بين أرضيات الملاعب ومختبرات العلم..هل يمكن للعلم أن ينتزع تاج الانتصار من كرة القدم؟

المصطفى الجوي

المصطفى الجوي – موطني نيوز

الأخوة والأخوات..

لقد طالما كانت كرة القدم هواية تجمع شمل الناس وتقرب بين قلوبهم، وتمنحهم لحظات من الفرح والتشجيع البريء، إلا أن المسابقات الرياضية اليوم لم تعد كما كانت. فقد غدت مجرد تجارة وأداة لتحقيق المكاسب المادية، تستهوي السذج وتستغل عواطف الجماهير من دون أن تقدم لهم سوى الوهم والأحلام الكاذبة.

نعم، ما زلنا نفرح بفوز منتخبنا الوطني، ولكن هل تعدو هذه الفرحة أن تكون مجرد هروب من واقعنا المرير؟ هروب من آلامنا ومعاناتنا.. هروب إلى عالم وهمي من الانتصارات الزائفة؟ كلا.. لا يمكننا الاستمرار هكذا. نحن اليوم بحاجة ماسة إلى انتصارات حقيقية تحررنا من قيود الفقر والجهل والمرض والفساد. انتصارات ترفع من مكانتنا بين الأمم، وتحقق لنا الرفاهية والرخاء اللذين نستحقهما.

ماذا قدمت لنا تلك البطولات والانتصارات الوهمية في ملاعب كرة القدم؟ هل ساهمت في القضاء على الفقر الذي يفتك بسكاننا؟ هل وقفت في وجه الجهل الذي ما زال يغمر أرجاء وطننا؟ بالطبع لا.. بل أصبحت تلك الانتصارات مجرد أفيون يخدر عقول الشعوب، فتنسى همومها وآلامها، وتصبح راضية بحياة الذل والهوان.

أيها الإخوة..أيتها الأخوات..

إننا اليوم بأمس الحاجة إلى انتصارات على أرض الواقع. انتصارات في ميادين العلم والمعرفة والاقتصاد والتنمية. نحن بحاجة إلى علماء يكتشفون عقاقير تشفي من أمراضنا، ومهندسين يبتكرون حلولاً لمشكلاتنا، واقتصاديين يجدون سبلاً ينتشلوننا بها من براثن الفقر. إننا بحاجة إلى إنجازات حقيقية ترفع رؤوسنا عالياً بين الشعوب، وتجعل العالم كله يقف إجلالاً لعبقريتنا وإبداعنا.

أيها الأحبة..صدقوني إن هذا النوع من الانتصارات لن يتحقق إلا إذا أدركنا أولاً موقع الداء، واتخذنا العزم الصادق على الشفاء والتغيير. علينا أولاً أن نقضي على الجهل وسوء التربية وضياع القيم الأخلاقية التي تنخر كياننا. وعلينا أن نحارب الفساد الذي يفسد فينا ويدمر مقدراتنا. كما علينا أن نستثمر في العلوم والمعارف الحديثة، لنصبح قادرين على صناعة أسلحتنا وتوفير غذائنا وإنتاج دوائنا بأنفسنا.

وفوق هذا..علينا أن ُنشعل في نفوس شبابنا روح العزة والكرامة، ونحفزهم على السعي نحو تحقيق طموحاتهم وأحلامهم، فهم ثروتنا الحقيقية وأملنا الوحيد في مستقبل أفضل. إذا استطعنا تهيئة الظروف الملائمة لهم، وأتحنا لهم الفرصة ليبرهنوا على ذكائهم ومواهبهم، فسيحققون ما لم نستطع تحقيقه، ويرفعون رايات النصر في كل ميدان.

أيها السادة..هذا هو الانتصار الحقيقي الذي نصبو إليه..انتصار العقل على الجهل..وانتصار الإرادة على اليأس..إنه انتصار الإنسان على ذاته وعلى ضعفه. وأؤكد لكم أن هذا النصر سيكون حليفنا.

ففي عالم تتغنى فيه الشاشات الرياضية بالنجوم والانجازات الرياضية، قد تكون كرة القدم قد فقدت، في رأي البعض، جزءًا من سحرها. إنها لم تعد تستهوي إلا السذج والمغفلين، والتساؤل الذي يطرح نفسه : هل هي بالفعل مصدر للإلهام والتقدم؟

لا شك أن الرياضة لها دورها إلهام في نقل الروح الرياضية وتعزيز التفاهم بين الشعوب، ولكن هل يمكن أن يكون هناك أولويات أكثر أهمية في عالم يعاني من مشاكل جوهرية؟

في هذا السياق، نجد أنفسنا في حاجة ماسة إلى انتصارات حقيقية تتعلق بالقضايا الأكثر حساسية وتأثيرًا في حياة الإنسان. لا يكفي النظر إلى الانتصارات على الملعب، بل يجب أن نركز على الانتصارات على أرض الحياة اليومية.

