شعيب جمال الدين – موطني نيوز
أنظار الشعوب مركزة على ما يحدث داخل غزة، و عيون قادة الدول مهتمة بما يقع وراء غزة، وسائل الإعلام تغطي مشاهد سقوط الشهداء و الجرحى وتنقل صور الدمار ، والإستخبارات العالمية تراقب و توثق تحركات الفاعلين الكبار داخل رقعة لعبة الشطرنج ،خلف تصريحات الإدانة والتنديد الغاضبة، هناك في الغرف المظلمة تجرى تفاهمات وإتفاقيات سرية.
فلا يمكن ذكر التنين الصيني إلا وتربطه بالمصالح الإقتصادية ولا يمكن ذكر تركيا إلا وتضع جانبها البرغماتية و الأصولية في أبشع صورها ولا يمكن ذكر إيران إلا وتلصق بها صفات الغدر و الضرب من تحت الحزام ولا يمكن ذكر المملكة السعودية إلا و تجمعها برؤية 2030 هاجس ولي العهد محمد بن سلمان ولا يمكن ذكر مصر إلا ويجب الإشارة إلى الأموال ولا شئ غير الأموال إنها نقطة ضعف عبد الفتاح السيسي.
صقور الدولة العميقة في أمريكا إستدعوا على عجل الرئيس الصيني شين جيغ بينغ تحت غطاء المشاركة في قمة التعاون الإقتصادي للأسيا والمحيط الهادي في سان فرانسيسكو التي تبدو ثانوية تخفي وراءها القمة الحقيقية بين رئيسي قوتيين متناحرتيين، متنافستيين بقوة بشأن الصراعات السياسية و الإقتصادية والعسكرية و التكنولوجية.
أمريكا إقتنعت أنها لن تستطع أبدا خوض الصراع في منطقة الشرق الأوسط والشرق المتوسط ضد دولتين متحالفتين من حجم روسيا والصين، لهذا إرتأت عزل أو تهميش روسيا عبر تحييد الطرف الصيني من خلال تقديم إليها مجموعة من الإمتيازات المغرية تبدأ بإعادة الإتصالات والتعاون العسكريين بين الجيش الأمريكي و الصيني و السماح للصين بإستخدام الذكاء الاصطناعي في مجال الأسلحة النووية.
تخفيف القيود على الشرائح الإلكترونية التي تقف أمريكا وراء التضييق على تداولها في دول أوروبا ،رفع العقوبات الأمريكية التجارية على شركة هواوي للإتصالات وإلكترونيات.
بخصوص تركيا فإن برلمانها يستعد خلال الأيام المقبلة لتمرير موافقته على إنضمام السويد إلى حلف الناتو مقابل مناقشة مجلس الإتحاد الأوروبي مقترح إنضمام تركيا له بدعم خفي من أمريكا شريطة عدم تدخل رجب أردوغان في مواضيع و ملفات تتعلق بالشرق المتوسط و قضية إعداد خريطة جديدة لقطاع غزة لمرحلة ما بعد ” القضاء” على حماس.
الوضع في إيران واضح و شديد الإختصار بناءا على تفاهمات تشير إلى إتخاد طهران موقف حيادي من دعم حركة حماس وباقي الفصائل الفلسطينية في حربهم ضد إسرائيل صدرت تعليمات أمريكية صارمة إلى العراق بالإفراج عن مستحقات إيران لديها تبلغ 10 مليارات دولار.
المملكة السعودية رهينة مصالح حيوية تقيدها في إجراء أي تدخل كيفما كان نوعه بخصوص حرب غزة فهي حاليا تعمل بنصائح جماعات الضغط الأمريكية التي تعمل لحساب الرياض في واشنطن بضرورة آخذ مسافة من تطورات ملف غزة إذا أردت تحقيق مصالحها الجيوإستراتيجي المرتبطة بشكل كبير بشعار ” السعودية رؤية 2030 “.
تل أبيب و واشنطن إشترط عدم عرقلة إنشاء مشروع نيوم وهي مدينة ذكية سياحية تكنولوجية مستقبلية تقع شمال غرب السعودية على مساحة تبلغ 26 ألف متر مربع تمتد على الساحل البحر الأحمر بطول 450 كيلومتر مربع ستصل إلى خليج عقبة مضيق تيران الذي 10٪ من البضائع التجارية في العالم تمر منها وبالتالي ستصبح مستقبلا مدينة النيوم ممر تجاري دولي بري يربط بين السعودية و أسيا وإفريقيا.
إسرائيل و أمريكا يدعمون المشروع بقوة ولديهم إستثمارات ضخمة فهناك حضور مكثف للشركات الأمنية والإقتصادية و التجارية ،فالرياض تحتاج إلى الخبرة التكنولوجية الصناعية المتوفرة لدى إسرائيل من أجل بناء مدينة نيوم، لهذا عقدت عدد من الصفقات مع تل أبيب قبل هجوم 7 أكتوبر في قطاع غزة للإشارة فإن جميع أدوات الأمن السيبراني في السعودية تم إقتناءها من شركات إسرائيلية خاصة.
في ظل الوضع الداخلي الإقتصادي المصري المتردي و حجم الديون الخارجية التي وصلت نسبة 500 مليار دولار، وتفاقم أزمة حقوق الإنسان فإن أوراق الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ضعيفة جدا على طاولة التفاوض مع القوى العظمى حول ملف تداعيات حرب غزة على مصالح مصر، لهذا السبب بإيعاز من أمريكا تحركت فرنسا وألمانيا من داخل مقر الإتحاد الأوروبي من أجل دعم مصر بمبلغ 10 مليارات دولار، حيث من المرتقب أن تزور مصر رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين للتوقيع على الصفقة تحت غطاء عقد شراكة لدعم التنمية الإقتصادية في مصر.
دون نسيان أن الإجتماع الأخير في القاهرة بين وليام بيرنز مدير السي آي إيه و عبد الفتاح السيسي بحضور عباس كامل رئيس المخابرات العامة المصرية تطرق إلى إشكالية التخفيف من أعباء الديون الخارجية المصرية المرعبة التي تشكل قلق وثقل كبير فوق ظهر نظام السيسي.
على ضوء ماذكرته أعلاه يطرح السؤال الجوهري أين موقع حركة حماس من تحركات هذه الدول التي إستغلت تداعيات هجوم 7 أكتوبر للبحث عن تحقيق أهداف إستراتيجية تخدم مصالحها العليا على المدى البعيد.
ببساطة شديدة فإن حركة حماس تظل الحلقة الأضعف في مربع الكبار ولا تملك أمامها إلا ورقة وحيدة لاغير وهو ملف تبادل مئات الأسرى الفلسطينيين القابعيين منذ سنوات طويلة بالسجون الإسرائيلية، مع الأسرى الإسرائيليين المحتجزيين في مكان ما في غزة على خلفية واقعة 7 أكتوبر 2023، ولا أعتقد شخصيا أن قادة حماس قادرين على إنتزاع أي مكاسب ميدانية أوإستراتيجية رغم كل ما يروج له إعلاميا، فتل أبيب مدعومة من واشنطن وباريس وبرلين يلعبون فقط على عامل الوقت إلى حين عقد صفقة إطلاق جميع الأسرى الإسرائيليين في قطاع غزة ،ليتم الشروع في الهجوم الحقيقي بريا و جويا لتنفيذ مخطط بناء غزة بدون حركة حماس مع تجريدها من أسلحتها بدعم عسكري وإستخباراتي أمريكي وغربي.