أسية عكور – موطني نيوز
وصف أحد المؤرخين البيزنطيين المعاصرين لتلك المعركة “ميريوكيفالون Myriocephalon”: (بأنها كانت منظراً بالغ التمزق، فالحفر امتلأت إلى ذروتها بالجثث، وبين الجبال وفي الغابات كانت هناك أكوام من القتلى، ولم يعبر أحد دون جروحٍ أو عويل، فالجميع كانوا يبكون ويولولون منادين أصدقاءهم وأقرباءهم المفقودين بأسمائهم).
(ميريوكيفالون) هي معركة وقعت شمال غرب (قوانية)، و قررت مصير آسيا الصغرى والشرق الاوسط بصورة نهائية ، فلم يعد للروم تهديد لبلاد الشام بعد ذلك، و اصبحت كلمة المسلمين هي العليا، وتم تحطيم القوة الميدانية للجيش الرومي نهائياً.
تحرك الجيوش إلى المعركة
في ربيع عام (572هـ – 1176م) قاد الإمبراطور “مانويل الأول” كلَّ قوَّات الإمبراطوريَّة البيزنطيَّة عاقد العزم على طرد الأتراك من غرب آسيا الصغرى طرداً تامّاً ، ثم الاستيلاء على العاصمة السلجوقيَّة (قونيَّة) ، كما جمع “قلج أرسلان” هو الأخر عساکره من جميع حلفائه وأتباعه فأصبح يُناهز في العدد جيش الإمبراطور البيزنطي وإن كان يقلُّ عنه في الأسلحة والعدة.
سار الإمبراطور “مانويل” بجيشه الكبير المثقل بالأمتعة والمؤن ومعدات الحصار قاصداً (قونيَّة) عبر إقلیم (فريجيا) ، واجتاز طریق (لودیکیا) وأعالي وادي نهر (المياندر) ماراً بحصن (سوبلايوم) حتى وصل منطقةً جبليَّةً قريبةً من الحدود.
بينما تقدَّم “قلج أرسلان” بقواته بمحاذاة (اكشيهير) ، وهنا جدد “قلج أرسلان” طلبه عقد الصلح ، فرفض “مانويل” مرة أخرى ، وصعد الإمبراطور بجيشه وادي (المياندر) نحو السلسلة الضخمة من جبل (السلطان) والمشتمل على شِعب ضيقٍ شديد الانحدار شمال بحيرة أجريدير (المسمى حالياً ممر تشاراك) ويقع في نهاية الشِعب حصن بیزنطي مهجور يُعرف باسم (میریوکیفالون Myriocephalun) قرب الحدود.
وكان الجيش السلجوقي قد احتشد حول التلال الجرداء المشرفة على الشِعب بحيث أصبح واضحاً للبيزنطيين.
مضت مقدمة الجيش البيزنطي داخل الشِعْب الضيِّق غير مباليةٍ بالأتراك المسلمين الذين أخذوا يدورون حول التلال وينقضون على جناح الجيش البيزنطي ومؤخرته ، في الوقت الذي واصلت فيه فرق الجيش الأخرى التقدم داخل الشعب وضغطوا على بعضهم البعض بشدَّة ، وحاول صهر الإمبراطور “بلدوين الأنطاكي” رد الهجوم التركي ، فقاد فرقةً من الفرسان في هجومٍ مضاد على التلال ، غير أنه قُتِل مع كلِّ الفرسان الذين معه ، فتحطمت معنويات الجيش ، كما زاد من هزيمتهم النفسية أن المسلمين كانوا يلوحون برأس صهر الإمبراطور .
وهنا فقد الإمبراطور “مانويل” شجاعته وولّى هارباً ، و تبع كل الروم إمبراطورهم وشرعوا فى الهروب للخلف ، فاصطدموا بعربات المؤن التى سدت عليهم طريقهم ، فانهال عليهم السلاجقة المنحدرين من أعالى التلال يحصدونهم حصدا حتى أُبادوا معظم الجيش الإمبراطورى.
وأمر سلطان السلاجقة “قلج أرسلان” بوقف القتال فنجت بذلك بعض فلول البيزنطيين من الإبادة وكذلك نجا من الأسر الإمبراطور الذى التمس عقد اتفاقية سلام ، فوافق “قلج أرسلان” ، فإنتهت هيبة الإمبراطورية البيزنطية للأبد وتبدد الأمل فى إعادة الإمبراطورية كقوة عظمى مرة أخرى ، ووصل المسلمين الى ساحل بحر (إيجة) .
نتائج المعركة
هزيمة السلاجقة الاتراك للروم والقضاء عليهم في (ميريو كيفالون) أصابت الصليبيين في الشام بالفزع لفقدهم الملجأ الآمن والحليف القوى الذين كانوا يلوذون به وقت الشدائد ، و كفلت الامان للجناح الشمالي لجبهة “صلاح الدين الأيوبي” ، فأستطاع المضي قدماً في تدمير الصليبيين و الإنفراد بهم و تحرير الأقصى.
وبذلك خدمت معركة (ميريوكيفالون) القضية الإسلامية برمَّتها ، وكانت هذه المعركة الحاسمة إحدى المآثر العظيمة التي قام بها الأتراك المسلمين في التاريخ.