صراع الخير والشر بين الانس والجن (الجزء الثاني)

 

أسية عكور – موطني نيوز

كان يوزار ينظر الى شقيف وهو يعلم أنه السبب في مقتل والديه .. فكان على وشك أن ينقض عليه ، لولا أن تدخلت إحدى الفتيات فأمسكت بذراعه وقالت : لا تتعجل وانتظر الفرصة المناسبة…فلو هاجمته الآن لقتلك دون أن تهتز من بدنه شعرة.

فنظر يوزار إليها وقال :

من أنتي ؟؟

قالت :

أسمي هو (زينة)..وأنا جنية،بعثني إليك والدك لحمايتك بعد أن علم أنك على قيد الحياة..استغرب يوزار كلامها فقال :

والدي ميت..فعن أي شيئٍ تتحدثين ؟؟

قالت :

أتحدث عن والدك الحقيقي..زحل زعيم مملكة السماء..

كلام الجنية جعل الفتى يسرح في عالم آخر، الى درجة أن شقيف قد غادر المكان دون أن يشعر به يوزار..انتشر بين الجميع خبر عزم شقيف على تدمير المملكة في حالة عدم التضحية بالاميرة إبنة الملك..لذا احتشد الآلاف من المواطنين على بوابة القصر مطالبين الملك بالخضوع لتهديد شقيف والتضحية بابنته من أجل إنقاذ المملكة..الملك وجد نفسه في وضعٍ لا يحسد عليه..فجلس وحيداً وهو يفكر بحزنٍ في ما يجب فعله..وبعد برهةٍ من التفكير..التفت الى يوزار ونظر إليه باهتمامٍ ثم قال :

اخبرتني الجنية زينة أنك ابن زحل..وهذا يعني أنك عبارة عن نصف جنيٍ ونصف بشري..والدليل على ذلك نجاتك من هجومين قاتلين من قبل شقيف..وبعبارة أخرى فإنك تمتلك بعضاً من قوى جن الاقدار الخارقة..وبإمكانك مساعدتنا..

رد يوزار بالقول :

آسف يا مولاي..أنا لست سوى بشرٍ عادي..عشت طوال حياتي كبشري..وسأموت كبشري..

قال الملك :

لا يمكنك أن تنكر أصلك..كن كما أراد لك القدر أن تكون..الفتى الذي ينقذ مملكة والدته..ثم لا تنسى إن سبب شقائنا هو أبوك..

أجاب يوزار :

أبي متوفى ..

غضب الملك وقال :

أنا أتحدث عن أبوك زحل…فلو لم يتزوج ببشريةٍ من هذه المملكة لما حدث ما حدث..

يوزار :

لا أكترث بتاتاً بزحل، ولا أعتبره أبي…إنما أبي هو الصياد الطيب الذي رباني والذي قتله شقيف مع أمي في عرض البحر..

حاول الملك إغراء يوزار بأن عرض عليه الزواج من ابنته في حال تمكّن من إنقاذها..لكن يوزار لم يبدِ اهتماماً بالأمر..

هنا.. تدخلت زينة فقالت ليوزار :

شقيف يعلم إنك على قيد الحياة..وهو سيسعى لقتلك لا محالة..والطريقة الوحيدة لكي تنتقم منه على ما فعله بوالديك هي بالقضاء على حيوانه المدلل مارد البحار..فإذا فعلت ذلك، فسيضعف شقيف كثيرا…حينها فقط تستطيع أن تسدد له الضربة التي فيها هلاكه..

أطرق يوزار لحظاتٍ ثم قال :

لكن كيف سأقضي على ذلك المارد الجبار ؟؟

قالت :

هذا السؤال يجب عليك أن توجهه بنفسك الى العرافات الثلاثة، اللواتي يسكنّ في دير العرافات..وهن ثلاث شقيقاتٍ ضريراتٍ عجائز، لا يملكن سوى عينٍ واحدة..يتشاركن بها جميعهن..ومن خلال هذه العين، بإمكانهن أن يستشرفن المستقبل..ويجاوبن على أي سؤالٍ يطرحه أي مخلوقٍ لهن..

