بقلم شعيب جمال الدين – موطني نيوز
على إمتداد 603700 كيلومترا مربعا من مساحة أوكرانيا يصول و يجول في سرية تامة عشرات العملاء و الجواسيس يتحركون بصمت رهيب مغلف بحذر شديد ، حريصون على عدم إرتكاب أي خطأ أو هفوة تقود إلى كشف أمرهم .
تلعب أجهزة الإستخبارات العالمية دورا أساسي ومحوري في الحرب الأوكرانية الروسية ، على مستوى توظيف المعلومات الإستخباراتية و العسكرية والتقنية في مواجهة العدو ،وهو ما يمثل أحد الأدوات الإستراتيجية في حسم كفة الحرب لصالح طرف على حساب الآخر،هذا الدور الخفي برز على نحو مبكرا على صعيد التنبؤ بحدوث الحرب و تهيئة الرأي العام الدولي قبل نشوبها فعليا في 24 فبراير 2022.
إذ إستطعات المخابرات المركزية الأمريكية تسريب معلومات على فترات متقاربة كانت عبارة عن تقديرات بإحتمال قيام الجيش الروسي بغزو أوكرانيا من خلال الإعتماد على بيانات صور الأقمار الصناعية التي رصدت تحركات مريبة و مكثفة للقوات الروسية على الحدود.
إضافة إلى الإستعانة بالمصادر البشرية من موسكو المتعاونة سرا مع السي أي إيه وهو ما دفع الأخيرة إلى طرح تقييمات واضحة بإتهام قصر الكرمليين بالسعي إلى زعزعة الإستقرار داخل كييف و إسقاط نظامه الشرعي و تنصيب آخر موالي له على شاكلة نظام دولة بيلاروسيا التي يحكمها صديق بوتيين الرئيس ألكسندر لوكاشينكو منذ سنة 1994.
خلف صور سقوط القتلى المدنيين و الجنود وأخبار إغتيال الجنرالات وقادة الجيش الروسي و الأوكراني ومشاهد الدمار الهائل في المباني و البنية التحتية للأوكرانيا التي ثبتها على مدار الساعة وسائل الإعلام الدولية ، يدور صراع من نوع آخر على أرض المعركة غير مرصودة من مراسلي شبكات الأخبار بين الأجهزة الإستخباراتية العالمية حتى تلك المتحالفة.
فالبحث عن المعلومة بين عملاء الأجهزة العالمية، يخلق مما لا شك فيه صراع كبير وتنافسية على أعلى مستوى.
فالوصول إلى المعلومة الثمينة المؤثرة بطبيعة الحال على مجريات الحرب بغض النظر عن نوعها، تظل من مهام العميل أو الجاسوس حيث ينتهي دوره بعد إرسالها إلى رئيسه المباشر، لتبقى طريقة توظيفها من صلاحية المسؤوليين في مراكز صناعة القرار على رأسهم رئيس الجهاز الإستخباراتي، الذي يعود له قرار إختيار الألية المناسبة للتعامل مع المعلومة، بين الإحتفاظ بها كأحد الأسرار الغير مسموح بالكشف عنها بتاتاً أو تقاسمها مع أحد الحلفاء “الأصدقاء” في إطار إتفاقية التعاون الإستخباراتي المتبادل بين الطرفين .
وهذا الأمر يفرضه طبيعة وأهمية وقوة المعلومة في إحداث ضربة موجعة إلى العدو ،كما حدث عند تفجير مستودع النفط في سيفاستوبول الروسية بطائرة مسيرة أوكرانية، والضربة الإستخباراتية القاسية التي ذهب ضحيتها 400 جندي روسي ليلة رأس السنة 2023.
وكذالك قصف السفينة الروسية الحربية “موسكفا” بصواريخ نبتون الأوكرانية تسببت في غرق السفينة الضخمة في أعماق البحر الاسود وهلم جرا من أحداث ووقائع سبق لنا رصدها تحت المجهر في تقرير سابق دقيق ومفصل تطرقنا خلاله إلى الحصيلة العامة للعمليات الإستخباراتية من الجانبين الروسي و الأوكراني.
إذا كانت أوكرانيا تتلقى الدعم اللوجستي و العتاد العسكري والمساعدة الإستخباراتية القوية من الدول الغربية و الولايات المتحدة الأمريكية فإن روسيا تراهن على الصين التي تظل أخطر حليف إستراتيجي لها في حربها مع الغرب وأمريكا ففي الوقت الذي عبرت الإدارة الأمريكية عن تخوفها من تفكير بكين في مد موسكو بالأسلحة ، تناسو أن الدعم الإستخباراتي و التقني والتكنولوجي التجسسي المتفوقة فيها الصين يشكل خطر يضاعف عشرات المرات لموضوع الأسلحة، فالمخابرات الصينية المصنفة عالميا من العشر الأوائل معروفة بقوتها على مستوى التجسس الفضائي و الصناعي و الإلكتروني، وهذا ما تحتاجه حاليا روسيا في حربها في أوكرانيا حيث تلعب مثل هذه المعطيات دورا حاسم على أرض المعركة .
وكالة المخابرات المركزية الأمريكية فطنت إلى أهمية هذه النقطة قبل نشوب الحرب ،ففي سابق هي الأولى في تاريخ السي آي إيه ، قرر رئيسها وليام بيرنز في أكتوبر 2021 إنشاء وحدة متخصصة في مراقبة الصين أطلق عليها إسم (CMC)
إضافة إلى تطبيق ألية تحالف العيون الإستخباراتية الخمسة الموجهة خصيصاً ضد الصين و المكونة من مخابرات بريطانيا وأستراليا و نيوزيلندا وكندا ثم أمريكا.
على العموم فإن الصين وصناع قرارها الإستراتيجي ليس من مصلحتهم هزيمة حليفهم فلاديمير بوتين في الحرب ، فذلك يعني تعزيز نفوذ القطب العالمي الواحد الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية .
مما يؤشر على إستمرارية النظام العالمي الحالي لعقود أخرى من الزمن وبالتالي إفشال طموح تعدد الأقطاب الذي أعلن عنه رسميا على هامش فعاليات المنتدى الإقتصادي السابع الذي نظم في مدينة فلاديفوستوك أقصى شرق روسيا في السادس شتنبر 2022 .