملكه رسميا. ولم يلتزم بلدوين بمعاهده ريموند مع صلاح الدين وقام بغارات علي دمشق وسهل البقاع.

ثم خطط بلدوين للهجوم علي صلاح الدين في مركز قوته في مصر لذلك أرسل رينولد دي شاتيون لإمبراطور بيزنطة مانويل الأول للحصول علي دعم البحرية البيزنطية وفي نفس الوقت وصل فيليپ فلاندرز في حمله صليبية ابن عم بلدوين. وفي نوفمبر 1177 هزم بلدوين صلاح الدين في معركة تل الجزر قرب الرملة انسحب علي إثرها صلاح الدين إلي مصر.

لكن بعد ذلك توالت الهزائم علي بلدوين الرابع منها اغارته علي بانياس علي يد فروخ شاه ابن أخ صلاح الدين وايصا علي نهر الليطاني في مواجه صلاح الدين والتي هرب منها بلدوين بصعوبة وأسر في هذه المعركة رئيس فرسان المعبد وبلدوين أبلين وهيو أحد أبناء زوجة ريموند حاكم طرابلس. في عام 1184 قام بلدوين بتعيين ابن اخته بلدوين دي مونفيرا ولي عهده وبعدها بعام قام بتعيينه مساعده له. في ربيع 1185 مات بلدوين الرابع وتولي ولي عهد صاحب الخمس سنوات باسم بلدوين الخامس بوصايه ريموند حاكم طرابلس.

مقدِّمات معركة حطين

وفاة بلدوين الخامس وتأثيرها على أوضاع الصَّليبيين: توفي الملك بلدوين الخامس في شهر جمادى الاخرة عام 582 هـ بعد شهور من توليته، فبرزت من جديد مشاكل الصَّليبيين الدَّاخلية؛ إذ كانت وفاته إيذاناً بصراع حادٍّ بين الأمراء حول الفوز بعرش المملكة، وقد استفاد صلاح الدين من هذه الظروف التي مرت بها المملكة.

عبّأ صلاح الدين قواه واستعد لمنازلة الصليبيين وخوض معركة الكبرى التي ظل يعد لها عشر سنوات منتظرا الفرصة المواتية لإقدامه على مثل هذا العمل، ولم تكن سياسة أرناط الرعناء سوى سبب ظاهري لإشعال حماس صلاح الدين، وإعلان الحرب على الصليبيين. غادرت قوات صلاح الدين التي تجمعت من مصر وحلب والجزيرة وديار بكر مدينة دمشق في المحرم (583هـ = مارس 1187م) واتجهت إلى حصن الكرك فحاصرته ودمرت زروعه، ثم اتجهت إلى الشوبك، ففعلت به مثل ذلك، ثم قصدت بانياس بالقرب من طبرية لمراقبة الموقف. وفي أثناء ذلك تجمعت القوات الصليبية تحت قيادة ملك بيت المقدس في مدينة صفورية، وانضمت إليها قوات ريموند الثالث أمير طرابلس، ناقضا الهدنة التي كانت تربطه بصلاح الدين، مفضلا مناصرة قومه، على الرغم من الخصومة المتأججة بينه وبين ملك بيت المقدس.

وبدأ القتال يوم الجمعة 24 من ربيع الآخر 583هـ الموافق 3 يوليو 1187 واستمر طوال اليوم إلى أن حال بينهما الظلام، ولكنَّ جيش الصليبيين أنهك لوعورة منطقة معسكره، وقلة المياه والعطش الشديد، فقام بالانسحاب إلى سهل حطين، ولكن صلاح الدين حاصرهم ومنعهم من الانسحاب حتى تظل ظروف المعركة لصالحه.

ومع بداية صباح اليوم التالي استؤنف القتال مرة أخرى، وكان هدف الصليبيين اختراق الحصار ليصلوا إلى المياه، ولكن كان الحصار عليهم محكمًا، إلى أن استطاع مجموعة من أقوى فرسان الصليبيين بقيادة (ريموند) اختراق هذا الحصار، ولكنه ما لبث أن اكتشف أنها كانت مصيدة عندما وجد نفسه معزولًا عن بقية الجيش، وقد استفردت به قوة مسلمة كانت بانتظاره، فدب الخوف في قلبه، وانطلق مع جنوده بسرعة، ولم يتوقف حتى وصل إلى طرابلس، وبهذا استطاع صلاح الدين إبعاد أشد قوة لدى جيش العدو، وهنا بدأت الرِياح تهب في وجههم، فأمر صلاح الدين بإشعال الحشائش والأعشاب الجافة، فاجتمع على الاعداء العطش والدخان وحرارة الحريق، وهنا وصل عدد قتلاهم إلى ثلاثين ألفًا، وأسراهم إلى ثلاثين ألفا آخرين، ولم يبق إلاَّ مئات يحمون ملكهم باستماتة عجيبة، حتَّى صدوا ثلاث هجمات للمسلمين على خيمة الملك، فأشار صلاح الدين إلى أن استهدفوا الخيمة، وبالفعل استطاع المسلمون إسقاط خيمة الملك، فاستسلموا، وهكذا كانت نهاية الجيش الصليبي، بين قتيل أو أسير أو فار وهم قلة.

واستطاعت الحملة الصليبية الثالثة تحقيق القليل من الانتصارات من خلال استعادة الساحل الفلسطيني، لتصبح عكا بدلاً من القدس عاصمةً للمملكة، عانت المملكة من عدة مشاكل فى وراثة العرش، وخلال تاريخها آل الحكم لأكثر من عائلة شهدت المملكة فى طورها الثانى تعزيزًا للعلاقات مع سائر الممالك الصليبية فى طرابلس وأنطاكية وكذلك أرمينيا والبندقية وجنوة، واطلعت المملكة بدور سياسى هام فى المشرق خلال اقتتال ورثة صلاح الدين حول اقتسام أراضى وأملاك والدهم، فضلاً عن تحالف مع المغول أواخر أيامها؛ غير أنّ ذلك لم يمنع فى نهاية المطاف سلاطين المماليك الظاهر بيبرس والأشرف خليل من استعادة جميع المعاقل الصليبية الباقية تحت سلطتها، وإزالة المملكة نهائيًا عام 1291.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!