بقلم شعيب جمال الدين – موطني نيوز
تاريخ حافل جدا بالغدر والخيانة والإنقلابات، شهدتها عائلة آل ثانى الحاكمة في قطر منذ نشأتها ، فلم تكن تمر فترة زمنية معينة دون أن يحدث صراع خفي أو علني على السلطة بين أفراد الأسرة ينتهي إما بالتصفية الجسدية أو النفي خارج البلاد ،فهذه الإمارة الخليجية الصغيرة مساحة، منذ إنشقاقها عن السيادة البحرينية والسعودية تحول قصر الوجبة بمنطقة الريان غرب الدوحة، إلى فضاء تكثر فيه الخلافات و النزاعات بين الأسرة الحاكمة بهدف الإستحواذ على مقاليد الحكم.
عائلة آل ثانى الحاكمة في دولة قطر يعود نسبها إلى القبيلة السعودية عمر بن معضاد بن مشرف، كانت تستقر بمنطقة يبرين 130 كيلوميتر جنوب الرياض، قبل أن تهاجر إلى قطر في القرن الثامن عشر، حيث مؤسس دولة قطر الشيخ محمد بن جاسم ثاني 1913/1826 نجح في فرض وصايته على البلاد سنة 1886 ميلادية بفضل دعم المملكة السعودية و تحالفه مع المندوب السامي البريطاني الكولونيل لويس بيلي حيث عقد معه معاهدة مخزية كتبت بمداد العار و الذل منح من خلالها بريطانيا صلاحيات واسعة للإدارة شؤون البلاد من لندن مقابل تعزيز وتقوية سلطة و وجود أسرة آل ثانى في الحكم الذي كان مجرد شكلي لا دور ولا أهمية به.
هذه الإمارة شهدت سلسلة طويلة من الإنقلابات الفاشلة و الناجحة ، تلك التي ظلت في طي الكتمان و السرية التامة أو التي كشفت للعلن بعد نجاحها و صدرت بخصوصها بلاغات رسمية كان دائما قاسمها المشترك هو التشابه في الصياغة و عرض أسباب و مبرارات تنفيذ الإنقلاب التي ترجح إلى تردي الوضع الإقتصادي و الإجتماعي وجمود تقدم البلاد و الأهداف المرجوة من العملية الإنقلابية، التي لا تخرج في كل محاولة عن إطار السعي إلى تحقيق مصلحة الوطن والشعب و تنظيف البلاد من آفة الفساد و محاربة المفسدين وتحديث الحكم و الدولة وهلم جرا من الوعود التقليدية و العبارات الرنانة التي يختبئ وراءها جميع الإنقلابيين في دول العالم الثالت من أجل الإستيلاء على السلطة.
البذرة الأولى التي أسست لمنهجية الإنقلاب في قطر ،لتصبح عادة طبيعية بل روتينية داخل أسرة آل ثانى يورثها الأب والإبن و إبن العم، بذأت مع عهد الشيخ عبد الله بن جاسم آل ثانى الذي تولى الحكم في 17 يوليوز 1913 و إستمر إلى غاية 20 غشت 1949 عندما نجح نجله الأكبر علي بن عبد الله آل ثانى في الضغط عليه للتنازل له على الحكم بدعم من جميع أفراد العائلة الحاكمة ،لكنه قبل بلوغه هذا الهدف، قاما بالتخلص في ظروف غامضة من شقيقه الأكبر ولي العهد الشيخ حمد بن عبد الله يوم 7 ماي 1948 ليتم تعيينه مكانه وليا للعهد في 30 يونيو 1948 قبل أن ينقلب على والده .
وبما أن الإنقلاب في دولة قطر تحول إلى”جين متأصل” حتى أصبح عرفا بل قاعدة أساسية في قصر الوجبة، فإن الشيخ علي بن عبد الله آل ثانى سيشرب من نفس الكأس الذي سقي به والده، بحيث بعد 11 سنة من الحكم، سيقوم بعزله نجله الأكبر أحمد بن علي آل ثانى في 24 أكتوبر 1960.
في 23 أكتوبر 1972 ستشهد إمارة قطر ثالت عملية إنقلاب ناجحة ،قادها هذه المرة الشيخ خليفة بن حمد آل ثانى ضد إبن عمه أحمد بن علي آل ثانى الذي تم الإطاحة به أثناء قضائه العطلة بإيران في منطقة بن بندر، فورا علم هذا الأخير بخبر الإنقلاب عليه صدرت أوامر من الدوحة بمنعه من العودة نهائيا إلى قطر، ليختار بذالك الإقامة في المنفى بسويسرا في فيلا يمتلكها هناك لكنه توفي بلندن في 25 نوفمبر 1977.
مع مرور العقود أصبحت ظاهرة حدوث الإنقلاب داخل العائلة الحاكمة بقطر تقليد وراثي، يتم التعامل معه بشكل عادي جدا فلا يدعو وقوعه أي إستغراب أوصدمة لدى الشعب و النخبة المثقفة و المؤسسات الرسمية و دوائر صناعة القرار ، لهذا فإن التاريخ أعاد نفسه حرفيا مع الشيخ خليفة بن حمد آل ثانى بعد تعرضه للإنقلاب من طرف نجله حمد بن خليفة آل ثانى في 25 يونيو 1995 عند قيامه برحلة للعلاج في سويسرا.
وبما أن الأب حمد بن خليفة آل ثانى لم يرث الحكم من والده بسلاسة كما تجرى العادة في الحكم الملكي، فمثل ما فعله مع والده المسن دارت الدائرة عليه، حيث لم يكن يعلم أن زواجه من موزا آل مسند التي تزوجها فقط ليضمن ولاء آل مسند له، لكونها إبنة خصمه اللدود ناصر بن علي عبد الله،كان معارض شرس لحكم أسرة آل ثانى، ستدق المسمار الأخير في نعشه.
الشيخة موزا دخلت إلى الأسرة الحاكمة كزوجة رابعة لحمد الذي إرتبط ببنات عمومته، لكي تطيح به من الحكم ليس من أجل أحد من قبيلتها آل المسند المعروفة بعلاقاتها الواسعة مع جمهورية إيران،وإنما من أجل إبنها المدلل تميم بن حمد الأمير الثاني في الترتيب من مواليد 1980 بعد شقيقه الأكبر جاسم بن حمد آل ثانى من مواليد 1977 الذي يعتبر الأحق قانونيا وشرعيا بالحكم لكن فرض عليه بالقوة التخلي عن ولاية العهد في 3 يونيو 2003 لصالح الحاكم الحالي قبل أن يتبوء الأمير تميم بن حمد آل ثانى سدة الحكم في 25 يونيو 2013 بدعم ومساندة والدته موزا و عدة جهات داخلية.