قال يوزار :

إذن الى دير العرافات سأمضي الساعة..

بعد ساعة..

كان يوزار قد أعد العدة لرحلته الطويلة والمضنية الى دير العرافات..فقامت الجنية الفاتنة زينة بمرافقته..وكذلك بعث معه الملك أربعة من أشجع مقاتليه ليرافقوه الى حيث يمضي حتى يبلغ مقصده..وهكذا انطلقت تلك المجموعة على ظهر الخيول وهم يسابقون الزمن للعثور على طريقةٍ للخلاص من مارد البحار قبل حلول الكسوف المقبل..

وبعد مسيرة يوم..توقف الجميع في أحد الحقول للراحة..وبينما كان يوزار يتمشى في الحقل، إذ خطف بصره بريقٌ ساطع..فتطلع نحوه فإذا هو مقبضٌ ذهبي..فأمسكه يوزار وإذا بنصل سيفٍ بتار يشع من المقبض !!!

وهنا جائت زينة وقالت :

هذا السلاح الفتاك هو هدية زحل إليك ليعينك في رحلتك هذه المحفوفة بالمخاطر..فما كان من يوزار إلا أن ألقى بالسلاح أرضاً فاختفى النصل وبقي المقبض ..فرفعته زينة عن الأرض لكنه لم يعمل معها فقالت :

ألا تريده ؟؟ إنه لن يعمل سوى بقبضتك..

فأجاب :

لا أريد أي مساعدة من الجن..وسأثبت لزحل بأني بشري، وسأكمل مهمتي للنهاية كبشري..

وبينما هما كذلك..إذ هبط من السماء بالقرب منهما حصانٌ ابيض ذو جناحين وكان في غاية الروعة والجمال..فاقترب منه مروان وأخذ يتمسح على رقبته مفتوناً به فقالت زينة :

إنه هدية زحل أيضا..بعثه إليك ليعينك في ترحالك وأسفارك بأقصر وقتٍ وأقل مجهود..

لكن يوزار رفض مرة أخرى ذلك العرض..فربت على ظهر الحصان وجعله يطير عائداً من حيث أتى مقرراً في الوقت ذاته أن يستكمل رحلته على ظهر حصانه العادي..

فقالت له زينة :

أنت أحمق يا يوزار..لا يوجد بشري على ظهر الأرض بإمكانه أن ينجح في القضاء على مارد البحار وشقيف معا..لكن كونك نصف جني هو ما يؤهلك للنجاح في هذا المسعى..لذا عليك أن تتقبل حقيقتك وأن لا ترفض الهبات التي تعرض عليك..

فنظر إليها يوزار ثم قال :

أنتي أيضاً مرسلةٌ من قبل زحل، لذا لن اُصغي إليكِ..

فقالت :

أنا اخترت المجيئ ولم يجبرني زحل على ذلك..لذا فوجودي هنا هو بمحض إرادتي ولن تستطيع منعي عن مرافقتكم..

فأنا أحب البشر..وقد اخترت أن أدافع عنهم كجنيةٍ وبأقصى ما اُتيحت لي من قوى..على عكسك تماما..فأنت تملك القوى لكنك اخترت أن تدفنها، وفي ذلك تهور شديد منك يا يوزار..

فرد عليها الفتى :

ما قصتكِ يا زينة ؟؟ لماذا تعيشين كالمختبئة بين البشر ؟؟

أجابت هي :

أنا أيضاً قد سبق وإن أحببت فتىً من البشر..وكنا على وشك الزواج..لكن أحد جن الأقدار الماضين قد علم بذلك فقام بلعني..فجعلني حبيسة شبابي الى الأبد..ثم تنهدت وأضافت :

ولك أن تعلم إن هذا الكلام قد مضى عليه أكثر من ألف سنة..

