أسية عكور – موطني نيوز
أبو الطيب المتنبي أحمد بن الحسين الكوفي، أحد أعظم شعراء العصر العباسي، بل يعتبر أعظم شعراء العرب، وأكثرهم تمكنًا من اللغة العربية وأعلمهم بقواعدها ومفرداتها، قال عنه ابن رشيق (مالئ الدنيا وشاغل الناس)، وظل شعره إلى اليوم مصدر إلهام ووحي للشعراء والأدباء، وقد ترك وراءه عدداً كبيراً من المخزون الشعري.
يعتبر المتنبي مادح الأمراء وجليس العظماء، قال الشعر قبل بلوغه العاشرة، فبرزت نبوءته الشعرية وعبقريته مذ كان غرًا في مدارس الكوفة ، وانتقل إلى البادية التي صقلت موهبته، وأجزلت لسانه، وتربى عند القرامطة، وتأثر بعقيدتهم الصدامية، فكان في بداياته ثوري المزاج عروبي الهوى، علمته البادية القسوة والمنعة والأنفة، إلى أن ثار القرامطة على والي الكوفة فلجأ لأول مرة لبغداد عاصمة الدولة العباسية، قبل أن يكتب عليه اللجوء السياسي حتى آخر أيامه.
اعتقل في حمص بعد تآلب الخصوم والحساد واتهامهم له بإدعاء النبوة، في حين أن هذا السجن لم يكن إلا لأجندات سياسية. بعد خروجه، استمر في التنقل ومدح أمراء الشام بحثًا عن رغد العيش والمجد، وطمعًا بمنصب سياسي سعى له طيلة العمر لكنه لم يظفر به، ربما لعلويته التي لصقت به كالتهمة، وربما لأنه لم يرضَ يومًا بالذل والهوان، وربما لتقلباته في آراءه ومواقفه السياسية.
ثم لازم سيف الدولة في الشام في حلّه وترحاله وسلمه وحربه ضد الروم، وخرج لنا بأعذب الشعر، وفروسية، لكن لم يلبث إلا أن اختلف مع سيف الدولة وفارقه بعد قصيدته المشهورة، ليلجأ إلى عدوه في الجانب الآخر، ويقيم بجوار كافور حاكم مصر الذي أكرمه في البداية، ثم عاداه بعدما ائتمر عليه الوشاة والحساد، وبعد أنّ مدح كافور عاد وهجاه.
توجّه المتنبي من مصر إلى العراق بعد خيبة أمله عند كافور حيث كان يتنقل بين الكوفة و بغداد، ومكث في ضيافة عضد الدولة ثلاثة أشهرٍ مدحه خلالها في ست قصائد غاية في الروعةِ، لكن المتنبي رغب بالرحيل والعودة إلى العراق لسببٍ غير معروف.
مات المتنبي وهو في قمة عطائه، فلم يتجاوز الخمسين من عمره مقتولاً على يد قاطع طريق يسمى فاتك الأسدي، وهو خال ضبّة الأسدي و كان ضبة هذا لص عُرف عنه قطع الطريق ونهب وسلب القرى والمسافرين على حد سواء بل وصل به الأمر إلى نهب مقام الحسين بكربلاء .
وقد هجاه المتنبي بقصيدة شديدة الهجاء شنيعة الألفاظ تحتوي على الكثير من الطعن في الشرف ، و قد حدث في طريق عودت المتنبي من شيراز إلى بغداد أن اعترض فاتك خال ضبة طريقه ومعه جماعةً من أصحابه في منطقةٍ واقعة غرب بغداد تُسمى النعمانية، فيما لم يكن مع المتنبي عدداً مكافئاً لرجال فاتك، فتقاتل الجمعان، فقُتل مُحسد ابن المتنبي، وهمّ المتنبي حينها بالهروب، إلّا أن غلامه استوقفه قائلاً : ألست القائل الخيلُ والليلُ والبيداءُ تَعرفني؟
فردّ عليه المتنبي قائلاً: قتلتني قتلك الله، ورجع وقاتل حتى قُتل .