المصطفى الجوي – موطني نيوز
في القلب مدينة الدار البيضاء، يشرق مركز محمد السادس لعلاج السرطان كنقطة منيرة تحمل في طياتها الأمل والرعاية. كانت زياراتي المتكررة لهذا المركز هي رحلة مليئة بالعواطف والتأمل رغم جهلي بها سابقا، حيث كنت أشهد على قوة الإرادة والصمود في وجه المرض الصامت “السرطان”.
تختلف قصص المرضى وجهات نظرهم، لكن الجميع يتشارك في شيء واحد هو صمتهم، في هذا العالم الذي يبدو مليئًا بالحياة الطبيعية من حولهم. لكن كلما دخلت أروقة المركز، شعرت بأجواء من الألم والأمل تتداخل في مكان واحد، مكان يعيش فيه الناس حياتهم بكل شجاعة وكرامة رغم التحديات.
كنت دائمًا أرى الأطباء والممرضين يبذلون قصارى جهدهم لتقديم الرعاية الأمثل، لكن أطباء وممرضي مركز محمد السادس لعلاج السرطان حالة إستثنائية في التعامل مع المرضى. ومع ذلك، لاحظت أن الكثيرون من المرضى يختبئون وراء وجوههم الهادئة، يتحملون عبء الألم والشفاء في صمت. كانوا يعبرون عن مشاعرهم من خلال الابتسامة التي تختلط فيها الألم والأمل، محاولين تخفيف العبء الذي يثقل كاهلهم فقاتلهم الخفي يفرض عليهم التعامل معه والتعايش مكرهين والا سيكون الهلاك نهايتهم.
في إحدى الزيارات، التقيت بسيدة تُدعى فاطمة، كانت تقاسمت قصتها معي بكل صدق كانت في أمس الحاجة لمن تفرغ عليه قلبها المثقل و المتخن بالجروح. كانت تعيش وحيدة، فعائلتها تخلت عنها بسبب صعوبات الحياة. تعاني فاطمة ليس فقط من جسدها المرهق بل من انعزالها ووحدتها وبمعنى أصح مريضة وحزينة. وعلى الرغم من العلاج الذي تتلقاه والرعاية الفائقة بالمركز، إلا أن الأمور كانت تزداد تعقيدًا لها نفسيًا.
ففي كل زيارة، كنت أشهد على العديد من القلوب التي تنبض بالألم والفقدان، لكن الأمر الأكثر إلحاحًا كان كيف يعاني بعض المرضى من الوحدة والاكتئاب بسبب الغياب الجسدي والعاطفي لأحبائهم. كانوا ينتظرون الدعم الذي يحتاجونه، سواء كان ذلك بشكل مادي أو معنوي. للأسف، بعضهم انتهى به الأمر في عزلة، حيث يعيشون وحدتهم بعيدًا عن العائلة والأحباء.
تعلمت من تلك الزيارات أن القتال ضد السرطان لا يقتصر فقط على مواجهة الجسد، بل يتطلب أيضًا تواجدًا حقيقيًا ودعمًا متواصلًا من قبل الأحباء، فالسيدة التي إشتكت اليوم لجارتها ما تعانيه من ألم و تدمر وأنا استرق السمع، للأسف الشديد إبنها يعيش في بحبوحة و لا يعلم إطلاقا بمرض أمه بالسرطان. في عالم يتنافس فيه الوقت مع الحياة والموت، ليصبح الحضور الإنساني أمرًا ضروريًا. تمنيت لو انني اعرف ابنها لتصلت به لأخبره أن أمه قاب قوسين أو أدنى من حفرة القبر وهو في غفلة. بل أثر في كثيرا عندما طلبت والحت على جارتها الا تخبر إبنها وأن تدعه يعيش السعادة رفقة اسرته. إنها لأم يا سادة، الشمعة التي تحترق لتنير حياة أطفالها ولا يعيشون في الظلمة.
في نهاية كل زيارة، كنت أترك المركز بقلب ينبض بالتأمل والشكر. شعرت بالامتنان لكل من يقف إلى جانب مرضى السرطان، سواء كانوا من الأطباء والممرضين أو من الأسر والأصدقاء. زيارتي المتكررة لمركز محمد السادس لعلاج السرطان لن تُنسى أبدًا، فقد أعطتني دروسًا في القوة والتحمل، وفهمًا أعمق لقيمة الدعم الإنساني في أوقات الضعف.
حملت تلك الزيارات العديد من الدروس، ولكن كانت هناك قصة خاصة أثرت في قلبي بشكل خاص. خلال إحدى الأيام وأنا أنتظر من كنت برفقتهم، قررت الجلوس مع مريم، امرأة شابة تحارب السرطان بشجاعة. كانت عيناها تحكي قصة الألم والتحدي، وكلما فتحت فمها للحديث، كانت كلماتها تنبع من قلب مليء بالأمل.
مريم كانت تعيش بمفردها، ولكنها كانت تتحلى بروح قوية ومضحكة. حكت لي قصة حياتها وكيف غابت عنها الدعم العائلي. ومع ذلك، كانت تشكر الله على كل يوم تعيشه وعلى الفرصة لتجاوز هذا التحدي. كانت مريم تتحدث عن مرارة اللحظة ولكن بنفس الوقت كانت تنظر إلى المستقبل بعيون مليئة بالأمل.
خلال تلك اللحظة، شعرت بقوة قصص المرضى الذين يكمنون في صمتهم. إنهم يحاربون لاحتضان الحياة بكل ما فيها، حتى وإن كانت الظروف تخيم عليهم بالظلام. بينما كنت أجلس هناك، شعرت بمسؤولية أكبر نحو دعم مرضى السرطان، لأنهم بحاجة إلى أكثر من العلاج الطبي. يحتاجون إلى الحنان والاهتمام، وهم يسعون لتجاوز التحديات بروح قوية وإرادة لا تلين.