لكن يوزار تأمل جمالها فعقّب قائلا :

أأنتي متأكدة بأنها لعنة ؟؟..أن تكوني جميلة وشابة الى الأبد ؟؟

قالت :

قد تظن أنها نعمة..ولكنك لم تجرب أن ترى أحبابك يقضون نحبهم بفعل الزمن مرةً تلو الأخرى..ثم تتمنى الموت فلا تجده..الى هنا لم تتحمل زينة..فتساقطت دموعها..ثم مضت في طريقها ولم تلتفت..

فطفق يوزار يرعاها بعينيه حتى غابت عن ناظريه..

في اليوم التالي..

اقترب الجميع من سفح الجبل المؤدي الى دير العرافات..

فقالت زينة :

لم يجرؤ أحد من قبل على الإقتراب الى هذا الحد..إنه مكانٌ خطير للغاية..وما إن قالت ذلك.. حتى خرج لهم شقيف من العدم وعيناه تشتعلان ناراً وهو يحمل حربةً سوداء هاجم بها يوزار..فتصدى الأخير له وقارعه بالمبارزة..فحاول أحد الفرسان التدخل..لكن شقيف ضربه ضربةً حطمت سيف الفارس ورأسه ورأس حصانه !!!

فانذهل بقية الجنود من قوة شقيف فأحجموا عن التدخل..عدا زينة التي شاركت يوزار القتال حتى أجبر الإثنان شقيف على التراجع..ثم ركل شقيف الارض فانشقّت..ثم وثب داخل الشق واختفى عن الأنظار..

هنا التفت يوزار الى زينة وشكرها على تدخلها فقالت له :

ألا ترى يا يوزار بأنك تستخدم قوتك كجني حتى دون أن تشعر ؟؟ فمنذ متى وأنت تجيد المبارزة ؟؟ ثم إنه لا يوجد بشريٌ باستطاعته أن يقف نداً لشقيف..لكنك استطعت ذلك لأنك ابن زحل..

فرد يوزار عليها باستياء :

أرجوكِ كفّي بالله عليكِ فقد بات الأمر مزعجاً للغاية ..

فقالت :

كما تشاء يا يوزار .. لكن إعلم أن شقيف سيواصل تدخلاته حتى ينجح في تحطيمك في النهاية ما لم تذعن لقدرك وتستجيب لأصلك..

تسلق الجميع الجبل حتى بلغوا دير العرافات..فكان عبارة عن أطلالٍ حجرية تنذر بالشؤم وتُشعر بضيق النفس في كل زاوية من زواياه..

فاقتربت زينة من يوزار وقالت :

يوزار اسمعني جيدا..مهما سيحدث الآن فلا تطلب من العرافات معرفة ما يخبئ لك القدر..

وبينما هم كذلك..

إذ سمعوا حديث ثلاث أصواتٍ مختلطة تتكلم معهم وكأنها صوتٍ واحد..

ثم بانت لهم العرافات العجائز الثلاثة بمنظرهن الكئيب المخيف..وكنّ بلا عيون !!! لكن إحداهن كانت تمسك بيدها عيناً باصرة كبيرة..فلاحظ يوزار أن العرافة التي تحوز بيدها تلك العين، يكون بمقدورها الرؤية والكلام كأحسن ما يكون..ثم تقوم بعد ذلك بتمريرها الى شقيقتها المجاورة، فتتحدث هذه الشقيقة وتتحرك كما كانت تفعل سلفها..وهكذا يتناوبن الشقيقات على تمرير تلك العين العجيبة بينهن ويتحدثن مع يوزار والآخرين وهن يكشفن في ذات الوقت عن أمورٍ خاصة في أدق حياتهم الشخصية !!!

إستغرب يوزار ذلك فتقدم منهن وقال :

إذن فهذه العين بإمكانها أن تكتشف أسرار ماضينا الدفينة..

ردت احداهن :

ليس الماضي فحسب..بل الحاضر أيضا..

رد يوزار ببرود :

كلا..لا أصدق ..

