سعيد الزيدي والصراع من أجل العدالة

عائلة آل الزيدي

المصطفى الجوي – موطني نيوز

كان الصمت يخيم على قاعة المحكمة والتوتر يرتسم على وجوه الحضور، في انتظار القرار الذي سيحدد مصير النائب سعيد الزيدي. لم يكن الزيدي يتوقع أن يجد نفسه في هذا المأزق عندما انطلق يومه كالمعتاد ذلك الصباح.

فقبل أشهر كان الزيدي أحد أبرز أعضاء البرلمان، يدافع بحماسة عن قضايا مناصريه، غير مدركاً للمؤامرات التي تحاك ضده في الخفاء.

وفي صباح السابع من شهر أكتوبر 2021، ذلك اليوم المشؤوم، أوقفته قوة من الفرقة الوطنية للشرطة القضائية بالشارع العام متكبدتا عناء السفر من الدار البيضاء وحتى العاصمة الرباط. وقادته إلى السجن بتهم ملفقة. حاول الزيدي الاحتجاج ببراءته بطريقة حضارية، لكن تبريراته سقطت في آذان صماء. لأن ساعة الصفر قد دقت والأمر خرج عن السيطرة، فالسيد الوكيل العام بإستئنافية الدار البيضاء قرر إعتقال النائب سعيد الزيدي في وسط الرباط وهو على علم بأنه خارج نفوذه الترابي ودون أي تنسيق مع الجهزة القضائي و الامنية هناك. 

أمضى أشهراً في السجن، منعزلاً عن العالم الخارجي. وصدم عندما علم أنه تم عزله من منصبه كرئيس لجماعة شراط دون محاكمة عادلة. لم يكن يصدق أن العدالة ستخذله بهذه الطريقة.

وفي يوم الحكم، وقف مكبل اليدين، قويا وصامدا يبتسم وهو يراقب القاضي وهو يتلو الحكم بسجنه لمدة سنة. شعر بالأرض تنهار تحت قدميه. كيف حدث كل هذا؟ ولماذا أنا تحديدا وهناك العديد من مختلسي المال العام و الخونة و المرتشين طلقاء؟ لماذا يتم إستهداف عائلة الزيدي رغم عطائها الكثير لهذا الوطن؟ هل بات المخزن يجلد أبنائه؟ فقد قالها جبران خليل جبران : “فسارقُ الزهر مذمومٌ و محتقرٌ و سارق الحقل يُدعى الباسلُ الخطر و قاتلُ الجسمِ مقتولٌ بفعلتهِ و قاتلُ الروحِ لا تدري بهِ البشرُ .

خرج الزيدي من قاعة المحكمة وهو يردد : “انتهى كل شيء”. لكن عزيمته عادت إليه مجدداً، متعهداً بأن يواصل نضاله من أجل الحقيقة والعدالة، مهما كلف الثمن. فهذه كانت معركته من أجل شرفه وكرامته، رغم أن من تكالب عليه للإيقاع به كانوا حكماء في التخطيط الإجرامي بإمتياز ونجحوا في إزالة خصم لا يشق له غبار.

وعلى الرغم من كل المحن والشدائد، ظلت شعلة الأمل مضاءة في قلب الزيدي. فالبطل لا يهزم أبداً ما دامت إرادته صلبة في مواجهة الظلم رغم ظلم العدالة له. وكان مصمماً على مواصلة نضاله حتى تتحقق العدالة. فالنائب البرلماني كله ثقة بأن الحق يعلو و لا يعلى عليه.

عاد الزيدي إلى منزله بعد إنقضاء محكوميته وهو يشعر بالإحباط، لكنه عزم على عدم الاستسلام. اتصل بمحاميه وطلب منه استئناف الحكم أمام المحكمة.

قبل المحامي، قائلاً رغم أن هناك مافيا تلاحقه والأدلة ضده كبيرة والإستئناف محفوف بالمخاطر. لكن الزيدي أصر على متابعة القضية لأنه على يقين تام بأن هناك أكثر من شخص يقف وراء إعتقاله والزج به ظلما بعدما فبركوا وأعدوا سيناريو للقضاء عليه وإلى الأبد. لم يكن مستعدًا للتخلي عن حلمه وطموحات مؤيديه.

لم تنطلق الى حدود الساعة جلسات الاستئناف الطويلة والمضنية. والتي سيحاول الزيدي جاهدًا إثبات براءته، لكن القضاة بدوا متحيزين ضده.

مرة أخرى يفاجأ النائب البرلماني سعيد الزيدي بعد عزله من رئاسة الجماعة وسجنه لمدة سنة بملف مفرك. بأنه توصل بمراسلة من جهة حكومية تطالبه بالتوقف عن مزاولة مهامه كمستشار جماعي بنفس الجماعة. ليتم مرة أخرى إحالة ملفه على المحكمة الادارية بالدار البيضاء، شيء طبيعي فالثور لم يسقط ولم يجثو على ركبتيه رغم كثرة السكاكين وقوة الجزارين القتلة. لكنه استجمع قواه وقرر اللجوء لمحكمة الاستئناف الادارية بالرباط عله يجد شيء من العدل المفقود في زماننا. رفض الجميع مساعدته، واتهموه بالجنون لمتابعة قضية خاسرة. لكنه لم ولن يستسلم.

جاء يوم الحقيقة. قرار محكمة الاستئناف يؤيد ما تنص عليه المحكمة الابتدائية وبصفة قطعية، لم يتزحزح من مكانه ولم يتفاجأ فهو على علم بأن المافيا لا تزال تلاحقه. بل كان ترقب الجميع بقلق.

