المصطفى الجوي – موطني نيوز
كل على علم بما وقع أنذاك بفرنسا الارهابية، بدأت القصة صباح الثلاثاء الماضي، 27 يونيو 2023، بعد أن أقدم شرطي فرنسي وبدم بارد على قتل قاصر لم يمتثل لنقطة تفتيش مرورية وحاول تجاوزها في ضاحية نانتير غرب باريس. بحسب الرواية الفرنسية.
وبينما تضاربت الرواية الرسمية في بداية الواقعة، إذ تبنت الشرطة في بادئ الأمر أن الشاب قاد سيارته باتجاه شرطيين على دراجتين ناريتين لمحاولة دهسهما، إلا أن انتشار فيديو تم تداوله على مواقع التواصل الاجتماعي أظهر شرطياً يصوب مسدسه نحو سائق السيارة قبل أن يسمع صوت إطلاق النار لتصطدم السيارة بأحد الأعمدة الحديدية وتتوقف، كان سبباً في اندلاع الاحتجاجات والفوضى ليل الثلاثاء الماضي.
وبحسب الفيديو ذاته، ظهر شرطيان إلى جوار سيارة، يوجه أحدهما سلاحه نحو السائق عبر النافذة ويبدو أنه يطلق النار من مسافة قريبة جداً، بينما يحاول المراهق الهروب بالسيارة، الذي كان في الأصل ليس هروبا ولكنها رقصة الديك المذبوح. فحرارة الإصابة وهول صدمة القاصر من كون الشرطة اطلقت عليه النار بدون أي سبب لإستعمال القوة المفرط اتجاهه، جعلته يتعلق ولو بقشة. لكن النهاية كانت مأساوية..مات القاصر “نائل”، وباتت فرنسا على فوهة بركان.
فقد يخمد التراب جزوة النيران لبعض الوقت، لكن بعضا من الرياح قادرتا على إزاحته وإشعالها مرة أخرى. وهو بالفعل ما كشفت عنه الحداث الخيرة في فرنسا العنصرية. فكل المحاولات التي تحاول إظهار تجانس الشارع الفرنسي، وعدم التفرقة بين أطيافه إصطدمت بحائط “مساندة الجاني” على حساب “الضحية”.
بمقارنة بسيطة بين حجم التبرعات لعائلة الشرطي “فلوريان” قاتل الفتى “نائل” خلال عملية تفتيش مروري بسيط بضاحية “نانتير” غرب العاصمة باريس وبين ضحيته. نجد أن حصيلة حملة جماعية لجمع الأموال لعائلة رجل الشرطة بلغت 1.5 مليون دولار، وهو ما يزيد على التبرعات التي جمعت لصالح عائلة ضحيته “نائل” لمرتين أو اكثر.
فارق شاسع يفجر تباينات وإنقسامات المجتمع الفرنسي، والهوة الفاصلة بين طبقاته. وسايكلوجية تركيبة سكانية غير متجانسة الى حد بعيد. جعلت التبرعات للشرطي “قاتل نائل” تتجاوز بنحو خمسة مرات ما حصلت عليه عائلة الضحية.
وذلك ضمن حملات بدئها الاعلامي الفرنسي اليميني المتطرف “جون مسيحة” في اطار جهود جمع الأموال عبر منصة “gofundme” الأمريكية. تلك الحملة التي وصفها ساسة يساريون بـ “المخزية” بينما دافع اليمين المتطرف عن قوات الشرطة بقولهم : (إنها هدف يومي للعنف في الأحياء الشعبية المحيطة بالمدن الفرنسية). في حين وصف “مسيحة” الشرطي بالضحية لمطاردة شريرة، كما وصف جهود جمع الأموال بأنها رمز للفرنسا التي تقول : (لا لهذه الخيانة). ويواجه رجل الشرطة إتهامات بالقتل العمد، وجرى وضعه رهن الاحتجاز.
لم يكتفي اليسار الفرنسي بموقف المتفرج، لكنه تدخل منتقدا ما حدث، حيث حت زعيم الحزب الإشتراكي “أوليفيه فور” منصة “gofundme” على وقف الحملة. وكتب عبر وسائل التواصل الاجتماعي (أنتم تزيدون هوة تتسع بالفعل بدعمكم رجل شرطة يخضع للتحقيق في إتهام بالقتل العمد. أوقفوا هذا).
فعلى تأكيد الجميع، أن لكل فرد حرية التصرف في اموال تبرعاته. لكن هذا يطرح سؤالا كاشفا، وهو..لماذا وصلت حملة تبرعات ضد ضحية لهذا الحد؟ الإجابة جاءت من السؤال ذاته. فالقارف الشاسع يفسر أن حسم معادلة التفوق في مثل هذه الأمور لا يخضع للعدد، وإنما لحجم القوة الاقتصادية للفرد. فالعنصري الذي يكره سكان الأحياء الفقيرة على سبيل المثال، يملك المال أكثر ممن تعرضوا للعنصرية، وبالتالي سيدفع أكثر للجلاد. لأن الضحية تظل هدفهم المشتركة معه.
كما أن التمثيل السياسي للعرب و المسلمين عموما في فرنسا العنصرية ضعيفا نوعا ما. في نتيجة بديهية لضعف نتيجتهم في التصويت أثناء الإنتخابات لإختيار من يدافع عنهم وعن حقوقهم ومطالبهم.