قالت الاخرى :

ولمَ لا تصدق ؟؟ أذكر أي شيئ وسترى..

هنا قال يوزار :

حسنا..أريد أن أعرف كيف السبيل الى القضاء على مارد البحار..

حينها..نطقت العرافة التي تمسك بالعين قائلة :

لقد كدت أن تخدعنا أيها الحذق بإسلوبك الماكر..فكما ترى، لا يوجد في هذا العالم شيئٌ مجاني..فإذا أردت الإجابة على سؤالك، فعليكم أن تقدموا لنا شيئ بالمقابل..

تسائل يوزار :

وما الذي يا ترى تطلبنه أيتها العرافات الجليلات ؟؟

أشارت العرافة الى زينة وقالت :

نريد من تلك الأنثى أن تقيم على خدمتنا حتى يوافيها الأجل..

هنا قال يوزار :

من الذي يخادع الآن ؟؟

فمن المؤكد أنكن قد حزرتن أنها خالدة..

أي إنكن تطلبن منها أن تتحمل عجرفتكن وقرفكن ما دامت الحياة على الأرض..

غير أن زينة خاطبت يوزار قائلة :

لا بأس يا يوزار..إذا كان ذلك ما يتطلبه الأمر لتكمل مشوارك فسأتقبله بسرور..

لكن يوزار فاجئها بالقول :

كلا يا زينة..ماذا تقولين ؟؟ بالتأكيد أنا لن أرضى لكِ بذلك المصير أبدا..

وهنا..وأمام دهشة الجميع..

تحرك يوزار بسرعةٍ خاطفة..أسرع حتى من تفكير العرافات.. فقام بانتزاع العين العجيبة لحظة تمريرها من يد إحداهن الى الأخرى !!!

ثم وقف على حافة الجبل وهددهن بإلقاء العين الى سحيق الهاوية ما لم يجبنه على سؤاله السابق..

انذهلت العرافات من سرعة تحرك يوزار وارتعبن من تهديده، فقمن على الفور بالجواب على سؤاله بالقول :

هناك..بعد عبور نهر الموتى..ستصادفون (الحيزبون)..وهي امرأةٌ متوحشةٌ لها جسد أفعى..شعرها عبارةٌ عن ثعابين صغيرة..ولها القابلية على تحويلك الى صخرٍ بمجرد النظر الى عينيها..

قالت زينة :

وكيف سنجبر تلك المخلوقة على مرافقتنا ؟؟

رد يوزار :

الأمر سهل..سنأخذ رأسها فقط معنا..

ثم أعاد يوزار العين الى العرافات..ولمّا استدار ليرحل وإذا بالعرافات يخاطبنه بالقول :

ألا تريد أن تعرف ما يخبئ لك القدر يا فتى ؟؟

هنا التفتت زينة الى يوزار وقالت :

لقد حصلنا على ما جئنا من أجله يا يوزار…فهيا أرجوك لنمضي في طريقنا وتذكّر ما قلته لك أسفل الجبل..كانت هي تشير الى مغبة معرفة ما يخبئ له القدر..لكن يوزار التفت الى العرافات وأشار لهن بالكلام..

فقلن له :

لن تضطر لإكمال هذه الرحلة يافتى لأنك ستموت شهيداً خلالها..ثم ضحكن جميعاً ضحكةً مزعجة..التفت يوزار الى زينة فشاهد الدموع في عينيها وهي تقول له :

لا تصدقهن يا يوزار…فلا أحد حقيقة بإمكانه أن يعرف المستقبل، حتى وإن كان يملك عيناً باصرة عجيبة..

رد هو :

إذا كان الأمر كذلك، فلماذا إذن ترتعشين وأنتي تقولين هذا الكلام ؟؟ ثم تركها ومضى لحال سبيله…

وصل الجميع في رحلتهم الى أماكن لم تطأها من قبل أقدام الأحياء..فلقد بلغوا نهر الموتى..وكان نهراً غامضاً لا ترى ضفته الأخرى من شدة الضباب..