في مقدمة هذه الانتصارات، يأتي انتصار العلم والتقدم التكنولوجي. إذا كانت الأمم تتسابق في تطوير الطائرات والفضاء، فهل يمكننا أن نقول إننا فعلاً في طريقنا لتحقيق انتصار حقيقي؟

لنتفحص القضايا الحيوية التي تحتاج إلى انتصارات أكثر من أي وقت مضى. من الواضح أن الجوانب الاقتصادية والاجتماعية تعاني من الكثير من التحديات. الفقر والجهل والمرض وسوء التربية والفساد يشكلون جدارًا يحجب الطريق نحو حياة أفضل.

إن انتصارات اليوم يجب أن تكون على صعيد البحث العلمي والابتكار. في علم الطب، يمكن أن تكون الأمراض الفتاكة قد وجدت العلاجات واللقاحات الفعالة. في ميدان الفلك، قد نحقق اكتشافات تغير من فهمنا للكون والحياة. في الهندسة والكيمياء، يمكن أن تكون التقنيات الجديدة هي المفتاح للتنمية المستدامة.

لا يعني ذلك التخلي عن الرياضة، ولكن الفكرة هي إعادة التوجيه للانتصارات والانجازات نحو الميدان الأكثر إلحاحًا. قد يكون ذلك تحولًا ضروريًا لتحقيق التنمية الشاملة والتقدم الحقيقي.

هناك أيضا حاجة ماسة إلى انتصارات في مجالات مثل الزراعة والبيئة. تأمين الغذاء والمياه يعتبر تحديًا كبيرًا في العديد من الأماكن حول العالم. كيف يمكننا أن نحقق الاكتفاء الذاتي ونضمن الاستدامة في استخدام الموارد الطبيعية؟

إن تحقيق هذه الانتصارات يتطلب توجيه الاهتمام والموارد نحو الأولويات الحقيقية. قد يكون هذا التحول ضروريًا لضمان استدامة الحياة على هذا الوطن.

ولكن هل هناك فعلاً إمكانية لتحقيق هذه الانتصارات؟ هل يمكن للانتصارات العلمية أن تحل محل اهتمام الناس بكرة القدم والرياضة؟ يبدو أن الإجابة تكمن في تحقيق التوازن بين الفعاليات الرياضية والترفيهية وبين الجهود الجادة لتحقيق التقدم العلمي والاقتصادي.

ولنكن واقعيين، إن تحويل اهتمامات المجتمع ليس أمرًا سهلاً. بل يتطلب الأمر جهدًا كبيرًا لتغيير الأفكار والأولويات التي اعتاد عليها الناس. فقد تكون هناك مقاومة من جانب الجماهير التي اعتادت على الاحتفال بانتصارات الرياضة، وهو ما يتطلب حملات توعية وتثقيف قوية.

إخوتي وأخواتي..

إن هذه الانتصارات التي نتطلع إليها ليست بعيدة المنال، بل هي في متناول أيدينا إذا آمنا بأنفسنا وعزمنا على النهوض من كبوتنا. صدقوني.. إن بذور النصر موجودة في كل واحد منكم.. في عقولكم النيرة، وقلوبكم الطاهرة، وإرادتكم الصلبة.

فهيا بنا نسقي هذه البذور بماء الأمل، ونرعاها بنسيم التفاؤل، لتنبت وتثمر غداً شجرة طيبة، تظللنا بظلها الوارف، وتغذينا بثمارها اليانعة. تعالوا نتعانق جميعًا حولها.. نتكاتف ونتآزر.. نعمل بإخلاص من أجل رفعتها وازدهارها. وأقسم لكم بالله العظيم.. لن تذهب جهودنا سدى، وسنجني ثمار هذه الشجرة المباركة، ولو بعد حين.

وحينها..سننعم جميعًا بظلال العزة والسؤدد، ونتذوق طعم النصر الحقيقي الذي طالما اشتهيناه.

فلنبدأ الرحلة معًا.. من الآن.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!