عندما غادرت المركز في ذلك اليوم، كنت محملا بالعديد من الأفكار والعواطف. قررت أن أكون جزءًا من الدعم الإنساني، حتى وإن كان ذلك بالمشاركة في الحملات التطوعية أو ببساطة بتقديم الدعم العاطفي للأصدقاء والعائلة الذين يواجهون هذا التحدي.
زياراتي لمركز محمد السادس لعلاج السرطان لم تكن مجرد رؤية للأمراض والعلاجات، بل كانت تجربة تعلمت منها الكثير عن قوة الروح البشرية في مواجهة الصعاب. وفي كل زيارة جديدة، أعيد تقدير قيمة الحياة والتواصل الإنساني، وأؤكد لنفسي أن كل دعم صغير يمكن أن يكون له تأثير كبير على حياة الآخرين، خاصةً في اللحظات الصعبة.
فبينما كنت أتأمل في تأثير زياراتي لمركز محمد السادس لعلاج السرطان، أدركت بشكل لا يمكن إنكاره دوراً هاماً يقوم به القطاع الصحي وبخاصة وزارة الصحة في توفير الرعاية اللازمة لمرضى السرطان. مع الشكر والتقدير لمعالي الوزير وفريقه القيادي في الجهود المبذولة في تطوير وتحسين خدمات العلاج والدعم لا تقدر بثمن.
تتألف هذه الجهود من فريق عمل متخصص يضم أطباءً وممرضين وموظفين إداريين، يعملون بتناغم لتقديم الرعاية الشاملة للمرضى. مهمتهم لا تقتصر على توفير العلاج الطبي فقط، بل تمتد إلى توفير دعم نفسي واجتماعي للمرضى وأسرهم، مما يعكس الالتزام الكامل بفهم الجانب الإنساني لمعاناة مرض السرطان.
وفي هذا السياق، يلعب معالي الوزير الصحة “خالد آيت الطالب” دوراً بارزاً في توجيه السياسات الصحية وضمان توفير الموارد اللازمة لتقديم الخدمات بكفاءة. بل ويظهر تفانيه واهتمامه الشخصي في تحسين الوضع الصحي للمواطنين، وذلك من خلال متابعته المستمرة لسير العمل في المستشفيات والمراكز الطبية.
كما لا يمكن تجاهل دور السيد مدير الديوان “هشام رحيل”، الذي يلعب دورًا حيويًا في تسيير وتنظيم الأمور الإدارية والإشراف على تطوير الخدمات. كما يشكل الفريق القيادي، بما في ذلك العاملين الذين يسهمون بجهودهم اليومية كالسيدة “نجوى”، نسيجًا متكاملاً يعمل بتناغم لتحقيق رؤية الرعاية الشاملة والفعّالة.
ومع كل تلك الجهود المبذولة، يبقى التحدي قائمًا، خاصةً في مساعدة الأفراد الذين يعانون من الوحدة والفقدان. ويأتي هنا دور المجتمع والجهات الخيرية في تقديم الدعم المادي والمعنوي لتلك الأسر، حيث يمكن للتعاون بين القطاع الحكومي والمجتمع المدني أن يخلق شبكة قوية من الرعاية والدعم.
إن هذا المشهد الذي يجمع بين جهود وزارة الصحة وتفاني القيادة والفريق الطبي، بالإضافة إلى الدور المحوري للمجتمع، يشكل صورة مؤثرة للروح الإنسانية والتكاتف في مواجهة التحديات الكبيرة.
إضافة إلى مركز محمد السادس لعلاج السرطان، يبرز “بستان الشفاء للصغار” مستشفى الأطفال عبد الرحيم الهروشي كملاذ آخر للأمل والشفاء في قلب الدار البيضاء. يترأس هذا المستشفى البروفيسور “السالمي”، رمزًا للحكمة والتفاني في خدمة الأطفال المرضى. بالاضافة إلى رئيس قسم الولادة، البروفيسور “محمد جلال”، اللذين يقدمان نموذجًا للتواضع والتفاني في مجال الرعاية الصحية.
حيث تُظهر السياسة الحكيمة للبروفيسور “السالمي” تفهمًا عميقًا لاحتياجات الأطفال المرضى وعائلاتهم. يسعى المستشفى من خلالها إلى توفير بيئة آمنة ومحبة تساعد على تخفيف معاناة الأطفال وتشجيعهم على مواصلة القتال. البروفيسور “السالمي” لا يقتصر دوره على الجانب الإداري فقط، بل يشكل قدوة حية للفريق الطبي والموظفين، مظهرًا للقيادة الفعّالة والمتواصلة.
أما في قسم الولادة، يقدم البروفيسور “محمد جلال” رعاية طبية لا مثيل لها. يتميز بالتواضع والتفاني في العمل، مما يجعله محط إعجاب الزملاء والمرضى على حد سواء. يقوم بجهود جبارة لضمان ولادة آمنة وصحية للأمهات والأطفال، ويكرس جهوده لتوفير الدعم اللازم للعائلات في هذه اللحظات الحاسمة.
فالمجتمع الطبي في مستشفى الأطفال عبد الرحيم الهروشي يعكس تكاملًا وتعاونًا فعّالًا، مع الوعد بتحسين الرعاية الصحية وتوفير الراحة والدعم للأطفال وأسرهم. ليظل البروفيسور “السالمي” والبروفيسور “محمد جلال” نموذجًا حيًا للإنسانية والتفاني في خدمة الصغار، مما يجعل مستشفى الأطفال عبد الرحيم الهروشي مركزًا رائدًا للرعاية الطبية في المغرب.