قالت زينة :

هذا النهر لا يعبره إلا الموتى..

في تلك الأثناء..شاهد يوزار على الأرض قطعةً نقديةً من الذهب الأحمر النادر..فحملها ووضعها في جيبه..ثم تقدم أحد الجنود ليخوض مياه النهر فنادته زينة بأن لا يفعل..

وهنا..اقترب غرابٌ من النهر وحاول الطيران فوقه..وما إن فعل ذلك حتى سقط جثةً هامدة !!!

فأشارت زينة الى الجندي وأوضحت له أن حاله كان سيكون كحال هذا الغراب تماما ..

قال الجندي :

وكيف سنعبر النهر ؟؟

ردت زينة :

الطريقة الوحيدة هي أن نستقلّ قارب (الخفير)..

قال الجميع :

وما الخفير ؟؟

أجابت زينة :

إنه شيطانٌ مكلفٌ بإيصال الأرواح الضالة الى الضفة الأخرى..ولكن لكي تصعد على متن قاربه فعليك أن تدفع له..

هنا..أخرج يوزار قطعة النقد التي عثر عليها وقال :

ما باليد حيلة..ثم رماها في النهر..وماهي إلا لحظات..حتى انشق جدار الضباب بواسطة قاربٍ عتيق يقوده مخلوقٌ مقنّع لا تظهر منه سوى عيناه الصفراوان..

قالت زينة :

اركبوا ولا تنظروا الى عينيه أو تنطقوا بحرفٍ واحدٍ أبدا..

ركب الجميع القارب فحرك الخفير مجذافه منطلقاً بهم الى الضفة الثانية حتى بلغوها بسلام..فنزلوا وابتعدوا عن النهر المخيف..

قالت زينة يوزار :

أنت تعلم أن قطعة النقد التي عثرت عليها هي هديةٌ من زحل..

قال :

أجل…ولذلك قلت عندما رميتها (ما باليد حيلة)..

قالت :

وكذلك عندما اختطفت العين من العرافات، فلقد تحركت أنت بسرعةٍ تضاهي سرعة جن الأقدار..

قال :

أعرف ما تحاولين قوله..وجوابي سيبقى دائماً هو (لا)…لن أرضخ لطبيعتي الجنيّة..وسأظل دائماً وفياً لجانبي البشري..

قالت :

سنرى بهذا الشأن في قادم المواعيد ..

وصل الجميع أخيراً الى نهاية رحلتهم..الى مقر الحيزبون الفظيعة..فشاهدوا العديد من التماثيل الحجرية لرجالٍ حاولوا القضاء على الحيزبون، لكنها أحالتهم الى حجرٍ بنظرةٍ واحدةٍ من عينيها الساحرتين بكل ما في الكلمة من معنى..دخل الرفاق مقر الحيزبون بحذرٍ شديد..لكن الأخيرة باغتتهم بثلاث سهامٍ قاتلةٍ من قوسها أصابت صدر أحد الجند فأردته صريعا..

آنذاك..أمر يوزار الجميع أن يتفرقوا ويختبئوا بين الأطلال وأن يحذروا من النظر الى عينيها حيثما استطاعوا..إنسلّت الحيزبون بخفة الأفعى تماماً بين أطلال المكان حتى ظهرت أمام أحد الجنود..فتفاجئ الأخير بها وما إن نظر إليها حتى اُحيل الى حجرٍ صلد..ثم ضربته بذيلها فدمرته تماما..