لم تتحقق العدالة. آمن سعيد دائمًا ببراءته ولم يتخلَ عن أمله. انتصر الحق “الله”! بأن رأى خصومه ومن كادوا له يسقطون تباعا أو كما يقول المغاربة “باش قتلتي باش تموت يا ملاك الموت”. 

خرج وسط تصفيق الجماهير ومحبيه وعائلته وكل من يحترمه ويعرفه جيدا أنه إنسان مسالم وطيب القلب ولم يسبق له أن تسبب في الادى لأي كان. كانت لحظة مجيدة. عانى الأمرين لكنه لم يستسلم. ظل مناضلاً حتى النهاية. انتصار للعدالة والحقيقة الإلهية.

وما أن إستقرت نفسيته وبات يمارسه أنشطته الاجتماعية و السياسية بشكل عادي بعد مرور سنتين. حتى فوجأ يوم الأربعاء 03 يناير 2024 بقرار صادر عن المحكمة الدستورية التي تعتبر أعلى هيئة قضائية في المغرب وهي من تصحح القوانين. تصرح من خلاله بالعبارة التالية باسم جلالة الملك وطبقا للقانون..لهذه الأسباب:

أولا- تصرح بتجريد السيد سعيد الزيدي من صفة عضو بمجلس النواب، مع إجراء انتخابات جزئية لشغل المقعد الشاغر بالدائرة الانتخابية المحلية “بنسليمان” (إقليم بنسليمان) تطبيقا لأحكام المادة 91 من القانون التنظيمي المتعلق بمجلس النواب.

ثانيا- تأمر بتبليغ نسخة من قرارها هذا إلى كل من السيد رئيس الحكومة والسيد رئيس مجلس النواب والطرف المعني، وبنشره في الجريدة الرسمية.” معتمدتا على مستندات غير صحيحة وهو ما اعتبره العديد من رجال قضاء خطأ جسيما سقطت فيه المحكمة الدستورية، التي أعلنت بتاريخ 03 يناير 2024. أن النائب البرلماني قد تم تبليغه بتاريخ 27 ابريل 2023، في حين أن كل الوثائق القضائية تكذب هذا الطرح وبأن الحقيقة هو أن النائب سعيد الزيدي لم يبلغ الا بعد يوم من قرار المحكمة الدستورية والذي هو 04 يناير 2024. ولم ينتهي قرار أعلى محكمة في دولة الحق و القانون عند هذا الحد بل صرحت في قرار رقـم: 222/24 و.ب، بمايلي “حيث إن المادة السادسة من القانون التنظيمي المذكور، تنص في بندها الثاني على أنه لا يؤهل للترشح للعضوية في مجلس النواب: “الأشخاص الذين صدر في حقهم قرار عزل مـن مسؤولية انتـدابية أصبح نهائـيا بمـقتضى حكـم مكتسـب لقـوة الـشيء المقـضي به، فـي حالة الطـعن في القرار الـمذكور، أو بسبب انصرام أجل الطعن في قرار العزل دون الطعن فيه”. في حين أن الحقيقة تكذب كذلك كل هذه الافتراءات بالدليل القاطع وهو أن النائب البرلماني سعيد الزيدي تقدم كذلك بتاريخ 4 يناير 2024، بعريضة من أجل الطعن بالنقض في قرار محكمة الاستئناف الإدارية بالرباط، القاضي بعزله من عضوية جماعة الشراط، ضد الدولة المغربية في شخص رئيس الحكومة وضد عامل إقليم بنسليمان والوكيل القضائي للمملكة بمكتبه بالرباط.

وهناك قاعدة شرعية يجب الالتزام بها تقول “كل ما بني على باطل فهو باطل”، وبالتالي فقد كشفت هذه القضية عن العديد من الممارسات غير القانونية والمثيرة للجدل التي استُخدمت للإيقاع بسعيد الزيدي من ألفها إلى يائها.

فقد تبين أن اعتقاله بتاريخ 07 اكتوبر 2021 ومحاكمته الأولى كانا غير عادلين ومبنيين على أدلة مفبركة واتهامات كيدية. كما تم عزله من منصبه من رئاسة الجماعة تم من عضويتها دون أساس قانوني، في انتهاك صارخ للإجراءات القانونية.

ولكن الصدمة الكبرى كانت في قرار المحكمة الدستورية بتاريخ 03 يناير 2024 القاضي بتجريده من عضوية البرلمان استنادًا إلى وثائق غير صحيحة أو ملفقة لأننا نجهل الحقيقة، ودون إتاحة الفرصة له للدفاع عن نفسه أو حتى تبليغه، في سابقة خطيرة تنال من استقلال القضاء ونزاهته.

لقد كشفت محنة سعيد الزيدي منذ 07 أكتوبر 2021 وحتى 03 يناير 2024 عن ثغرات خطيرة في النظام القانوني بأكمله، تتيح المجال للإجحاف بحقوق المواطنين والمساس بكرامتهم من أجل مصالح ضيقة تقف خلفها عصابة ومافيا سياسية تريد أقبار إسم آل الزيدي من القائمة السياسية، لكن هذا الطرح لن يتسنى لهم فإسم آل الزيدي ضاربا في الجذور وكما سبق وقلت في بداية هذه القصة فالثور القوي لن يسقط ولن يجثو على ركبتيه.

ورغم انتصاره الشخصي ومساندة عائلته وأحبائه له، إلا أن قضيته شكلت ناقوس خطر لضرورة إصلاح النظام القضائي ليكفل العدالة الحقيقية للجميع. وهو نضال مازال مستمراً و لا أعتقد أن سعيد الزيدي خلق من رحم منصب النائب البرلماني بل هو من أوجد هذا المنصب وسيخلق ما هو أفضل منه وأحسن…تحياتي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!