بقلم عبد الله النجار – موطني نيوز
الحكم الإسلامي لا يكون مستبدا
ربما يتطرف بعض الليبراليين فيضعنا في مجال أنظمة الحكم بين خيارين أحلاهما مر إما استبداد باسم الله أو الدين فيكون المخالف كافرًا مرتدًا و إما استبداد باسم الوطن فيكون المخالف خائنا عميلًا.
و لكن هناك بخلاف نظامي الحكم الاستبداديين مجال يتسع لعديد من أنظمة الحكم التي تكفل الحقوق وتحمي الحريات، وربما تكون نظمًا إسلامية أو ليبرالية .
و كما أنه هناك من يستبد باسم الدين فهناك من يستبد باسم الليبرالية فيقصي المخالف ويحرمه من حقوقه.
و أود توضيح أن فكرة الاستبداد باسم الدين والإله ليست فكرة إسلامية؛ بل هي فكرة مسيحية كاثوليكية ترعرعت في العصور الوسطى المظلمة أوروبيًّا حيث استبدت الكنيسة واحتكرت الكلام باسم الله وتسلطت على الشعوب ففرضت الضرائب و أرهبت الحكام والمحكومين .
و من ناحيةٍ أخرى مارس الملوك استبدادهم باسم الله فهم يحكمون باسم الله، وهم خلفاء الله وظله في الأرض ولهذا لا تجوز معارضتهم، وكرد فعل لهذا نشأ المذهب البروتستانتي كما نشأت العلمانية، كرد فعل للتخلص من استبداد الكنيسة واستبداد الملوك، وكلاهما يستخدم اسم الله لتبرير استبداده.
و للأسف حين ينقل البعض الحلول الغربية فأحيانا ينقل حلولًا ممتازة لمشكلة ليست موجودة في بلادنا ولا في ديننا .
فالإسلام لا يعرف الاستبداد باسم الإله، بل هناك نهي من النبي عن الحكم باسم الله وقد نهى النبي (صلى الله عليه وسلم) في الحديث الصحيح أميره بريدة أن ينزل عدوه إذا حاصرهم على حكم الله، وقال: فإنك لا تدري أتصيب حكم الله فيهم أم لا، ولكن أنزلهم على حكمك وحكم أصحابك.(صحيح مسلم)
وعن أُمِّ سَلَمةَ رضي اللَّه عنها: أَنَّ رَسُول اللَّه ﷺ قَالَ: «إِنَّمَا أَنَا بشَرٌ، وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ؛ فأَقْضِي لَهُ بِنحْوِ مَا أَسْمَعُ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بحَقِّ أَخِيهِ فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ».(مُتَّفَقٌ عَلَيهِ)
فرغم أن النبي يوحى إليه فإنه أكد على أصحابه أنه حين يحكم بين المتخاصمين لا يحكم بالوحي، وإنما بما يسمع وقد يصيب وقد يخطى، وهكذا كان النبي في تصرفاته كرئيس أو كقائد للجيش يراجعه أصحابه فلا يجد حرجًا من الرجوع.
كما أن أيًّا من خلفاء النبى صلى الله عليه و سلم لم يدَّع أنه يحكم باسم الله فلا تجوز معارضته و لكن أبا بكر يقول حين بيعته: «إني وليت عليكم و لست بخيركم فإن أحسنت فأعينوني وإن أسأت فقوموني أطيعوني ما أطعت الله فإن عصيته فلا طاعة لي عليكم».
و أتى عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ مشربة بن حارثة فوجد محمد بن مسلمة فقال عمر: كيف تراني يا محمد؟ فقال: أراك والله كما أحب، وكما يُحب من يحب لك الخير، أراك قويًّا على جمع المال، عفيفًا عنه، عادلًا في قسمه، ولو ملت عدلناك كما يعدل السهم في الثقاف، فقال عمر: هاه، فقال: ولو ملت عدلناك كما يعدل السهم في الثقاف، فقال: الحمد لله الذي جعلني في قوم إذا ملت عدلوني ( الزهد لابن المبارك)
ومن هذا: لما كتب الكاتبُ بين يدي أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه – حكمًا حكم به؛ فقال: هذا ما أرى اللَّه أميرَ المؤمنين عمر، فقال: لا تقل هكذا، ولكن قُلْ: هذا ما رأى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب (رواه البيهقي).
فخلفاء النبي لم يدع أحدهم أنه يحكم حكمًا دينيًّا باسم الله و لا نيابة عنه وإنما هم يحكمون بما يرون وقد يخطئون أو يصيبون وواجب الأمة عندما يخطئون أن يصوبوا أخطاءهم .
و التاريخ الإسلامي لم يشهد مؤسسة دينية تشبه الكنيسة في المسيحية وإنما كان علماء المسلمين أفرادًا من المجتمع فمنهم من عمل بالتجارة ومنهم من عمل بيده .
و ربما نشأت في الفكر الشيعي ومخالفة لفكر أهل السنة أفكار عصمة الإمام وأن الأمة لا تختار الإمام وإنما يختاره الله، وبالتالي فالإمام عند الشيعة معصوم ومعين من الله و ينطق ويحكم باسم الله وبالتالي فهو لا يخطئ ولا تجوز معارضته؛ لأن معارضة الإمام هي معارضة لحكم الله الذي ينطق به الإمام.
و إن كانت هذه الفكرة قد تجاوزها الزمن منذ قرون منذ اختفاء الحسن العسكري آخر الأئمة الاثنا عشر، ومازال الشيعة ينتظرون عودته بعد قرون، وربما طور الشيعة ولاية الفقيه كبديل مؤقت لولاية الإمام ونظام الحكم الشيعي في وجود الإمام هو حكم ديني خالص لا يعرفه أهل السنة .
و لكن أهل السنة الذين يمثلون أكثر من ٩٠% من المسلمين لا يؤمنون بالنص على الإمام، وإنما الإمام تختاره الأمة وتحاسبه وتراقبه .
ولهذا فلو وجد من يحكم بالإسلام حقًّا فلا يمكن أن يكون مستبدًا؛ لأن الاستبداد ببساطة يتناقض مع أحكام الإسلام.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن موطني نيوز