فانذهل بذلك الجندي الأخير الذي كان يقف الى جانبه فأغلق عينيه وأخذ يلوح بسيفه كالمجنون وهو يصرخ..لكن الحيزبون رمته بسهمٍ فاخترق فخذه، فصرخ الجندي وهو يرفع رأسه الى أعلى ويفتح عينيه على اتساعهما..فما كان من الحيزبون إلا أن تدلّت من السقف ونظرت نحوه، فما أسرع ما تصلب جسده..تلا ذلك أن سقط أرضاً وتحطم..ثم التفتت الحيزبون بعد ذلك الى يوزار..فشاهدته يركض هارباً بين الأطلال..فأخذت تقذفه بنبالها..لكن سرعة جري يوزار حالت دون أن تصبه بواحدٍ منها..فطاردته هي بدورها وهي تزعق حتى أوشكت أن تطاله بمخالبها…وفجأة صرخ يوزار وهو يقذف بنفسه منبطحاً على الارض :

الآاااااان…

هنا ظهرت زينة من خلف أحد الأعمدة الحجرية وفاجئت الحيزبون بضربةٍ خاطفةٍ من سيفها…لكن الحيزبون أخفضت رأسها في اللحظة الأخيرة فنجت رقبتها من القطع..غير أن بعض ثعابين شعرها لم تسلم من حد السيف..

إلتفتت الحيزبون بغضبٍ نحو زينة، فأغمضت الاخيرة عينيها وزحفت مبتعدةً وهي تنادي :

يوزار..ساعدني أرجوك..

لم يدرِ يوزار ماذا سيفعل..فهو لا يقدر أن يهاجم الحيزبون دون أن ينظر إليها..وهنا..واتته فكرةً عاجلة فنفذها على الفور..إذ حمل درعه اللماعة وكانت كالمرآة..ثم ضرب بسيفه ذيل الحيزبون فقطعه فالتفتت اليه وهي غاضبة وهجمت عليه بشراسة..

فما كان من يوزار إلا ان نظر الى انعكاس صورة عدوته على درعه فاستطاع ان يحدد موقعها بدقة..ثم أغلق عينيه وقفز صارخاً وأهوى بسيفه عليها فاجتز رأسها من عنقها..فأخذ جسدها يتخبط حتى جمد عن الحراك تماما..وهكذا تم أخيراً القضاء على الحيزبون الشريرة..فقام يوزار بوضع الرأس في كيسٍ ثم خرج مع زينة من مقر الحيزبون..

وبينما هما يتنفسان الصعداء بعد انتصارهما الأخير…وإذا بشقيف يهجم على يوزار من الخلف يحاول طعنه بحربته..فانتبهت إليه زينة فسارعت وحمته بجسدها وهي تصيح :

يوزااااار… إنتبه..

فجائت الطعنة في صدرها فسقطت وهي تشهق بصعوبة..ذهل يوزار مما حدث فتأججت نيران الغضب في صدره فرفع سيفه وتطاحن مع شقيف..لكن شقيف استطاع ان يكسب المعركة ويحطم سيف يوزار..فسقط الفتى وأخذ يزحف مبتعداً عنه، فضحك شقيف وأخذ يهزأ به ويقول :

أجل..إزحف هكذا كالدودة أيها الهجين الذي تجاسر على أسياده..

بلغ يوزار زينة وهي تحتضر فقال لها :

لماذا ضحيتي بنفسكِ لأجلي يا زينة ؟؟ كان يجب أن أستشهد أنا في تلك الرحلة…أتذكرين ؟؟

قالت هي والدموع تتحدر من عينيها :

مصيرك لا تحدده تفاهات العرافات..بل أنت الذي تصنع مصيرك بيدك…يا يوزار..

ثم وضعت بين يديه السلاح ذو القبضة الذهبية..فنهض يوزار وقد قرر ان يكرم عيني زينة بقتله لشقيف..فأمسك بالمقبض، وحالما فعل ذلك حتى شع من المقبض نصلٌ بتار..فدهش شقيف لكنه واصل هجومه على يوزار..فتفاجئ شقيف هذه المرة بصلابة يوزار واندفاعه الشديد في القتال..حتى تحطمت أخيراً حربة شقيف..فطار الأخير في الهواء وهو يقول :

أنظر الى الشمس أيها الهجين..ها قد بدأ الكسوف الآن..لم يتبقَ لديك وقت لتنقذ الاميرة..ثم اختفى في الهواء..

