المصطفى الجوي – موطني نيوز
يتمتع المغرب منذ قرون بنظام حكم ملكي توارثته الأسرة العلوية الحاكمة منذ القرن 17. ويعتبر الملك محمد السادس حاليا أحد أبرز الملوك في العالم العربي وله شعبية كبيرة داخل المغرب وخارجه.
يرى مؤيدو النظام الملكي أنه ضمن استقرارا سياسيا وأمنيا للبلاد في ظل الاضطرابات التي عصفت بالمنطقة. كما أن الملك يمثل رمزا لوحدة الشعب.
من ناحية أخرى، ينتقد المعارضون تركيز السلطات بيد الملك دون وجود توازن مع بقية مؤسسات الدولة. فالملك هو الذي يعين رئيس الوزراء ويملك حق حل البرلمان. كما أنه القائد الأعلى للجيش وله سلطات واسعة في المجالين التنفيذي والتشريعي.
رغم إجراء تعديلات دستورية أدخلت بعض مبادئ الملكية الدستورية، إلا أن النظام مازال يأخذ شكلا ملكيا مطلقا في نظر المعارضين. وهم يطالبون بمزيد من الإصلاحات الديمقراطية لتطوير الحكم نحو الملكية البرلمانية.
في النهاية، يبقى الجدل مستمرا حول طبيعة النظام الملكي في المغرب بين مؤيديه الذين يرون فيه عامل استقرار، ومعارضيه الداعين إلى تقليص صلاحيات الملك.
الملك هو اللاعب الأساسي في المشهد السياسي المغربي.
على الرغم من وجود العشرات من الأحزاب السياسية في المغرب، إلا أن دورها يبقى محدوداً مقارنة بالدور المحوري للملك في الساحة السياسية.
فالملك هو من يختار رئيس الحكومة ويعينه، بغض النظر عن تركيبة البرلمان ونتائج الانتخابات. كما أن للملك صلاحية حل البرلمان والدعوة لانتخابات مبكرة.
وفي السنوات الأخيرة، اتخذ الملك محمد السادس قرارات حاسمة في الشأن السياسي من دون الرجوع إلى الأحزاب، كإجراء تعديل وزاري، أو تغيير رئيس الحكومة، أو إصدار عفو ملكي.
كما يتولى الملك الإشراف على القرارات الاستراتيجية من قبيل سياسة المغرب الخارجية والدفاعية والاقتصادية الكبرى.
وقد أثار هذا الدور المحوري للملك جدلاً واسعاً في الأوساط السياسية بين مؤيد ومعارض. فالمعارضون يرون أن النظام لا يزال أقرب إلى الملكية المطلقة، بينما يرى المؤيدون أن الملك يمارس دوراً توازنياً ومعتدلاً ضمن الدستور.
لكن ما لا شك فيه أن الكلمة الفصل في القرار السياسي بيد الملك، وهو اللاعب الأساسي في صياغة مستقبل المغرب السياسي رغم وجود التعددية الحزبية التي تبقى دورها ثانوياً.
المخزن – اللاعب الكبير في الساحتين السياسية والاقتصادية بالمغرب.
يُعد المخزن أو المؤسسة الملكية اللاعب الأساسي الذي يتحكم في مفاصل الحياة السياسية والاقتصادية في المغرب، بفضل نفوذه الواسع وسيطرته على قطاعات اقتصادية هامة.
فعلى الصعيد السياسي، يمارس المخزن نفوذاً كبيراً من خلال تعيين كبار المسؤولين في الدولة ووضع السياسات العامة بالتعاون مع رئيس الحكومة.
أما اقتصادياً، فالمخزن يسيطر على شركات في قطاعات حيوية كالفوسفات والأبناك والعقارات، الأمر الذي يمنحه نفوذاً اقتصادياً هائلاً.
وقد أثار هذا الدور المحوري للمخزن جدلاً واسعاً حول مدى تأثيره على مسار الإصلاحات الاقتصادية والسياسية، إذ يرى البعض أنه يمثل عقبة أمام الانتقال الديمقراطي الحقيقي.
لكن المؤسسة الملكية ترى نفسها كضامن للاستقرار السياسي والاقتصادي في ظل المتغيرات الإقليمية.
الأكيد أن أي إصلاح حقيقي لن يتحقق من دون مراجعة دور المخزن والحد من هيمنته على مفاصل الحكم والاقتصاد، وهو ما يبدو صعباً في المدى القريب.
الملك المحرك الرئيسي للدبلوماسية المغربية
تُعد العلاقات الخارجية من أبرز اختصاصات الملك في المغرب، إذ يلعب دوراً محورياً في وضع التوجهات الإستراتيجية للدبلوماسية المغربية وتنفيذها، خاصة تجاه أوروبا والولايات المتحدة.
ويتجلى ذلك من خلال الزيارات الخارجية المتكررة التي يقوم بها الملك محمد السادس، ولقاءاته المتواصلة مع كبار المسؤولين الأجانب، بهدف تعزيز العلاقات الثنائية مع تلك الدول.
كما يشرف الملك بنفسه على المفاوضات الدبلوماسية التي تخص القضايا ذات الأولوية للمغرب، كالنزاع حول الصحراء الغربية، والشراكة مع الاتحاد الأوروبي، والتعاون الاستراتيجي مع واشنطن.
