محمد بوالروايح – موطني نيوز
إن المؤامرة اليهودية على الإسلام التي قادها يهود خيبر وبنو النضير وبنو قينقاع في المدينة المنورة في العصر النبوي لا تزال مستمرة في العصر الحالي، اختلف الأشخاص واختلفت البيئات والآليات والمخططات ولكن روح المؤامرة واحدة سواء تلك التي حاك خيوطها كعب بن الأشرف أو تلك التي يحيكها اليوم “أفيخاي أذرعي” الناطق باسم جيش الاحتلال برعاية من جهاز الموساد، مستخفيا بعمامة خليجية وبلحية مصطنعة واسم مستعار.
يعدّ “الموساد” مع “الشاباك” من أخطر الشبكات الاستخبارية في العالم، فالشاباك أو “الشين بيت” كما يسمى اختصارا في اللغة العبرية موجَّه للداخل الفلسطيني والموساد موجه للعالم الخارجي، كلاهما شر مستطير ولكن كما يقال إن بعض الشر أهون من بعض؛ فالموساد يشكل خطرا أكبر مقارنة بالشاباك، فهو جهاز أشبه بالأخطبوط وأذرعه ممتدة في كل بقعة من العالم، ورجل الموساد كالرجل الآلي الطائر الذي شاهدناه في أفلام الخيال العلمي لا يعجزه شيء، يطير حيث يشاء ويظهر حيث لا يتوقع ظهوره، زاحفا على ألسنة النار أو طائرا في الفضاء، وقد يظهر رجل الموساد في صورة رجل عابد مستغرق في المناجاة أو رجل صوفي وقد تبللت لحيته بالدموع الكاذبة الخاطئة، يخادع بها جمهور الناظرين والمارين من حوله، وقد يظهر رجل الموساد في صورة داعية كبير وواعظ جليل، يصول ويجول في التفاسير وينقلها لمستمعيه ومشاهديه في قالب لغوي وبلاغي أخاذ، وقد يظهر رجل الموساد في صورة رجل محب للإسلام والمسلمين يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر وهو رأس المنكر ورأس الفتنة.
لقد وضع الموساد خطة دنيئة لتهويد الإسلام، ومن عناصر هذه الخطة تأسيسه لجامعة تل أبيب “الإسلامية” في أواخر الخمسينات من القرن الماضي فهو الذي يشرف على تسييرها وتعيين طاقمها العلمي وانتقاء المنتسبين إليها بعناية بالغة لا تحتمل الخطأ ولا تسمح بتسلل الغرباء من غير المرغوب فيهم كما جاء في ميثاق تأسيس الجامعة، فهي “جامعة إسلامية” مفتوحة للطلاب اليهود دون غيرهم بل لا يسمح دخولها لبعض الطلاب اليهود ممن لا تُؤنس منهم حماسة للتعاليم الدينية حفاظا على خطها التوراتي الذي وُجدت من أجله.
ولجتُ إلى موقع جامعة تل أبيب “الإسلامية” فمُلئت منه رعبا؛ فهو موقع يستخف قليلي الفهم ويسوق الوهم ويلعب على وتر “اللقاء بين الأديان”، ويحاكي خطاب القائمين عليه خطاب أسلافهم وأشياعهم في تذكير المسلمين بما يسمونه الصفحات المشرقة من تاريخ التواصل اليهودي الإسلامي الذي ينبغي -كما يقولون- أن يتجدد بعيدا عن “ثقافة التعصب الديني” التي لا تخدم مستقبل العلاقات اليهودية الإسلامية.
واطّلعتُ على تقرير بيداغوجي تقييمي لمجلس التعليم العالي في “إسرائيل”، صدر في جوان 2014 ووضعته لجنة تطوير اللغة العربية وتطوير برامج الدراسات الأدبية التابعة لقسم اللغة العربية والدراسات الإسلامية، ووقفتُ على البرنامج التفصيلي لهذه الدراسات الذي أعرض جزءا منه في هذا المقال حتى يعلم المسلمون حجم المؤامرة اليهودية على الإسلام التي يقودها الموساد من بوابة العلوم الإسلامية في جامعة تل أبيب “الإسلامية”. من أهم التغييرات والتعديلات التي طالب التقرير المشار إليه إدخالها على برامج اللغة العربية والدراسات الإسلامية، ضرورة إيلاء أهمية أكبر لقسم اللغة العربية ولدور اللغة العربية كوسيلة للتعمق في الدراسات الإسلامية وفهم روح الشريعة الإسلامية وذلك من خلال ربط الثقافة اللغوية العربية بالدراسات الإسلامية وخاصة ما تعلق بالدراسات القرآنية والحديثية، ومن أهم التغييرات والتعديلات أيضا إدراج اللهجات الفلسطينية في برامج اللغة العربية، والغاية من ذلك فهم أكبر للإنسان الفلسطيني وللتركيبة البشرية والاجتماعية الفلسطينية، ومن أهم التغييرات والتعديلات أيضا زيادة الحرص على تشجيع الطلاب اليهود في قسم الدراسات الإسلامية على الاستخدام الفعلي والتفاعلي للغة العربية نطقا وكتابة ومحادثة. ويختتم التقرير البيداغوجي بحثِّ القائمين على برامج اللغة العربية والدراسات الإسلامية على ضرورة توفير كل وسائل الدعم المادي التي تمكن من إنجاح الخطة البيداغوجية الجديدة.