نظر يوزار الى زينة فشاهدها وقد تحوّلت الى شعاعٍ أبيض سرعان ما تلاشى..فقال :

كنتي محقة يا زينة..كنتي دائماً على حق..كان يجب ان أتقبل أصلي..فليس في ذلك عيب..ولا انتقاصٍ من جانبي البشري على الإطلاق..

وبينما هو كذلك..وإذا بالحصان الطائر الابيض يهبط بالقرب منه..فسر يوزار كثيراً وأدرك أن أبيه زحل لم يتخلّ عنه، حتى وإن أنكره يوزار وتجاهله في أغلب الأوقات..وهكذا ركب يوزار حصانه وانطلق يسابق به الريح نحو مملكة ساران حتى بلغها قبل انتهاء الكسوف بدقائق ..

لكن شقيف كان قد بث شياطينه في الأجواء لاعتراض سبيل يوزار حال وصوله..فجرد يوزار حسامه ومزّق جناحي كل شيطانٍ يعترض طريقه..حتى بلغ أخيراً المنصة التي علّقت بها الأميرة تمهيداً للتضحية بها..وفي تلك الأثناء..هاج البحر وماج..ثم ظهر مارد البحار بكل جبروته..وخاض البحر حتى بلغ منصة الاميرة..فأخذت الاخيرة تصرخ حتى كاد أن يغمى عليها من هول المصيبة..

ولمّا قرب المارد رأسه ليلتقم الاميرة، وإذا بيوزار يقف امام الأميرة..ثم يكشف من الكيس عن رأس الحيزبون..فلما نظر المارد الى عيني الحيزبون..إذ فجأة أخذ التصلّب والتحجر يستولي على أطرافه ومجساته..فأخذ المارد يزعق زعيقاً هائلاً يكاد يصم الآذان..ثم سقط أخيراً وقد تحطمت أجزاءه في كل مكانٍ من المحيط..

وهكذا تغلّب يوزار على مارد البحار العظيم..أما شقيف فقد كاد أن ينهار بعد أن شهد مصرع مخلوقه المفضل..فظهر مقابل يوزار وهو يحتدم غضباً وحاول مهاجمته…لكن هنا ظهر زحل وأطلس كلاهما ووقفا جنباً الى جنبٍ مع يوزار..

قال زحل :

انتهى أمرك يا شقيف..لم تعد قوياً بما يكفي..

لكن شقيف واصل صراخه واندفاعه..فقام الثلاثة بضربه بأسلحتهم فتقهقر شقيف الى أعماق الأرض السحيقة..

قال أطلس :

لقد عاد الى العالم السفلي..وسيظل محتجزاً فيه الى أن يموت..

تلا ذلك أن التفت زحل الى يوزار وطلب منه السماح لأنه لم يكن يعلم بشأنه..فما كان من يوزار إلا أن عانقه..ثم تقدم الملك من يوزار وشكره على إنقاذ ابنته وأخبره أنه لا زال على وعده بتزويج الاميره له..لكن يوزار اعتذر منه.. فتعجب الجميع، باستثناء زحل الذي قال :

يبدو ان قلبك مشغولٌ بفتاةٍ أخرى ..

رد يوزار :

الفتاة التي أفكر بها قد رحلت..ربما من الأفضل لو تعيد التفكير بكلامك هذا..

قال زحل ذلك وهو يشير الى فتاةٍ تقترب من يوزار وتمسك بيده..فالتفت يوزار مبهوراً بها وهو يقول :

زينة !!!! أنتي على قيد الحياة ؟؟؟

قالت بسعادة :

طعنة شقيف أزالت اللعنة عني وجعلتني فتاةً عادية…بإمكاننا ان نعيش وأن نشيخ معاً يا يوزار..ثم تهاطلت دموع الفرح من عينيها فطفق يوزار يمسحها من على خديها وهو في أشد السرور وأتم السعادة ..

يتبع …..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!