بقلم شعيب جمال الدين – موطني نيوز
الزمان : الجمعة 15 دجنبر 2017 (شهرين قبل إعتقاله)
التوقيت : 17:30 مساء ( توقيت غرينتش)
المكان : مطار حمد الدولي بالدوحة قطر
الموضوع : السلطات القطرية تمنع الصحفي المغربي توفيق بوعشرين من دخول أراضيها بعد ثلاث ساعات ونصف من الإحتجاز داخل مكتب شرطة المطار .
أحياناً يجب على المرء إمتلاك الإرادة القوية والرغبة الأكيدة والقناعة التامة من أجل إماطة اللثام على الجانب المظلم من عقله، لكي يستشرف بشكل سليم و واضح الأحداث و القضايا التي لا يمكن النظر إليها إطلاقاً بشكل موضوعي ومنطقي، في ظل وجود جمود فكري عبارة عن مزيج من تعصب الشخص للأفكاره الجاهزة الغير قابلة بنسبة إليه للتغيير أو على الأقل للمراجعة وإعادة النظر فيها، وإن ظهرت له دلائل عدم صحتها، و في الغالب تكون مرجعية هذا النوع من الأشخاص مرتبطة بشكل أو بأخر بخلفية إيديولوجية معينة.
إزداد الصحفي توفيق بوعشرين سنة 1969 بمدينة مكناس من أسرة بسيطة تابع دراسته الإبتدائية والإعدادية والثانوية بنفس مدينته ثم أكمل دراسته العليا بجامعة محمد الخامس بالرباط ، حيث حصل بها سنة 1997 على( ديبلوم الدراسات العليا في العلوم السياسية حول المجتمع المدني) إشتغل بعدة صحف وطنية قبل أن يخوض تجربة رئاسة تحرير صحيفة المساء التي قدم إستقالته منها سنة 2008 للأسباب قيل أنها خلافات مهنية مع رشيد نيني ليؤسس بعدها جريدة أخبار اليوم اليومية وعدة مواقع إلكترونية أهمها “لكم.كوم” .
خلال مسيرة توفيق بوعشرين يمكن القول أن واقعة سوداء لا يمكن تجاهلها تسببت في تلطيخ سمعته و أساءت كثيراً إلى صورته كصحفي مواطن، هي تورطه سنة 2010 في قضية نصب وإحتيال( ملف جنحي تلبسي رقم 22/757/10) تدور تفاصيلها حول فيلا فخمة توجد في حي النهضة بالرباط في ملكية المشتكى عبد الواحد قبلي (مهاجر مقيم بهولندا) الذي إتهم في شكاية توفيق بوعشرين وبعض السماسرة بالتواطئ مع أحد الموثقين بالكتابة في عقد البيع ثمن غير المتفق عليه مسبقا بين الطرفيين.
حسب أقوال المشتكي فثمن الفيلا المتفق عليه مع بوعشريين هو مبلغ 560 مليون سنتيم في حين حرر في العقد المبرم مبلغ 180 مليون سنتيم في قضية تحمل بين طياتها تفاصيل طويلة ومتشابكة يطول شرح ملابساتها .
على العموم في النهاية قضت هيأة الحكم بمحكمة الإستئناف بالرباط في حق توفيق بوعشرين بستة أشهر حبسا موقوفة التنفيذ وغرامة مالية قدرها 10 آلاف درهم .
في بداية سنة 2011 حملت موجة الربيع العربي الإسلاميين للسلطة في تونس ومصر وليبيا والمغرب لم يكن إسثتناء ، في أواخر سنة 2012 سيجد عبد الإله بن كيران وحزبه الإسلامي هدف يومي لقلمين إتصف لدى النخبة بالشعبوية ، الأول مدير جريدة ورقية معروفة جدا و الثانية مدونة ترسل قدائفها من صفحتها الفايسبوكية بعد أن فشلت في أخد نصيبها من كعكة دعم صعود البيجيدي بإعترافها في تسجيل صوتي مسرب .
أمام توالي هذه الهجمات كان لابد من إيجاد صحفي متمرس و معروف يحدث توازن أصبح أنذاك ضرورة ملحة شريطة أن يكون يملك أسطول إعلامي إضافة إلى توفره على قاعدة محترمة من الجمهور فكان الإختيار على الصحفي بوعشرين الذي لم يكن إعتباطي بل مدروس بحكم أن هذا الأخير كانت تربطه صداقات و علاقات متينة مع قياديين كبار ومناضليين الصف الأول بحزب العدالة والتنمية.
كان قلم توفيق بوعشرين مدافع شرس على معظم القرارات اللاشعبية للرئيس الحكومة السابق عبد الإله بن كيران، بحيث قام بدور مهم في صد الإنتقادات التي كان يتعرض لها حزب العدالة و التنمية من خلال الرد عليها بأسلوبه التحليلي في إفتتاحيته لجريدته أخبار اليوم يعاد نشرها بصفحته الرسمية بالفايسبوك ، مما خلق تكافئ في الحرب الإعلامية .
سنة 2015 سينظم توفيق بوعشرين المنتدى السياسي الأول المنعقد يومي 14 و 15 ماي تحت شعار ( الربيع العربي والإنتقال الديمقراطي الحالة المغربية) بأحد الفنادق الفاخرة بالرباط بحضور أزيد من 250 ضيف من داخل وخارج الوطن تم حجز مسبقاً أجنحة كاملة لشخصيات فكرية و سياسية عربية وغرف للمشاركين من إعلاميين و أساتذة جامعيين .
