شعيب جمال الدين – موطني نيوز
لا تقاس قوة أي جهاز إستخبارتي في العالم بأقدميته ولا بتاريخه العريق و لا بإمكانياته المالية و التكنولوجية و التقنية والبشرية ولا بإتساع نشاطه ونفوذه الإستخباراتي عبر ربوع العالم، بل بأمر واحد هو مدى قدرته على الحفاظ على فعالية يقظته الأمنية بشكل مستمر و بدون إنقطاع، وتماسك وصلابة جداره الأمني في حماية صندوق معلوماته السرية للغاية من أي إختراق خارجي، فأي خطأ قاتل في هذا الجانب يمكنه أن يضع تاريخ كامل من نجاحات الجهاز على المحك الصعب.
هناك مثل صيني يقول تبدأ خسارة حربك عندما تبوح بسرك، وأنا من جهتي أقول تبدأ خسارة حربك عندما يكتشف عدوك نقط ضعفك، ففي عالم الإستخبارات هناك أخطاء لا تغتفر ولا يمكن التسامح معها وفي الغالب حدوثها لا يتحمل مسؤوليتها رئيس المخابرات لوحده بل يكون أحيانا بسبب وجود خلل أو ضعف في عملية التنسيق بين باقي الأجهزة، وهذا بالظبط ما وقع في فخه مجتمع الإستخبارات الإسرائيلي ودفع ثمنه غاليا في حرب قطاع غزة.
ثلاثة وعشرين سنة من الإعتقال في السجون الإسرائيلية، لم تعلم القائد السياسي و العسكري يحيى إبراهيم السنوار اللغة العبرية وكيفية يفكر المواطن الإسرائيلي فقط، بل إضافة لكل هذا أكسبته مهارات ذاتية في إستكشاف ومعرفة طرق عمل الأجهزة الأمنية، بفضل إحتكاكه معهم خلال اللقاءات العديدة التي جمعته مع المسؤوليين بجهاز الموساد و الأمن الداخلي الشاباك، بعضها كان الهدف منها محاولة تجنيده وأغلبها من أجل تلبية مطالب إجتجاجية تتعلق بظروف سجنه.
أثناء إنهماكه في إعداد أخر ترتيبات هجوم السابع من أكتوبر المباغت على منطقة غلاف غزة، يبدو أن السنوار إستحضر قصة إنشاءه أول جهاز أمني متخصص في مطاردة وإصطياد المخبريين والجواسيس داخل فلسطين أواخر الثمانينيات من القرن الماضي بالضبط عام 1989.
توزعت المهام و الأدوار على المئات من رجال كتائب عزالدين القسام الجناح العسكري لحركة حماس التي قادت هجوم السابع من أكتوبر و يرأسها في الواجهة محمد الضيف و أحمد الجعبري، لكن يظل يحيى السنوار المشرف العام على التنظيم العسكري، تم تحديد مهمة كل مجموعة أثناء إختراق غلاف قطاع غزة جنوبي إسرائيل والحديث بإسهاب في هذه النقطة طويل يجمع بين العامل العسكري والميداني واللوجستي.
لكن تظل أخطر فكرة جهنمية جالت برأس يحيى السنوار بعد خطة إعتقال عشرات الأسرى الإسرائيليين، هو حرصه على رجال كتائب عزالدين القسام التي كلفت بإقتحام نقط محددة مثل الثكنات العسكرية ومراكز الشرطة المحلية بالمستوطنات بمنطقة عسقلان شمال شرقي غزة،هي ضرورة الإستيلاء على أجهزة السيرفر (SERVER) وأسر القائم عليها، ويكمن السر في هذا الطلب الغريب شيئاً ما هو علم السنوار بإحتواء وحدة تخزين البيانات الشخصية داخل جهاز السيرفر على أسماء وعناوين وأرقام هواتف الجواسيس و العملاء الفلسطينيين الذين يعملون لحساب الإستخبارات الإسرائيلية.
السبب الخفي وراء أسر الظابط المكلف بجهاز السيرفر هو أنه الوحيد الذي يتوفر على مفتاح المرور لوحدة تخزين البيانات (الشفرة السرية) عموما فقد كانت ضربة قاصمة للإستخبارات تل أبيب، جردتها من أهم أسلحتها البشرية و المعلوماتية في تتبع ومعرفة أماكن إختباء قادة الصف الأول و الثاني لحماس في غزة وباقي مناطق فلسطين و يتحمل مسؤولية إرتكاب هذا الخطأ الفادح كل من جهاز الموساد و الشاباك اللذان وضع معطيات حساسة تخص عملائهم على وحدات تخزين أجهزة سيرفر بمكاتب الثكنات العسكرية، في حين من المفروض أن هذه الملفات السرية يجب أن تكون بقسم الإستعلام بالمقر الرئيسي للمخابرات الإسرائيلية.