المصطفى الجوي – موطني نيوز
سأنطلق اليوم من حيث توقفت إحدى الصحف العالمية يوم أمس الخميس 02 نونبر الجاري. عندما اتهمت وول ستريت جورنال لروسيا بتسليح حزب الله. وذلك عندما قالت نقلا عن مسؤولين أميركيين قولهم إن الولايات المتحدة لديها معلومات استخباراتية تفيد بأن مجموعة “فاغنر” الروسية قد توفر نظام دفاع جوي لـ “حزب الله” اللبناني.
اليوم سأتطرق الى موضوعين غاية في الخطورة، واحد إقليمي و الآخر دولي. الأول اتهام وول ستريت جورنال لروسيا بتسليح حزب الله. وكما تعلمون العالم كله يحبس أنفاسه في إنتظار خطاب السيد حسن نصر الله، وطبعا كل الاحتمالات واردة.
أما على الصعيد الدولي، فهناك رسائل مشفرة لكل من روسيا و الصين. وهي في الحقيقة إشارات ورسائل مبكرة تحذر القوات الأمريكية المتواجدة بالخليج العربي والبحر الأبيض المتوسط من مغبة استهداف إيران. وكما يعلم المهتمين والمتتبعين إذا استهدفت إيران فهي الحرب العالمية الثالثة بكل بساطة وانتهى الكلام.
فأمريكا تائهة في الوقت الراهن. لدرجة أنها دخلت في جدال عميق مع ذاتها. وتحاول البحث عن أجوبة لمجموعة من الأسئلة من بينها، كيف حدث ذلك؟ وكيف تطورت الأمور لهذا المستوى؟ فأمريكا كانت قد أوشكت على تفكيك وجودها في الشرق الأوسط. وهذا تأسس على قناعات استراتيجية بغية التركيز في منطقة المحيطين حيث روسيا و الصين وكوريا الشمالية.
لأن الهاجس الأمريكي الأول هو شرق أسيا طبعا بسبب وجود قوة عظمى هي الصين، وطبعا الصين في منطقة المحيطين. والهاجس الثاني هو أوروبا بسبب وجود روسيا، بالرغم من أن الهاجس الثاني أقل خطورة من الهاجس الأول وفقا للعقيدة الأمريكية. أما الهاجس الثالث و الخطير فهو مضيق هرمز.
و وفقا لكبار المحللين الاستراتيجيين فإن أمريكا بالمناسبة قلبت أولوياتها رأسا على عقب، بتورطها في صراع ثانوي استنزافي في الصراع مع روسيا، وكان بإمكانها تفاديه، وارتكبت خطأ استراتيجي قاتل دفع روسيا للتحالف مع الصين ضدها.
وقبل أن تجد مخرجا لنفسها من أوكرانيا وتركز على منطقة المحيطين، ها هي الأن متورطة حتى أذنيها في الشرق الأوسط. ومرة أخرى، لحسن حظ الصين الأن، ذات الأطراف التي تريد لأمريكا الغرق في مستنقع أي المحيطين، وأوكرانيا تريد لها أن تغرق وللأبد في الشرق الأوسط. هذه هي المعادلة.
الأن عاد الخوف. الولايات المتحدة الأمريكية خائفة من إغلاق إيران مضيق هرمز. وبالمناسبة هذا هو الوقت للحديث عن مضيق هرمز. لأنه لن يحدث فجأة، ولكن السيناريو الأرجح أنه في حالة تدخلت الولايات المتحدة المريكية في حال دخول حزب الله الحرب، وهو أمر متوقع بنسبة كبيرة جدا، فإن إيران ستقوم حتما بإغلاق عسكري فوري لمضيق هرمز.
فمنذ سنين طويلة كانت أمريكا تقول بأنها في حال أغلاقه لديها القدرة على فتحه بالقوة. و وسط شكوك كثيرة، شكك خبراء بأن أمريكا ليست قادرة على ذلك لعدة أسباب. كانت تقول بأنها ستفعل ذلك بالتعاون مع حلفائها، وتقصد حلفائها بالخليج وحلفائها الغربيين. لكن هذه الفرضيات الأن في الواقع سقطت أو بعبارة أصح أصبحت ضعيفة جدا. لأن إيران اليوم أقوى مما كانت عليه منذ سنوات.
فالصراع العالمي أيضا أضعف الولايات المتحدة الأمريكية وأفرغ مخازنها وإستنزف ميزانيتها. ومن جهة أخرى من مصلحة روسيا والصين تزويد إيران بكل ما تحتاجه من أدوات عسكرية متطورة للتغلب على أمريكا في هذه المنطقة، على الأقل ستحافظ على مكاسبها. بالاضافة إلى ذلك، ويالرغم أن البحرية الإيرانية أقل تطورا من البحرية الأمريكية، إلا أن إيران تمتلك أعداد ضخمة جدا من القوارب الحربية الصغيرة، وهي قوارب فائقة السرعة، وهي قادرة على القيام بمناورات هجومية مكثفة لا تتوفر في السفن الأمريكية الضخمة البطيئة.