هنا ستطرح أسئلة بصوت خافت في الصالونات المغلقة حول مصادر تمويل هذه التظاهرة الضخمة ؟؟؟ من يدعم ماديا من وراء الستار الصحفي توفيق بوعشرين ؟؟ كيف لصحيفة حجم مبيعاتها اليومية لا تتجاوز عشرات آلالاف أن ينظم مالكها مثل هذه التظاهرة ذات الصيت الإقليمي والعربي !!!!
إذا عرف السبب بطل العجب، فقد نهج النظام القطري سياسة واضحة المعالم ، مع صعود التيار الإسلامي للحكم في الدول العربية عبر دعم و مساندة مشروعهم السياسي والترويج له إعلاميا وتوفير السيولة المالية من أجل تقوية دورهم وتعزيز حكمهم من خلال تمويل الجهات الإعلامية التي تخدم أجندتها في المنطقة العربية ، وهذا بإعتراف رئيس وزراء قطر الأسبق حمد بن جاسم المقرب جدا من السلطة ، الذي صرح على قناة بي بي إس الأمريكية في يونيو 2014 “نحن ندعم الإسلامين
للأن لهم دورا مؤثر في المنطقة من العراق إلى المغرب، وهم قيمة سياسية لا يمكن تجاهلها بتاتاً “.
وقد كان مركز مايفير الإسلامي القطري يقع غرب العاصمة لندن في حي راقي نصف عقاراته و محلاته التجارية مملوكة للأثرياء قطر ، بمتابة الواجهة الخفية للتواصل و تجنيد الأذرع الإعلامية والفكرية المتعاطفة مع التيار الإسلامي الإخواني.
توفيق بوعشرين لم تكن تحليلاته السياسية محصورة بالشأن الوطني بل حلق بعيدا ليحشر أنفه في الشؤون الداخلية لعدد من الدول الشقيقة مثل مصر والسعودية وذالك بنشره مقالات نقذية قاسية لنظام عبد الفتاح السيسي وولي العهد محمد بن سلمان في موقع (العربي الجديد) الموالي لقطر ويعاد نشرها بعدة منابر قطرية و عربية مدعومة من الحكم القطري.
في الشهور الأولى من سنة 2016 سيحمل أحمد جمال الدين السفير المصري بالرباط ، ملف كبير يتضمن كل ماكتبه توفيق بوعشرين عن إنقلاب السيسي على الرئيس المنتخب الراحل محمد مرسي وتحريضه على مواصلة مقاومة نظام العسكر، وبدأ الرجل مثل التائه، يطوف بالملف لعرضه على المؤسسات الرسمية من وزارة الخارجية والتعاون مرورا بإرسال نسخ إلى جهات نافذة، وصولا إلى طلبه من رئيس الحكومة عبد الإله بن كيران بالتدخل لكن دون جدوى .
الوضع مع المملكة السعودية كان أخطر وأشد حدة بحيث بعد سلسلة مقالات نقدية قوية ضد نظام الحكم الملكي السعودي سيقوم بوعشرين بتاريخ 27 شتنبر 2017 بخطوة إنتحارية بكل ماتحمل الكلمة من معنى، سينشر مقال خطير جدا بعنوان (رعب في بلاد الحرمين) يحمل إنتقادات تجاوزت الخطوط الحمراء تخص السياسة الداخلية لولي العهد محمد بن سلمان، فما كتبه لم يتجرأ حتى أشرس معارضي نظام آل سعود على الجهر به مثل جمال خاشقجي .
لكن الأمر الذي أغضب كثيراً سفارة السعودية بالمغرب ووزارة خارجيتها وإعتبرته تطاول لم يعد يحتمل هو نشره إفتتاحية في الصفحة الأولى بجريدة أخبار اليوم تحت عنوان “الأمير الذي يبيع الوهم” يقصد ولي العهد محمد بن سلمان .
أجبرت عبد العزيز بن محي الدين خوجة سفير السعودية في المغرب على التقدم بشكوى إلى وزارة الخارجية المغربية.
في واقع الأمر ما كان يزعج دوائر القرار في القاهرة و الرياض بخصوص كتابات بوعشرين، هو ترويجها على نطاق واسع في مواقع عربية لديها متابعة كبيرة بالعالم العربي و مدعومة من جهات قطرية، التي كانت أنذاك في صراع إقليمي بأبعاد جيو سياسية مع النظام المصري و السعودي .
توفيق بوعشرين خانه ذكاءه في شد العصا من الوسط فسقط بسذاجة في عش الدبابير و لعب بالنار مع مراكز قوة أكبر من حجمه كصحفي، ربما إعتقد في لحظة من اللحظات أنه أصبح رقم صحفي صعبا في المملكة، لكنه لم يدرك أن ذالك لا يعدو سوى أوهام بعيدة عن أرض الواقع.
بل صنع لنفسه بشكل مجاني خصوم و أعداء كثر في الداخل والخارج ، للأسف الشديد تم إستعماله من طرف حزب العدالة والتنمية لتصفية حساباتها الشخصية القديمة مع أسماء نافذة بالدولة وكذالك بعض الوزراء بالحكومة .
في حين وظفته جهات قطرية لديها أجندة إقليمية لمهاجمة و إزعاج أنظمة شرق أوسطية، تشهد بينهم خلافات إيديولوجية وصراع حول مصالح إستراتيجية في المنطقة العربية قبل أن يتقرر التخلص منه في 15 ديسمبر 2017.