لذلك، يُنظر إلى الملك على أنه الممثل الأسمى للدبلوماسية المغربية والمحرك الرئيسي لها على الساحة الدولية، مستفيداً من مكانة بلاده كحليف استراتيجي للغرب.
غير أن هذا الدور البارز للملك يثير بعض النقاش حول مدى احتكاره للقرار الخارجي دون إشراك المؤسسات الدستورية الأخرى كالبرلمان والحكومة.
محمد السادس يسعى لترسيخ الملكية الدستورية في المغرب.
منذ توليه عرش المملكة المغربية عام 1999م، سعى الملك محمد السادس إلى ترسيخ نمط جديد من الحكم يطلق عليه “الملكية الدستورية”، من خلال إجراء عدد من الإصلاحات السياسية.
وتتمثل أبرز تلك الإصلاحات في إنشاء هيئة الإنصاف والمصالحة للتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان، وإصدار ميثاق جديد للعدالة والمصالحة، ومراجعة مدونة الأسرة، وإجراء تعديلات دستورية عام 2011.
كما بادر الملك بعقد لقاءات دورية مع زعماء الأحزاب السياسية لتشاور حول القضايا الوطنية، في خطوة اعتبرها البعض محاولة لفتح المجال السياسي.
غير أن معارضي النظام يرون أن تلك الإجراءات شكلية ولا تمس صلاحيات الملك الواسعة، مشددين على ضرورة إقامة نظام برلماني يخفف من سلطاته.
والحقيقة أن الإصلاحات المتخذة لم تغيّر من الطبيعة المركزية للنظام، لكنها أرست بعض مبادئ الحكم الديمقراطي ضمن إطار الملكية التقليدية.
المعارضة المغربية تطالب بتفكيك صلاحيات الملك.
طالما شكلت الملكية في المغرب محل نقاش وجدل بين مؤيد ومعارض، إلا أن موقف المعارضة تصلّب في الآونة الأخيرة، مطالبةً بتقليص صلاحيات الملك بشكل جذري.
فالأحزاب المعارضة من قبيل حزب العدالة والتنمية والاتحاد الاشتراكي والتقدم والاشتراكية، تنادي بضرورة تفكيك صلاحيات الملك وإرساء نظام برلماني يتسم بفصل حقيقي بين السلطات.
وتركز مطالب المعارضة على إلغاء امتيازات الملك في تعيين رئيس الحكومة وحقه في حل البرلمان، ونقل صلاحية إعلان حالة الطوارئ إلى رئيس الوزراء.
كما تطالب بتقنين الصلاحيات الاستثنائية للملك وخضوعها لمراقبة البرلمان، فضلاً عن فصل ميزانية القصر الملكي عن الميزانية العامة للدولة.
وتستند المعارضة في موقفها إلى أن الملكية المطلقة لم تعد تتماشى ومتطلبات بناء دولة ديمقراطية حديثة تحترم مبدأ الفصل بين السلطات.
غير أن المؤسسة الملكية وأحزاب الأغلبية ترفض هذه المطالب وتعتبرها مساساً بالدور الدستوري للملك.
المؤسسة الملكية ترفض المساس بصلاحيات العرش.
شهدت الآونة الأخيرة حراكا سياسيا واجتماعيا غير مسبوق في المغرب، حيث خرجت مظاهرات حاشدة تطالب بإصلاحات سياسية ودستورية، في مقدمتها تقليص صلاحيات الملك.
لكن المؤسسة الملكية رفضت جملة وتفصيلا مطالب المعارضة والحراك الشعبي، معتبرة أن النظام الملكي المغربي لا يقبل النقاش.
واعتبر وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان السابق، مصطفى الرميد، المقرب من القصر الملكي، أن صلاحيات الملك “خط أحمر” لا يمكن تجاوزه تحت أي ذريعة.
كما هاجم أحزاب الأغلبية بشدة مطالب المعارضة، معتبرة أن النظام الملكي أساس استقرار البلاد ووحدة الشعب، واتهمتها بمحاولة زعزعة أركان الدولة.
وكررت المؤسسة الملكية أن الدستور ضمن للملك صلاحيات واسعة لا يمكن المساس بها، مشددة على أن أي إصلاح يجب أن يتم في إطار الملكية الدستورية.
وبذلك، تبدو المؤسسة غير مستعدة لإجراء أي تنازلات حقيقية فيما يتعلق بصلاحيات الملك، ما يثير تساؤلات حول مصير مطالب الإصلاح.
في الختام، يمكن القول إن الملكية الدستورية في المغرب شكلت عامل استقرار في البلاد على مدار عقود، في ظل الاضطرابات التي شهدتها بعض دول المنطقة.
وقد حرص الملك محمد السادس منذ توليه العرش على تعزيز مسار الإصلاحات السياسية والاقتصادية، ما ساهم في تحقيق تقدم ملحوظ على صعيد التنمية بالمغرب.
ورغم وجود بعض الانتقادات حول طبيعة النظام الملكي، إلا أن الإجماع قائم على دوره المحوري في صون استقرار البلاد وتقدمها، وأن أي إصلاح يجب أن يتم بشكل تدريجي ضمن إطار الملكية الدستورية.
وبذلك، تبقى الملكية في المغرب ركيزة أساسية في مسار بناء الدولة الحديثة، ما دام العرش يسهر على تلبية تطلعات الشعب نحو المزيد من الإصلاح والديمقراطية، بإعتبار أن محمد السادس هو الملك الحارس لاستقرار وأمن المغاربة.