
الحسين بنلعايل – موطني نيوز
في عام 2025، ونحن نعيش زمنًا كثرت فيه الشعارات الدينية وقلّت فيه القيم التي جاء بها الدين، يثور في النفس سؤال مؤلم: هل أصبحنا نعبد النص ونقتل روحه؟ هل تحولت ديانتنا إلى مظاهر فارغة، وتركنا جوهرها الذي هو الرحمة والعدل والإنسانية؟
لم يكن هذا مسارًا قدرًا علينا، بل كان انحرافًا عن الجوهر الحقيقي للدين. لقد تحول الدين في ممارسات كثير منا إلى طقوس جوفاء، بينما فقدنا روحه التي كانت يجب أن تظل حية في تعاملنا مع الآخرين. نتشدق بالشعارات الدينية، ونرفع رايات الإسلام عاليًا، لكننا في واقع الأمر نفتقد إلى أبسط قيم الإسلام: الرحمة والعدل والإحسان.
عندما ننظر إلى المجتمعات الغربية، التي نسرع إلى وصفها بـ”الكفار”، نجد مفارقة تثير الحزن. نجد عندهم احترام الإنسان، ورعاية المريض، وحقوق المسن والمعاق، وكرامة المواطن محفوظة بالقانون لا بالمنة. بينما في مجتمعاتنا، تجد من يرفع شعار “الإسلام دين الحق”، لكنه لا يعرف الرحمة، ولا يراعي الجار، ولا ينصف الضعيف. أليست هذه المفارقة دليلاً على أننا أضعنا جوهر ديننا بينما احتفظ “غير المسلمين” ببعض قيمه الإنسانية؟
لقد سبقنا نبيّنا محمد صلى الله عليه وسلم إلى الإقرار بهذه الحقيقة عندما قال لأصحابه: “اذهبوا إلى الحبشة، فإن بها ملكًا لا يُظلم عنده أحد”. لم يكن ذلك الملك مسلماً، لكنه كان عادلاً، إنسانًا. فهل فقدنا نحن ما امتلكه أولئك الذين نصفهم بـ”غير المسلمين”؟ لقد اعترف النبي بقيمة العدل والإنسانية حيثما وجدتا، بغض النظر عن دين صاحبهما. فمتى نعيد نحن اكتشاف هذه الحقيقة البسيطة العميقة؟
الغرب أخذ من الإسلام جوهره: المعاملة. ونحن تمسكنا بالقشور، وتركنا الجوهر. أصبح الدين عند بعضنا وسيلة للتفرقة والتسلط، لا للإصلاح والتراحم. تحول إلى أداة للتفاخر والاستعلاء على الآخرين، بدلاً من أن يكون سبيلاً للتواضع والخدمة. صرنا نرى من يطيل لحيته ويرفع صوته بالدعوة، لكنه يغش في تجارته، ويظلم مستخدميه، ويقسو على أهله. أليس هذا هو التناقض بعينه؟
لقد جاء الإسلام ليُصلح النفوس والمجتمعات، ويبني حضارة إنسانية تقوم على العدل والرحمة. لكننا حولناه إلى مجموعة من المظاهر والشكليات، نختلف عليها ونقتل من أجلها. أصبح الاهتمام بالشكل واللباس والهيئة، بينما إهمال الجوهر والأخلاق والتعامل. صرنا نعبد النص حرفيًا، ونقتل روحه الإنسانية. نختلف على الفتاوى والتفاصيل، وننسى الكليات التي جاء الدين من أجلها.
إن هذا الانزياح عن الجوهر ليس جديدًا، فقد حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم حين قال: “إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم”. كما قال: “تبسمك في وجه أخيك صدقة”. هذه التوجيهات النبوية تؤكد أن جوهر الدين هو المعاملة والخلق والسلوك، لا المظهر والشكل والكلام.
إن العودة إلى جوهر الدين تتطلب منا مراجعة شاملة لمناهجنا التربوية وخطابنا الديني وطرق ممارستنا للدين. يجب أن نعيد ترتيب أولوياتنا، فنتعلم أن الدين المعاملة قبل كل شيء. أن ندرك أن الإيمان الحقيقي يظهر في التعامل مع الآخرين، بغض النظر عن أديانهم وأعراقهم. أن نعيش الإسلام كما عاشه النبي وأصحابه: عدلاً ورحمة وإحسانًا.
أيها المؤمنون، عودوا إلى الأصل: الدين المعاملة. ولنكن دعاة بأخلاقنا، لا بأصواتنا فقط. لنكن قدوة في التعامل والسلوك، قبل أن نكون قدوة في المظهر والكلام. لنتذكر دائمًا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بُعث إلا ليتمم مكارم الأخلاق. فإذا فقدنا الأخلاق، فقد فقدنا جوهر رسالتنا.
إن تحول الدين إلى شعارات جوفاء يفرغه من مضمونه، ويحوله من قوة إصلاحية إلى أداة تفريق وتسلط. أما إذا أعدنا اكتشاف جوهره الحقيقي، وهو الرحمة والعدل والإنسانية، فسنستعيد دورنا الحضاري، ونكون كما أرادنا الله: خير أمة أخرجت للناس.