
المصطفى الجوي – موطني نيوز
الضوء لا يُسلط إلا حيث تكون الجرأة أقوى من الصمت، والحقيقة أقسى من التعتيم. ها هي بنسليمان مدينة السيبة والفساد، نموذجٌ صارخ لفوضى لا علاقة لها بالصدفة، بل هي “فوضى خلاقة” تُدار بمهارة شيطانية في دهاليز قسم التعمير بالجماعة ومكاتب العمالة. إنها فوضى تُحصد من ورائها الأموال، وتُسحق تحت أعتابها كرامة المواطن المغربي البسيط الذي لم يفهم بعد “قانون اللعبة”. فالقانون هنا ليس نصوصاً في الجريدة الرسمية، بل هو ما تمليه أهواء موظفين حوّلوا الوظيفة العامة إلى منصة للابتزاز الممنهج.
المشهد لا يحتمل المجاملة، مواطنون ينتظرون أشهراً، وملفات تُدفن في الأدراج حتى تختفي معالمها، بينما “المرضي عنهم” – أولئك الذين فهموا “رسالة” النظام الموازي – يستلمون وثائقهم في لمح البصر ولو كان الموظف المكلف في عطلة ادارية. إنها رسالة واضحة، الطريق إلى رخصة السكن أو شهادة المطابقة لا يُعبّد بالاستحقاق القانوني، بل “بفهم الرسالة” التي لا تحتاج إلى ترجمان. والرسالة ببساطة هي أنك في سوق مساومة، والسلعة هي حقك، والثمن هو ما ستجود به من مال أو وساطة.
ولكي تكتمل حلقة المهزلة، يأتي دور “المراوغة المدروسة”. فبعد أن ينهك المواطن الانتظار ويُضنى التردد، إذا به يُواجه بطلبات مفاجئة كطلب “شهادة المطابقة من عند مهندس محلف”. طلبٌ يبدو قانونياً في ظاهره، لكنه في حقيقته باب آخر من أبواب الإرهاق المالي والمعنوي. إنه اختراق بارع للنظام، تحويل المسؤولية من كاهل الإدارة إلى جيب المواطن، وإمعاناً في إشعاره بأنه وحيد في هذه المعركة غير المتكافئة.
والأكثر خطورةً ووقاحةً هو ما يحدث في “شمس المدينة”، حيث تمنح رخص السكن لشقق هي في الأساس لا تستحقها. شقق تفتقر إلى أبسط الشروط التي ينص عليها قانون التعمير، ومع ذلك تحصل على “البركة الرسمية”. هذا ليس مجرد إهمال، إنه تواطؤ صريح على المواطن وعلى سلامته، وتلاعب سافر بمصير أسر ستسكن في بنايات قد تتحول إلى كوارث. أين الرقابة؟ وأين الضمير؟
إن المتأمل في هذه الدائرة المفرغة من العبث والتماطل يدرك أن هناك “نظاماً موازياً” يعمل بكفاءة عالية. نظام يبتز رعايا صاحب الجلالة داخل أسوار الجماعة ومكاتب العمالة، ويحول أحلامهم في سكن لائق إلى كابوس من الانتظار والذل. والسؤال الذي يفرض نفسه بقوة : أين المسؤول الإقليمي الأول من كل هذا؟ هل هو على اطلاع تام بهذا الابتزاز المنظم الذي يحدث تحت سمعه وبصره، أم أن التقارير لا تصل إليه؟ وإن وصلت تصل مشوهة؟
إن الصمت هنا ليس بريئاً، والتغاضي جريمة. آن الأوان لكسر جدار الصمت، وفضح هذه الممارسات التي تجعل من المواطن غنيمة في سوق مساومة مقيتة. آن الأوان لمساءلة من يجعلون من القانون ستاراً لممارساتهم، ومن الوظيفة العامة سوقاً للمتاجرة بالحقوق. فالمواطن المغربي لم يعد يقبل بأن يكون ضحية لفوضى “ممنهجة” تدار خلف الواجهات الرسمية. الكل يرى، والكل يعرف، والسؤال الذي ينتظر إجابة : من سيكون شجاعاً لوضع حد لهذه المهزلة؟ ولماذا لا يطبق القانون على الجميع وإلتزام الإدارة به؟ فحيثما يكون الاستثناء يكون الفساد…