إن اللغة العربية التي يتهمها بعض أهلها بالقصور عن مواكبة التطور ويَزهَدون ويُزهِدون غيرهم في دراستها وتدريسها، أو يبادر بعض الغيورين عليها بخطوات محتشمة لتعميم استخدامها في المؤسسات والمراسلات الرسمية، تجد من الرعاية والعناية من خصومها ما لا تجده من أهلها. إنه واقعٌ مر تعيشه لغة الضاد ويعيشه أهلها في بيئة انتصرت للغة شكسبير ولغة موليير وزهدت في لغة القرآن الكريم.
اطّلعتُ على المقاييس والمواد الإسلامية المدرسة في جامعة تل أبيب “الإسلامية” فأدركت أن برامج بعض جامعاتنا الإسلامية بحاجة إلى تعديل عاجل يراعي خصوصية الظرف الزمني الصعب الذي نعيشه بما يحمله من تحديات كبيرة ومؤامرات خطيرة يقودها الموساد والتي تستهدف أمننا الديني والوطني، ومن المواد المدرَّسة في جامعة تل أبيب “الإسلامية”: الصهيونية وإسرائيل من وجهة نظر إسلامية، أصولية إسلامية بمنظور مقارن، العلاقات اليهودية الإسلامية، الشريعة والعقيدة الإسلامية في أوروبا، اللهجات العربية في منطقة الجليل وقواعدها، الإسلام السياسي الشيعي، المخطوطات القديمة وارتباطها بالأدب اليهودي القديم والآداب العالمية، الترجمة من العربية إلى العبرية…
شعرتُ بأسى عميق وأنا أطّلع على برنامج جامعة تل أبيب “الإسلامية” الذي يلمّ بكل مفاصل الدراسات الدينية المقارنة التي تسمح للموساد بتحقيق الأهداف التي وضعها عند تأسيس هذه الجامعة وفي مقدمتها تزييف التاريخ الإسلامي وتسويق فكرة أن أغلب هذا التاريخ مستوحى من الثقافة اليهودية، وإقناع الغافلين من المسلمين بأن الأساس الذي قامت عليه الحضارة الإسلامية في عصرها الذهبي هو أساس يهودي وبأنه لا مخرج للعرب والمسلمين من شرنقة التخلف الحضاري إلا بالتسليم بهذه المسلّمات التاريخية.
ما لفت نظري في برنامج المواد المدرَّسة بجامعة تل أبيب “الإسلامية” هو التركيز على الدراسات الدينية المقارنة لأنها الطريقة المثلى في اعتقاد واضعيها لإبراز تفوُّق وتألق العقيدة والثقافة اليهودية، وهنا يلجمني الأسى وأنا أتذكر الحملة التي شنّها أصحاب التديُّن المغشوش والثقافة الدينية المهزوزة ضد تدريس علم مقارنة الأديان واللغة العبرية بالجامعة الإسلامية، فهذا العلم في نظرهم من العلوم الغربية التي لا علاقة لها بالعلوم الشرعية، فالعلوم الشرعية عندهم قرآنٌ وحديث وحسب، ألا يعلم هؤلاء أن من أبدعوا في علوم القرآن الحديث كانوا أيضا نجوما لامعة وأقطابا متألقة في دراسة الأديان؟ هلا قرأوا “الجواب الصحيح لمن بدَّل دين المسيح” لابن تيمية و”الأجوبة الفاخرة للقرافي” و”الرد الجميل لإلهية عيسى بصريح الإنجيل” ليدركوا حجم الجهل المركب الذي تعاني منهم عقولهم؟
إن خدمة الإسلام تحتاج إلى عقول كبيرة جامعة للثقافة القرآنية والحديثية وللثقافة الدينية المقارنة، إن تحالف العناصر الصهيونية والمتصيهنة ضد أمننا الوطني يعدُّ أكبر عامل مشجع لإدراج الدراسات المتعلقة بالفكر الصهيوني في برامج أقسام العقيدة ومقارنة الأديان، فمن عرف ثقافة الخصم عرف مخططاته، وهذا في نظري هو التطبيق العملي لمقولة “اعرف عدوك” التي يلوكها بعض المحسوبين على الدعوة الإسلامية من دون أن تنتج هذه المعرفة الوهمية والهلامية خطة عملية محكمة نذود بها عن حصوننا وندافع بها عن كياننا الديني والثقافي.