أما الصواريخ الإيرانية المتطورة جدا فحدث ولا حرج. زد على ذلك الاستخدام المستمر للألغام وغواصات الديزل وما خفي أعظم. وفي المقابل لا يوجد سيناريو غربي واحد متفائل بشأن قدرة فتح مضيق هرمز بالقوة. وكما يعلم العالم إغلاق المضيق كارثة ما بعدها كارثة. ولنفترض جدلا أن أمريكا نجحت في فتحه بالقوة. فإن إيران ستعاود الكرة وتغبق المضيق بوسائل متعددة وكثيرة.
ولكن ذلك لا يعني أيضا بأن أمريكا ستستسلم وتبتلع الهزيمة. بل ستأتي بقضها وقضيضها. ومن تم سينزلق العالم إلى الحرب العالمية الثالثة. و هذا القض والقضيض الذي تحدث عنه من الأمور التي لن تسكت عنها الصين ولا روسيا.
على العموم إغلاق مضيق هرمز سيكون كارثيا وعادة ما يتم تشبيهه بنهاية العالم يعني لأسواق النفط العالمية ويعتبر من الأمور المشؤومة جدا، بإعتباره القناة الرئيسية لشحنات النفط الدولية، ولهذا السبب أولته أميركا اهتماما استثنائيا. فكل الحصص النفطية بما فيها حصص السعودية والكويت والعراق تمر عبر هذا المضيق.
في الماضي لوحت إيران بهذه الورقة الخطيرة، ولكن لم يكن من مصلحتها وقتئذ المخاطرة. وأما في هذه الحرب ونظرا لطبيعتها الوجودية، فإنها ستلجأ إلى كل ما لديها من أوراق ستكون حربا لم يشهد لها التاريخ مثيلا. وفي تقديري المتواضع فإن إيران لن تلجأ إلى إغلاق المضيق إلا إذا تدخلت أميركا، ولكن هذا هو وقت الحديث عن إغلاق مضيق هرمز في كل الحالات.
كا يجب أن علمه جيدا أن دخول حزب الله طبعا يمثل مرحلة تصعيدية دموية، وما لم يدفع ذلك الولايات المتحدة الأمريكية إلى التدخل فإنها ستكتفي بدعم حزب الله طبعا، ولن تتدخل أيضا، ولكن هذه التقديرات كلها تصبح غير منطقية. لأن دخول حزب الله الحرب يعني أن فرصة حدوث وقوع حرب إقليمية كبيرة جدا جدا، ووقوع حرب إقليمية يعني أيضا تطورها إلى حرب عالمية ثالثة يصبح أيضا أكبر على أية حال.
إلى جانب ذلك، لمسنا ميلا تصعيديا في اليمن، حيث هاجم أنصار الله بعض الحكومات العربية واعتبروها متخاذلة رغم ما تمتلكه جيوشها من قدرات. وتضمنت كذلك تصريحات أنصار الله تهديدا مبطنا للسفن الأميركية بالخليج، وطبعا أميركا أيضا هددت بضرب اليمن، وهو بالفعل ما توقعه أنصار الله ولم يكترثوا كثيرا لهذا الأمر. بل وألمحوا إلى إمكانية استهداف طرق الملاحة في باب المندب، وهذا هو بيت القصيد، رغم أنهم رفضوا الكشف عن خططهم الهجومية مع أنصار الله.
طبعا لن تحتاج إلى عناء كبير لفهمهم، فهم جزء من هذه الحرب، وأكاد أجزم بأن لديهم خطة للإجهاز على باب المندب، فضلا عن استهداف السفن الأميركية بالخليج ولعلكم تتذكرون جيدا ما حدث للمدمرة الأمريكية “يو إس إس كول” قبالة السواحل اليمنية بتاريخ 12 أكتوبر 2000.
لست أدري عما يتوفر لهم من أسلحة غير التي أعلن عنها، ولكن أرجح بأنهم كما يقولون : لن يكشفوا عن كل أوراقهم إلا في ساعة الصفر، وغدا سنعرف الكثير. هذا طبعا يقودنا إلى المملكة العربية السعودية وموقعها. وأين تقف السعودية؟ وتصريحها بخصوص التضامن الشعبي مع غزة بدا بعيدا جدا.
على أية حال لا يبدو لي أن السعودية مشغولة بغزة بقدر ما هي مشغولة بأمنها. لأنه في حال دخول حزب الله الحرب فهذا يعني الإنهيار التام للسلام بينها وبين إيران، لأن تعارض المصالح سيصل إلى مستوى يصعب معه الاحتفاظ بصلح تشوبه الشوائب.
