الصدمة التي عجلت بوفاة الحسن الثاني وتفكيك اللغز الذي أسال مداد الصحافة العالمية

هشام المنداري

شعيب جمال الدين – موطني نيوز

بعد مرور أربع وعشريين سنة على وفاة الملك الراحل الحسن الثاني رحمه الله، نعيد عجلة الزمن إلى الوراء للنظر في ملف المحتال هشام المنداري و عملية سرقته خمسة أسرار مرتبطة مباشرة برأس الدولة، هذه القضية المعقدة التي أسالت مداد غزيرة و نبش في تفاصيلها و حيثياتها أسماء صحفية أجنبية وازنة بكبريات الصحف العالمية، خصوصا الفرنسية والإسبانية حيث تنوعت أساليب وطرق تحليلاتهم وقراءتهم للحدث لكنها جميعها تختم بطرح إستنتاجات بعيدة عن الحقيقة.

ما إفتقدته تلك الأسماء الثقيلة للوصول إلى خلاصات منطقية ليست حرفية وإحترافية أقلامهم، بل عدم إلمامهم بمعطيات هامة تخص وقائع جرت فصولها بداية الثمانينات.

لكل نظام سياسي حديقته الخلفية حيث أسراره الخاصة جدا التي في الغالب تكون نتاج أحداث إسثتنائية فرضتها ظروف خارجة عن إرادة رأس الدولة، وقعت فصولها في ظرفية زمنية معينة من تاريخ البلاد، مرتبطة بشكل أو بآخر بأمور بعيدة كليا عن السياسة العامة للدولة.

تلك الأسرار الخاصة التي أعتقد أن مكان الإحتفاظ بها كفيل بأن تجعلها محاطة بجدار من الحماية من أي تسريب خارجي أو وصول أيادي غريبة إليها، هكذا تصور الملك الراحل الحسن الثاني وهو يضع أسراره داخل خزانة في غرفة نومه لكن على العموم لم يخونه ذكاءه أبدا في إختيار هذه الفكرة، بل سقط في فخ وضعه ثقة عمياء في محيطه الجد مقرب، من ضمنهم شخصية بارزة متورطة بشكل رئيسي في جزء هام من تلك الأسرار التي تتكون من تقارير وتسجيلات صوتية ومرئية.

عند قيام المغامر هشام المنداري الذي كان يشغل موظف أمن تحت إمرة رئيسه (م.م) بعملية سرقة تلك الأسرار من داخل القصر الملكي بالصخيرات في يونيو 1998 و إكتشاف الحسن الثاني الأمر بالصدفة بعد شهور من حدوثها، حيث إستشاط غاضب، قبل أن يستدعي في الحال وزير داخليته إدريس البصري ويأمره بفتح تحقيق فورا في ملابسات السرقة.

إدريس البصري قام بتكليف المدير العام للمخابرات المدنية بن براهيم (1998/1999) بإجراء أبحاث معمقة حول القضية ورفع تقرير إليه في أقرب وقت ممكن.

في هذه الواقعة بالضبط سيدفع الملك الحسن الثاني وهو في أخر أيامه ثمن بناءه منظومة أمنية داخل هياكل مملكته غير سليمة على المدى البعيد، إيمانا منه أنها الأسلوب الأنجع لشكل نظامه الملكي المبني على سياسة فرق تسود، لكنه لم يخيل له أنه سيكون أحد ضحاياها بدون أن يدرك ذلك.

فمن كلفه بالتحقيق شخصيا في الملف أقصد إدريس البصري وجد نفسه في مواجهة مشتبه به نافذ جدا (م.م) متورط معه في عمليات قذرة ترتبط بعضها بجزء أساسي من تفاصيل تلك الأسرار المسروقة، فكلا الطرفين يمسك على الأخر ملفات و معلومات سرية تدينه أمام الملك.

تطور أجبر وزير الداخليه إدريس البصري على الإكتفاء بالقيام بجولة على متن سيارته من نوع مرسيدس رفقة (م.م) على مستوى نواحي مدينة الرباط، تخلخلتها دردشة حول موضوع السرقة بعيدة كليا عن السين و جيم التي يفترض إجراءها في مثل هذه القضايا الأمنية.

الصدمة التي عجلت بوفاة الحسن الثاني ليست السرقة في حذ ذاتها، بل نوعية المسروق والجرأة على إقتحام غرفة نومه في غيابه وإستغلال وضعه الصحي المنهك في توجيه ضربة غادرة في وقت كان يحتاج فيه إلى الراحة التامة.

الملفات و الوثائق و التسجيلات الصوتية والمرئية التي سرقها هشام المندراي بمساعدة زوجته حياة الفيلالي نجلة محافظ قصر الصخيرات، بعد نجاحها في سرقة المفاتيح في غفلة من فريدة الشرقاوي المسؤولة عن غرف الحسن الثاني في القصر أثناء تواجده في زيارة رسمية لدولة مصر العربية.

الحسن الثاني رحمه الله رفقة ادريس البصري والجنرال الدليمي رحمهما الله

من وجهة نظري الخاصة معرفة طبيعة أسرار الدولة الخمسة التي سرقت، هي مفتاح حل لغز العملية برمتها التي ستسهل بطبيعة الحال تحديد المتهم الرئيسي وراء التخطيط لها، الذي لم يكن عقلها المدبر هشام المندراي بل سوى أداة تم توظيفه للقيام بهذه المهمة، قبل أن ينقلب على ولي نعمته و يستحوذ على الوثائق والملفات الصوتية والمرئية لوحده ثم فراره رفقة زوجته حياة وإبنته رشيدة لخارج المغرب في أكتوبر 1998.

إذا أردنا فهم و إدراك عمق الخلفيات الحقيقية وراء تنفيذ تلك السرقة الهوليودية،فإن سرها يكمن في أمرين لا غير :

الأول : ملابسات ما وقع مساء 25 يناير 1983، قبل مغادرة أحمد الدليمي القصر الملكي وكذلك على مستوى شارع النخل بمدينة مراكش أقصد هنا حادثة السير الغامضة التي ذهب ضحيتها الجنرال القوي أحمد أحمد الدليمي رئيس المخابرات العسكرية و قائد المنطقة الجنوبية في الصحراء المغربية.

الثاني : محتوى المكالمات الوردية التي رصدها العقيد بوعطار المكلف بمراقبة الإتصالات الهاتفية داخل القصر، قام بتسليمها إلى رئيسه الجنرال أحمد الدليمي أواخر عام 1982.

فمن خطط لعملية السرقة، إستشعر قرب رحيل الملك الحسن الثاني فقرر الإستيلاء على وثائق و تقارير و تسجيلات صوتية تورطه وتدينه في إرتكاب أفعال شديدة السرية لم يكن يرغب في وصولها إلى الملك الجديد محمد السادس.

لكن المحتال هشام المنداري إستغل فرصة تواجده في غرفة نوم الملك الراحل، لتمتد يديه كذالك إلى سرقة دفتر شيكات بنكية وضع عليها مبالغ مالية ضخمة بعد تزوير توقيع الملك قبل أن يشرع في سحب الأموال من الأبناك الأوروبية، إضافة إلى إستحواذه على ملفات سرية تخص الحسن الثاني .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!