فأمريكا في كل الأحوال عادت بقوة للخليج. وإستردت مكانتها القديمة. كل الذي حدث من فتور في الفترة الماضية انتهى الأن. والخوف الأمني أصبح هو المسيطر في الخليج. ومن الطبيعي طبعا أن القوات الأمريكية ستصبح هدفا لإيران وأنصار الله في حال اتساع رقعة الحرب. وهذا بطبيعة الحال سيقود السعودية الى الرد.
الأنكى من هذا أن إغلاق مضيق هرمز سيخنق المملكة العربية السعودية إقتصاديا. وهو لوحده سبب للتصعيد بينها وبين إيران، ففي تطورات سريعة كان أخرها زيارة وزير الدفاع السعودي المير خالد بن سلمان، قطعت الشك باليقين بأن السعودية تراهن على أمريكا، وأن زيارة وزير دفاعها لواشنطن كان بغرض شراء أسلحة متطورة.
وبالرغم من ضبابية بيان وزارة الدفاع الأمريكية المتعمد بحيث لا تريد السعودية لفت النتباه بأنها تستعد للحرب الا أن الزيارة ذات طبيعة خطيرة وواضحة المعالم في إطار الحميمية التي زادت حرارتها سخونة المنطقة. وأنا على يقين بأن إيران تتابع هذه الزيارة بعين الريبة. وهو ما يعطي انطباعا بأن البلدان لم يستردان الثقة أبدا. لكن صلحهما كان مجرد خارطة طريق قطعتها حرب غزة. عاد التوثر الى المنطقة و قد يتحول في أي لحظة حرب.
المثير للسخرية، أن وزير الدفلع الامريكي ومستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان. أكدا إلتزام أمريكا بالدفاع عن السعودية. ومن هذا المنبر أتوجه الى الإخوة السعوديين بأن لا يقعا تحت الحبائل الواهنة للوعود الأمريكية، وليتذكروا ما قاله هنري كسنجر “أن تكون عدوا لأمريكا فهو أمر خطير، ولكن أن تكون صديقا لأمريكا هو أمر قاتل” هذا ما قاله كسنجر حرفيا، أرجو أن يتذكره السعوديون جيدا.
أما بالنسبة لروسيا فهي معنية أكثر من الصين، لسبب بسيط وهو ما تواجهه من ضغط وتنظر الى الشرق الأوسط كمتنفس استراتيجي، وكذلك كفخ عظيم لأمريكا. حيت نقلت صحيفة وول ستريت جورنال عن مسؤولين أميركيين قولهم إن الولايات المتحدة لديها معلومات استخباراتية تفيد بأن مجموعة فاغنر الروسية قد توفر نظام دفاع جوي لحزب الله اللبناني.
وول ستريت تتحدث عن أنظمة صواريخ متطورة وتعني “إس إيه- 22” (SA-22)، وهو نظام يستخدم صواريخ مضادة للطائرات أرض جو تثبت على شاحنة وهو السلاح الذي شاع استخدامه في أوكرانيا، إلى جانب مدافع الدفاع الجوي لاعتراض الطائرات.
على كل المعلومات الاستخباراتية الأمريكية ناقصة، فهي لم تأكد إذا ما كان قد حصل عليها حزب الله أم لا. كما أنها لم تأكد هل استقرت الصواريخ بجنوب لبنان أم انتقلت عبر مافيا السلاح الى حركة حماس. في كل الحوال وبحسب التجربة لم يسبق للمعلومات الاستخباراتية المريكية أن كانت صادقة، والدليل هي معلومات أسلحة الدمار الشامل التي كانت تقول أنها بحوزت العراق، ليتضح بعد ذلك أنها كانت مجرد أكاذيب الغرض منها غزو العراق وتطبيق نظرية أكلت يوم أكل الثور الأبيض.
لكن هذه المرة أجد الخبر مقنعا، فالطيران الإسرائيلي متطورا ومتفوقا مما سيتعين على حزب الله التزود بالقدرات الحربية لتعطيل منظومة الطيران الصهيوني. ثم إن روسيا معنية كذلك بهذه التطورات الميدانية. وكذلك مدينة لإيران، وفي تقديري أنها ستقدم كل ما في جعبتها لمساعدة حزب الله.
وعلى صعيد أخر، وقع فلاديمير بوتين رسميا على الإنسحاب من معاهدة حظر التجارب النووية. هذا القرار في هذا التوقيت خطير للغاية. فقد كانت روسيا قد أعلنت منذ فترة أنها تدرب جنودها على التعامل مع الخطر النووي. واليوم من يقول لك ان فرص الحرب النووية في الشرق الاوسط كبيرة وقائمة يجب أن تأخذ كلامه على محمل الجد، لن ما تعيشه المنطقة خطير جدا..وللحديث بقية.